صوت مميز وابتسامة لا تفارقه وجهه و"كايزما" صنعت لأجله، مثقف لأبعد الحدود يجري الفن في دمه، عمل "حلواني" ومحامي لمدة شهر حتى خطفه الفن، ولو لم يكن عليها ممثلا لاخترناه، بات أحد عباقرة التمثيل، أخلص لفنه حتى الرمق الأخير، كان يعتبر التمثيل "متعة" وليس مهنة، احترم عقلية جمهوره فخلد اسمه ليظل هو "الخالد" الذي لا ينسى، جسد كل الشخصيات وأشدها صعوبة، هو "حاتم" أمين الشرطة في "هي فوضى" و"إبراهيم" الذي كان يعتقد أن كيلو الكباب أكثر رومانسية من الورد الذي طلبته "يسرية" في"أحلى الأوقات" و"الشيخ جعفر" في "الجزيرة" و"كمال الفولي" في "عمارة يعقوبيان" و"الشيخ مصباح" هو رجل الأعمال والنصاب والمحامي، هو "فرعون" الفن و"تاجر السعادة" و"القنصل" الفنان خالد صالح.
ولد خالد صالح في 23 يناير 1964 بالقاهرة، التحق بكلية الحقوق وعلى مسرح الجامعة تعلق قلبه بالفن، بعد تخرجه عمل في المحاماة لمدة شهر واحد، وبدأ في العمل مع شقيقه "إنسان صالح" في مصنع الحلويات الذي يمتلكه شقيقه، كان عمله في المصنع يقتضى أن يستيقظ في السابعة صباحا حتى يقوم بفتح المصنع للعمال بينما يستيقظ في التاسعة وعندما يتوجه للعمل يجد العمال في انتظاره تكرر هذا الفعل طويلا ليطلب منه شقيقه أن يترك العمل واستغنى عن خدماته، كان يريد أن يعلمه درسا في الإلتزام بالمواعيد، ترك العمل بعد أن خطفته نداهة الفن.
اتجه إلى مسارح الهواة، ومسرح الهناجر بدار الأوبرا، ومسرح معهد الفنون المسرحية، وكان من بين زملاءه خالد الصاوي ومحمد هنيدي، وقدم عدد من المسرحيات أبرزها "الميلاد، أنطوريو وكيلو بطة، طقوس الإشارات"، وكان عمره 36 عامًا عندما بدأ الرحلة، نحو عامين وهو يتحسس طريقه حتى جاءت الفرصة، مشهد وحيد في فيلم "محامي خلع" للمخرج محمد ياسين لفت إليه أنظار المنتجين ومخرجي السينما عندما قدم دور "القاضي" الذي يتولى الحكم في قضية الخلع التي أقامتها "رشا" ضد زوجها، بينما يقف أمامه المحامي "بدر النوساني"وهو يردد "هل يختلط الزيت بالماء؟" عدة مرات ليبادره قائلًا "خلاص يا أستاذ.. ما تسكتيه يا رشا".
فتح له السينما ذراعيه وشارك بدور أكبر في فيلمي "خلي الدماغ صاحي" و"النعامة والطاووس" وبعدهما في "ميدو مشاكل" كان "صالح" يتنقل بين الأدوار يقدم الكوميديا والتراجيديا، وكانت النقلة الكبرى في فيلم "تيتو" مع أحمد السقا، في دور "رفعت السكري" ليثبت أنه قادر على تقديم أدوار الشر وتركه وراءه بصمة وإفيه "أنا بابا يلا".
لم يستعجل الشهرة أو البطولة المطلقة يمشي في طريقه بخطوات ثابتة يقدم ما يعرف أنه لا يستطيع غيره على تجسيده فشارك دراميا بأدوار صغيرة في مسلسلات "يوميات زوج معاصر" مع أشرف عبد الباقي، و"محمود المصري" مع محمود عبد العزيز، و "الدم والنار" مع فاروق الفيشاوي.
كان على موعد مع الشهرة الحقيقية في فيلم "أحلى الأوقات" 2004 للمخرجة هالة خليل، عندما قدم دور "إبراهيم" الرجل الذي تنقلب حياة زوجته "يسرية" عندما تلتقى بأصدقاء الدراسة "سلمى وضحى" وتدور بينهما مباراة في الإفيهات أبرزها عندما يطلب منها تجهيز الأكل فترد عليه" أطلع ارميلك نفسي من السطوح عشان ترتاح يا إبراهيم" ليبادرها "تفتكري كده هشبع يا يسرية؟"، وتبقى الجملة الأبرز "أنا عايزة ورد يا إبراهيم وما تقولش إنك شايف إن كيلو الكباب رومانسي أكتر منه".
توالت أدواره وقدم في 2005 للسينما 5 أفلام "ملاكي إسكندرية، فتح عينيك، خالي من الكوليسترول" بينما الأبرز كان دور "بكر الرويعي" في "حرب إيطاليا"، وفي نفس العام برع في تجسيد دور "فرج خنزيرة" في مسلسل "أحلام عادية" مع يسرا، وحقق نجاحا عريضا يليق بموهبته.
في السينما قدم "عن العشق والهوى" 2006، بالتزامن مع "عمارة يعقوبيان" ليقف أمام الكبار ويتألق في دور "كمال الفولي" الذي يعتبر الأقرب لقلبه، وفي العام نفسه قدم واحد من أجمل أدواره "بؤبؤ" المدرس الذي تعرض لعملية نصب فقرر أن يعمل نصاب في "ثمن دستة أشرار" مع محمد رجب.
دخل عالم يوسف شاهين بعد أن قدمه تلميذه خالد يوسف في ظهور خاص في فيلم "حين ميسرة" 2007 ليجسد دور "رضا" الذي تنتظر والدته عودته من العراق، ليقدمه "شاهين" في نفس العام بطلاً في "هي فوضى" مع منة شلبي، في دور أمين الشرطة "حاتم" وبرع في تقديم المشهد عندما يطلق على نفسه بالرصاص أمام الجميع.
حان وقت البطولة المطلقة التي جاءت من ناحية التليفزيون في مسلسل "سلطان الغرام" 2007، وحقق حينها نسبة مشاهدة عالية في زمن ما قبل "التريند"، ليكرر مع المخرجة شيرين عادل التجربة في مسلسل "بعد الفراق" 2008.
لم يكن خالد صالح ممثلا عاديا ولكنه يعتبر أحد أساتذة مدرسة السهل الممتنع، ويدرك كبار مخرجي السينما حجم موهبته الإستثنائية، كرر التعاون مرة آخرى مع خالد يوسف في "الريس عمر حرب" وقدم واحدا من أجمل أدواره وبرع في أداء دور الشر بطريقة مختلفة متفردة استخدم فيها كل ما أوتي من موهبة.
مع شرين عادل قدم للتليفزيون "تاجر السعادة" 2009 في دور "مصباح" الرجل الكفيف الذي يرى الدنيا على حقيقتها ويعرف عنها الكثير، ولإتقان دوره ظل يتعلم العزف على العود لمدة شهرين كاملين، وفي العام التالي قدم مسلسل "موعد مع الوحوش".
تألق في دور "القنصل" في فيلم "ابن القنصل" 2010 مع أحمد السقا، بينما برع في تجسيد دور "ذكري القط" الصعيدي الذي يبحث عن قاتل والده ويسعى لجمع أشقائه تنفيذا لوصية أمه "قمر" في فيلم "كف القمر".
لم تتوقف بطولاته في الدراما وقدم "الريان، 9 جامعة الدول، فرعون، حلاوة الروح"، كان يعمل بكل جد وإخلاص وكأنه يعرف أن النهاية تقترب وبات يعمل ليل نهار مخلصا لفنه وجمهوره.
قدم للسينما في 2003 "فبراير الأسود" في دور "حسن" الذي أثنى عليه الجمهور والنقاد، وقدم الفيلم حالة خاصة لمشكلات المجتمع في كوميديا سوداء، وفيلم "الحرامي والعبيط" مع خالد الصاوي صديق الدراسة والمسرح، وكانت المحطة الأخيرة في حياة "صالح" فيلم "الجزيرة 2" في دور "الشيخ جعفر".
تزوج خالد صالح من الدكتورة هالة زين العابدين بعد تخرجه من كلية الحقوق في الفترة التي عمل فيها بالمحاماة وأنجب منها "علياء" والفنان أحمد خالد صالح.
كان قلبه يحمل الحب والخير وأوجاعا لازمته وهو في الـ 34 من عمره ومع عودته للتدخين وبعد نحو 15 عامًا من التعب والشقاء لم يمهله القدر أن يجنى حصاد التعب وآن الآوان ليستريح.
إذ دخل لإجراء عملية قلب مفتوح في مستشفى مجدي يعقوب للقلب في أسوان، وعقب إجراء العملية ساءت حالته وفاضت روحه إلي بارئها وتوفي في 25 سبتمبر 2014 عن عمر ناهز الـ 50 عامًا وسط صدمة سيطرت علي الوسط الفني، وحزن كبير بين جمهوره، رحل ولكنه يبقى "خالد" في وجدان محبيه و"صالح" في سيرته الطيبة.