السبت 23 نوفمبر 2024

مقالات

فضل الشغف ونبذ الانكسار

  • 25-9-2021 | 14:24
طباعة

لا يمكن أن أنكر شغفي ببعض النماذج، والأماكن، والأشياء، وحتى صناعة الذكريات، شغفاً يصل إلى مرتبة العهد الذي قد لا أجد له تفسيرًا، غير أنه مشاعر فطرية خلقني الله عليها وارتضاها لي، مشاعر الامتنان تجاه الأشخاص والاعتراف بفضلهم حتى وإن لم يكن لذلك الفضل منفعة لشخصي في بعض الأحيان، مشاعر الود تجاه الأماكن التي تلهمنا وتمنحنا طاقة الكون، مشاعر إدراك أهمية الأشياء ووقعها في النفوس، أو حتى مشاعر الحنين للذكريات.

فعلى مدار سنين العمر أجدني منساقة -دونما شبهة قصد- تجاه النماذج الخلّاقة، الهائمة في ملكوت الله تعمل وتبدع وتلهم الآخر، بدءً من الطفل الذي يحبو ويمنح أهل البيت طاقة تفوق طاقة الماء والشمس، وانتهاءً بالطير الذي يقف على شرفات المنازل، والقطط التي تلهو بالشوارع، وكل النماذج الملهمة في محيط كل أسرة، ومحيط سكن أو دراسة أو عمل.

تلك الطاقات مجانية المشاهد والاستمتاع واستلهام الروح الإيجابية، دعتني لأن أُمعن في عبادة تأملاتي المعتادة في خلق الله وحكمته في الأشياء، فهو الذي وضع لاعب تنس الطاولة إبراهيم حمدتو في أصعب اختبارات الحياة بفقده لكلتا ذراعيه منذ الصغر، وهو أيضاً من ألهمه العزيمة ليستخلص منها قدراته المكنونة ليخرج منها طاقة رياضية تعجب لها الجميع حتى صار أيقونة بارالمبياد طوكيو الأخيرة، وجعل منها تميمة الإرادة والعزيمة في التاريخ الرياضي بأكمله.

وهو أيضاً من جعل من سيدة الإسكندرية المعروفة بالسيدة منى فتاة العربة -والتي كانت تجر عربة البضائع بجسمها الهزيل الذي أكل عليه الدهر وشرب- في طريق أحد المصورين، لتنتشر صورتها بسرعة البرق وتجد دعماً ربانيا،ً تمثل في تقدير مؤسسة الرئاسة لها ومنحها سيارة تؤمن لها الحياة الكريمة التي تليق بها، كأثنى تشق على نفسها لتمنح الحياة لآخرين كعهد ملايين السيدات المصريات، هذ النموذج النسائي صارخ القوة والإرادة دون تهليل أو صراخ أو حتى القدرة على التعبير من أساسه، هي فطرة جعلت منها تقوى على حمل الصعاب رغم جسمها الهزيل، وتتحدى به المجتمع رغم تخاذله ونكرانه.

وهو أيضاً من وضع الموهبة في أنامل ذلك الشاب عظيم الإرادة ابن مدينة رشيد ذو الثلاثين ربيعاً إبراهيم بلال، صانع المجسمات على سن الأقلام الرصاص، الذي أدرك صدق موهبته ولم يتركها فريسة انتقاد الآخرين واستهزائهم بها، فمجرد إيمانه بقدراته ويقينه بالقدرة التي تحركه من الداخل كانت هي الدافع والوازع لاستكمال الطريق برغم هول المشقة والتحديات.

ورغماً عن نجاح عشرات وكالات الأخبار والتليفزيونات العالمية في نيل سبق التسجيل معه كرويترز، و سي إن إن، وبي بي سي، ودويتش فيلا، ووكالة الأنباء الفرنسية، بخلاف التليفزيون الصيني والكوري والهندي، وقنوات العربية والكوفية وتليفزيون الكويت، واستضافة برنامج "مصر تستطيع" له، إلا أنه لم يزل يسعى لتحدي نفسه وتمرير عدة رسائل منحوتة على سن أقلامه الرصاص التي يعاملها معاملة الأبناء.

الملهم في الأمر، أن هذا الفتى اليافع الذي يمكنه بسهولة تحقيق أرباحاً جيدة تؤمن له رغد العيش، إلا ومازال يصر على تبنيه لعدة قضايا يمكنك ببساطة استلهامها من لقاءاته أو حتى صفحته الشخصية، فقضية "الهوية" هي الشغل الشاغل له، وهو الأمر الذي يعكس صدق اهتمامه بنحت نماذج تحاكي الآثار المصرية المختلفة، هذا بخلاف إصراره على تمرير رسائل تؤكد اعتزازه بمصريته وهويته فوق أي اعتبارات مادية أو اعتبارات تدعو للتنازل مهما كان حجم الإغراءات.

تلك النماذج التي أفخر بكونها تشاركني سماء وأرض نفس الوطن، التي ألهمتني التحدي والإرادة رغماً عن ظروفهم الصحية، أو بيئتهم البسيطة، أو حداثة عمرهم، أو تواضع كل المقومات من حولهم، لا أجد حرجاً بالمرة في أن أعلن تأثري وشغفي بحجم طاقتهم، وأعلنها لنفسي قبل الآخر بعين يملؤها الصدق والقوة، فإذا كان كل فاسد، أو مُضلِل، أو صانع فتن، أو ناشر للإحباط والانكسار يجد الحُجة والمبرر والدافع لوضع يده بيد من يماثله ويشاركه الشعور، فمن باب أولى أن نقوم نحن المؤمنون برحمة الله، الموقنون بعدله، الداعون لجبره، والمتحصنون بالإرادة أن نجد المبرر المشروع لدفع بعضنا البعض والاستقواء بطاقة الخير والعمل والعلم التي منحنا الله إياها.

ولنضع دعوة سيد الخلق سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام نصب أعيننا " إذا قامت الساعة وفي يد أحكم فسيلة فليغرسها"

الدعوة صريحة لغرس الخير وزرع الأمل وتعظيم قيمة العمل.