الجمعة 26 ابريل 2024

ضوابط الفهم الصحيح للنصوص الشرعية فى الجامعة المصرية على الطريقة الإرهابية

مقالات24-9-2021 | 21:02

كثيرا ما يطالب الرئيس عبد الفتاح السيسى بتجديد الخطاب الديني، والاقتراب من اعمال العقل فى النصوص وإعادة فهم التراث، موجها جزء من هذا الحديث للمؤسسة الدينية، والتى من المفترض فيها أن تقوم بهذا الفعل قبل ان يطاب به أحد، إلا أن مطالبات الرئيس عبد الفتاح السيسى تتجاوز المؤسسة الدينية لا شك، فالمنوط به إعادة القراءة والتجديد ومواكبة العصر هى الجامعة المصرية بكل فروعها وبكل مؤسساتها فالتعليم العالى والبحث العلمى هما القاطرة الحقيقية لنهضة هذه البلاد، ووضعه فى مصاف الدول المتقدمة، ولكل ما سابق حاولنا البحث عن الدراسات والأبحاث التى قدمتها الجامعة المصرية فى هذا الشأن، وفوجئنا أن عددا ليس بالقليل من الدراسات المقدمة فى مجال الدراسات الإسلامية والعربية الفرع الأكثر تخصصا الذى من الفترض به اعادة الفهم والمراجعة لتراثنا الإسلامى بمروياته المتشعبة، أنه ينتمى للفكر الوهابى وجماعات الإسلام السياسي، أكثر من ارتباطه بتيار العقلانية فى هذا التراث، بداية من المعتزلة واخوان الصفا وصولا إلى ابن رشد والرازى وغيرهما.

 

وحول ما تقدم نناقش دراسة للدكتور حسين عبيد عون الله ابراهيم، مدرس الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق جامعة أسوان، تم نشرها فى المجلة المحكمة "حوليات كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات – بنى سويف، فى المجلد 7 العدد 7 لعام 2015، حول موضوع "ضوابط الفهم الصحيح للنصوص الشرعية"، ولأن موضوع الفهم الصحيح موضوع مهم إذ يشتبك مع أكثر الموضوعات التى تشغل عدد كبير من المثقفين والمهتمين بالشأن العام وهو "موضوع تجديد الخطاب الديني"، والذى يتحدث عنه الرئيس السيسى منذ توليه السلطة وحتى الأن، وللأسف لم نكن نفهم ما الذى يعطل عملية التجديد إلى أن تم اكتشاف أن الذين من المفترض بهم يقومون على هذا التجديد، هم الذين يقفون حجر عثرة فى طريقة، فهم ينتمون للماضي، وللفهم القديم والتفاسير والمناهج القديمة، وانهم منتشرون فى جامعاتنا ومراكزنا البحثية، وفى أروقة الثقافة ويتقلدون مناصب مهمة فى اتخاذ وصنع القرار، والدكتور صاحب الدراسة واحد من هؤلاء.

بداية لا أحد يعترض على وجود ضوابط للفهم الصحيح للنصوص بشكل عام، سواء كانت نصوص شرعية أو غيرها من النصوص أدبية كانت أو قانونية أو غيرها، ولكن أن توضع هذه الضوابط عن طريق أئمة التكفير والإقصاء والتطرف مثل أبى الأعلى المودودي، وسيد قطب، ويوسف القرضاوي، ومن قبلهم ابن تيمية، هذا ما لا يقبله عاقل وبالأحرى لا تقبله دراسة أكاديمية محكمة من جامعة الأزهر ومن كلية الدراسات الإسلامية، فأى ضوابط تلك التى نأخذها من أئمة الإرهاب سوى الاقصاء والتكفير، وتكاد تكون أشهر مقولات ابن تيمية "يستتاب أو يقتل"، والسيد قطب منظر الإرهاب الحديث والقرضاوى ومجلس علماء الإرهاب العالمي.

تحتوى الدراسة على ثلاثة مباحث الأول يتناول فيه الباحث ماهية مفردات البحث ومصطلحاته، والمبحث الثانى يتناول فيه خصائص النصوص الشرعية وأسباب الفهم الجديد لها، أما المبحث الثالث فيتناول فيه ضوابط فهم النصوص الشرعية.

 

وبداية من المقدمة يتخذ الباحث موقفا عدائيا من الكتابات الجديدة فى مجال الفكر الإسلامى ويصفهم الكاتب بأنهم صرعى أمام الغزو الثقافى الأوروبى فيقول: "فقد ظهر فى الأونة الأخيرة بعض الكتابات لبعض ممن بهرتهم الحضارة الغربية المادية، الذين سقطوا صرعى أمام الغزو الثقافى الأوروبي، واهتزت ثقتهم بدينهم وبصلاحيته للحياة، وظنوا أن تخلف المسلمين وضعفهم ناجم عن تمسك المسلمين بدينهم، فظهرت كتاباتهم تحمل شعار عصرنة الإسلام وتحديثه، وذلك عن طريق التقارب والمصالحة بين الدين الإلهى وأديان البشر الوضعية" ص 275وهنا يؤكد الدكتور حسين عداءه الواضح للحضارة الغربية لأنه غير مدرك أن هذه الحضارة نتاج غنسانى فى المقام الأول، ويتبنى فى الوقت ذاته أطروحة هانتجنتون فى صدام الحضارات، وليس هذا فقط بل يلقى اتهاماته على المخالفين له كدأب جماعة الإخوان الإرهابية فى تشويه الأخر المختلف معهم، ورفضه التام للتقارب أو المصالحة الإنسانية بين البشر وحضاراتهم، تماهيا مع سيد قطب وقاعدة الولاء والبراء فمن ليس على دينى فهو عدوى تلك النظرة التى أكد عليها مرارا الدكتور حسين مستندا لمقولات قطب فى ظلال القرآن ومعالم على الطريق، حيث حكم على المجتمع بالجاهلية ليبرر قتل المخالف.

 

يستمر دكتور الشريعة بكلية الحقوق فى تأكيده العداء للآخر فى صفحة 287 إذ يقول: "أما بالنسبة للغزو الفكري.. هو أن تتخذ أمة من الأمم مناهج التربية والتعليم لدولة من هذه الدول الكبرى، فتطبقها على أبنائها وأجيالها، فتشوه بذلك فكرهم وتغير من المنهج الذى عليه عقولهم، وتخرج بهم إلى الحياة وقد أجادوا بتطبيق هذه المناهج عليهم شيئا واحدا هو تبعيتهم لأصحاب تلك المناهج الغازية أولا، ثم يلبس الأمر عليهم بعد ذلك فيحسبون أنهم بذلك على الصواب، ثم يجادلون عما حسبوه صوابا ويدعون إليه". وهنا يصل الدكتور الجامعى إلى تحريم التعليم الغربى لأنه من وجهة نظره به خطورة على عقول شباب الأمة، ويتماس هنا مع جماعة بوكو حرام النيجيرية التى انطلقت من نفس فكرة العداء للتعليم الغربى ومناهجه، ولكنها فى المقابل لا ترى غضاضة فى استخدام منتجات هذا العلم الغربى من وساء اتصال ومواصلات وأسلحة، وما الدكتور الجامعى بمعزل عن هذا الاستخدام النفعى لمنتجات التعليم الغربى ومناهجه البحثية، وأعتقد أن البحث العلمى الذى نال به الدكتور حسين درجة الدكتوراه به الكثير من المراجع العلمية الأجنبية، ورغم ذلك يهاجم هذه المناهج ويعتبرها غزوا فكريا، وهنا يؤكد لنا أنه يريد العودة بالتعليم فى مصر إلى ما قبل الثورة الفرنسية، وأن تختزل العملية التعليمية فى الكتاتيب وأروقة الأزهر الشريف، ويقوم كل شيخ بتعليم تلاميذه ما يرى فيه صالحهم أو حسب مصالحه الشخصية سياسية كانت أو اجتماعية واقتصادية، دون الالتزام بمنهج علمى فى العملية التربوية، بحجة أن هذه المناهج انتاج الغرب وغزو فكري.

 

ويستمر دكتور الشريعة بكلية الحقوق فى هجومه على الغرب والحضارة الغربية فى لهجة تحريضية تكاد تصل لتكفير هذه الحضارة، وهذه المرة يهاجم البعثات العلمية للخارج والتى وضعتنا على خارطة العالم الحديث بداية من رفاعة الطهطاوى وحتى الأن، وكأنه يريد الإنغلااق على الذات وعدم الانفتاح على الأخر أيا كان، وهى ردة حقيقية إلى أيام دولة الاحتلال العثمانى "الخلافة العثمانية" وعزلها العالم العربى عن العالم ما أدى إلى تأخرنا قروننا عن مواكبة تطور العالم والعلم. وهذا يرشدنا إلى كثرة اقتباساته من سيد قطب وابن تيمية والقرضاوى وغيرهم من أئمة التكفير والإرهاب، فيتبنى الدكتور الجامعى عقيدة الولاء والبراء، والتى على أساسها يقسم العالم حسب ابن تيمية إلى دارين "دار حرب ودار سلام"، والغرب بالنسبة لكاتبنا حسب اقتباساته هو دار الحرب الذى لا يفترض أن نأخذ عنهم شيء بل نحاربهم ونغزوهم.

 

فيقول الدكتور الجامعى على البعثات العلمية: "أما بالنسبة للإنبعاث والدراسة فى الغرب فكان من الأسباب الرئيسية التى جعلت كثيرا من أبناء العروبة والإسلام، يطلعون على علوم ومعارف الحضارة الغربية التى لم تكن معروفة فى العالم الإسلامى فى مطلع القرن العشرين، ولم تقتصر استفادة المثقفين العرب من حركة الانبعاث إلى الخارج على العلوم التجريبية فحسب بل تقدمتها إلى الاستفادة من علوم ومعارف تخص ميادين العلوم الإنسانية أفكارا ومناهج، مما أثر فى طرائق تفكير شريحة واسعة من هؤلاء المبتعثين، وجعل غالبيتهم معتقد أن أوروبا هى عامل التحديث الأساسي" ثم يزيل هذه الفقرة بقوله: "وأما بالنسبة لأتباع الهوى فى فهم النصوص الشرعية فهو حرام" ص 289، فى إشارة منه إلى تحريم البعثات وتحريم الاطلاع على المناهج البحثية الحديثة فى أوروبا متناسيا فضيلة الدكتور الجامعى أن جهاز الكمبيوتر الذى يكتب عليه أبحاثة وأن الشبكة العنكبوتية "الانترنت" الذى ينشر عليها أبحاثه، وأن التليفون والتليفون المحمول الذى يتواصل به مع العالم، وغيرها من المنتجات ما هى إلا نتاج لهذه الأفكار والمناهج والأبحاث العلمية التى أنتجها الغرب، فهل استخدامها حرام بناء على قاعدة ما بنى على باطل فهو باطل؟!

 

وأخيرا تتضح رؤية الدكتور الجامعى أستاذ الشريعة بكلية الحقوق، تلك الرؤية المتماهية مع سيد قطب فى تجهيل المجتمع والواقع، فقط لرؤية البعض من علمائه بتطوير الشريعة على حد قوله فيهاجم الشيخ عبد الله العلايلى والشيخ محمد أبو زهرة وغيرهم ممن طالبوا بتطوير الفقه وتجديده فيقول: "والحقيقة أن صدور هذا الرأى من العلايلى وأمثاله ليس بمستغرب لأنه من أبرز الدعاة إلى تطوير الشريعة وتبديلها بما يتناسب مع متغيرات الزمان والمكان، ولكن الغريب حقا أن يستجيب لضغط الواقع الجاهلى علماء ملأت شهرتهم الأفاق،.. أمثال الشيخ محمد أبو زهرة" ص 290، وهنا يقر دكتور الشريعة بجاهلية المجتمع والواقع كما أقر استاذه سيد قطب فى كتابيه "معالم على الطريق، وفى ظلال القرآن" والذى يستند إليه ويقتبس منه الدكتور الجامعي.

 

ليس هذا فقط بل يريد استاذ الشريعة أن نقف عن اللحظة الزمانية والمكانية التى تم فيها انتاج الفقه الاسلامى وكأن صلاحية هذا الفقه لكل زمان ومكان، فالسابقين لم يتركوا للاحقين شيء من العلوم ومن هنا تم غلق باب الاجتهاد بل وتحريمه على يد الدكتور الجامعى حيث يقول: ".. لم يقف الأمر عند هذا الحد فحسب بل اتهم بعض الكتاب المعاصرين بأن الفقه الذى كتبه الفقهاء لم يعد مناسبا لذلك الزمان، وكأن الفقه كله من اختراع الفقهاء وتأليفهم" وهنا تكمن الاشكالية الكبرى والحقيقية عن الدكتور الجامعى فهو لا يعتبر الفقه انتاج بشرى لأنه يستنبط الأحكام من النص الشرعى وغاب عن الدكتور الجامعى المسئول عن تعليم أبنائنا والذى يأخذ راتبه من ضرائبنا، أن الذى يقوم بعملية الاستنباط نفسها "الفقيه" بشر وليس معصوم وليس مقدس وأنه يخطأ ويصيب وأنه مرتبط بسياقات اجتماعية ونفسية وسياسية واقتصادية وجميعها يؤثر فيه سلبا وايجابا وبالتالى يمتد تأثير هذه السياقاط على عملية الاستنباط نفسها.

 

المشكلة الحقيقية لدى الدكتور الجامعى ومن على شاكلته أنهم يؤمنون بقداسة الفقهاء وأن آرائهم الفقهية صالحة لكل زمان ومكان بغض النظر عن معنى الفقه اللغوى والاصطلاح الذى يدور حول الفهم، فلكل منا فهمه الخاص للنص القرآنى أو للمسألة الفقهية، أو فى طريق الوصول إلى الله "الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق"، ولنا سؤال لفضيلة الدكتور الجامعى إذا كان الفقه صالح لكل زمان ومكان، فعلى أى مذهب فقهى سوف نسير، ولماذا اختلف الفقهاء فى المسألة الواحدة لدرجة تأليف مصنفات فى اختلافهم، واذا كان هؤلاء الفقهاء اختلفوا حول النص القرآنى وحول السنة فكيف لنا أن لا نختلف مع ما كتبوه؟ هل ما كتبوه مقدس عن القرآن والسنة أم أن لهم الحق فى الفهم وليس لغيرهم وكيف لنا أن نقدسهم ونقدس ما كتبوه؟!

يعترض الدكتور الجامعى أيضا على بعض من يقولون بأنه ليس هناك نظام حكم إسلامي، دون أن يقدم لنا ولو ملمح واحد من ملامح هذا الحكم، أو تفنيد هذا الاعتراض ويستشهد بأراء الغنوشى زعيم حركة النهضة التونسية والملطخة أياديهم بدماء الشعب التونسي.

 

السؤال مهم الذى نتمنى الاجابة عليه من المسئولين عن العملية التعليمية بشقيها "المدنى والديني" على أى أساس تم تحكيم هذه الدراسة ومن ثم نشرها فى مجلة من اصدارات جامعة الأزهر، هل جامعة الأزهر وكلية الدراسات الإسلامية والعربية بنات _بنى سويف تنتهج هذا الفكر الاقصائى والمتطرف والتكفيري، الذى تؤكد عليه الدراسة، وهل تعتمد كلية الحقوق جامعة أسوان أبو الأعلى المودودى وسيد قطب والقرضاوى والغنوشى ومن قبلهم ابن تيمية مرجعية لها؟

أسئلة كثيرة تفجرها هذه الدراسة حول ارتباط منظومة التعليم العالى "مدنى وديني" وإصداراته بالجماعات الإرهابية وعلى رأسهم جماعة الإخوان الإرهابية ومنظريها.

Dr.Randa
Dr.Radwa