الثلاثاء 26 نوفمبر 2024

مقالات

من روائع الآثار المصرية فى المتاحف العالمية (34)

  • 25-9-2021 | 17:47
طباعة

صنع المصريون القدماء نوعين من الفخار، أجودهما من الفاينس، الذى استعمل فى الرمل، أو الكوارتز، وحده لصنع الهيكل الأصلي، بينما صنع النوع الآخر، وهو الأكثر انتاجاً واستعمالاً، من طينة طمى النيل، أو الصلصال المصنوع منه، والذى كان يتمتع بعضه بجودة عالية، وخاصة ما كان موجوداً فى بعض المناطق فى قنا جنوب مصر. وينتج طمى النيل من ترسب الغرين وبقايا الفتات الصخرى الذى حمله النيل فى مجراه، ثم ترسب هذا الطمى على ضفاف النيل منذ الأزمنة السحيقة.

وحاول كثير من العلماء وضع تصور لتصنيف الفخار المصرى القديم، ووضع تسلسل زمنى نسبى له، وساهم العالم البريطانى بنصيب كبير فى هذا التصور عند اخترع طريقة تلبى هذا الغرض عام 1899، وهى تستند إلى التغيرات فى أنواع الأوعية المختلفة وانتشارها وتدهورها مع مرور الوقت.

تم صنع الفخار المصرى القديم فى الأصل لأسباب وظيفية وليس لأغراض التزيين.

 

جرّة فخارية- متحف أشموليان- فى أكسفورد- بريطانيا

وتدل الآثار المادية التى عثر عليها، أن المصريين القدماء كانوا حرفيين موهوبين، وكانت صناعة الفخار فنًا قد برعوا فيه، وطوروه صناعة وزخرفة وانتاجاً. ولقد أنتجت مصر فى فترة ما قبل الأسرات (ما قبل 3200 ق.م)، أى ما قبل بناء الأهرامات بمئات السنين، فخارًا عالى الجودة، قبل أن يتطور أكثر وأكثر خلال عصور مصر التاريخية اللاحقة. يشهد بذلك الكثير والكثير من الأوانى الفخارية ذات الأشكال المختلفة، وذات الزخارف النباتية والهندسية والحيوانية الكثيرة التى تنتشر فى الكثير من متاحف العالم.

كان للأشكال المختلفة للفخار المصرى العديد من التطبيقات. فقد استعمل المصرى القديم الفخار فى صناعة العديد من الأدوات التى يحتاج إليها فى حياته اليومية، وفى الطقوس والشعائر الجنائزية، وكمرفقات فى المقابر مع المتوفى. فكان يصنع من الفخار  الأوانى والأدوات المنزلية لحفظ الطعام والشراب وتخزينه وتقديمه، فكان أن صنع منها أكواب حفظ الجعة (البيرة)، والنبيذ، والزيوت، وأباريق الماء، وقوالب الخبز، ومشاعل النار، والقناديل، وحوامل الأوانى المستديرة، التى كانت شائعة الاستخدام فى الأسر المصرية.

وعادة ما كان لون الفخار المصنوع من طين النيل بعد الحرق يأخذ اللون الأحمر أو البنى وربما يأخذ اللون الأسود أو الرمادى اعتماداً على نوعية الطينة وطبيعتها، وعملية الحرق.

استند اختيار المواد إلى الظروف المحلية ووظيفة الشكل الذى يجرى تصنيعه. استُخدم صلصال النيل بشكل أساسى للأوانى الفخارية المنزلية والمستوعبات، وكذلك الخزف المستخدم للطقوس الشعائرية

 وعادة ما كانت تمر صناعة الفخار بمراحل عديدة، تبدا بجمع المادة الخام المتمثلة فى طينة الفخار أو الصلصال، هناك معلومات دقيقة لكنها قليلة حول كيفية ومكان حصول الفخاريين المصريين على المواد الخام، وكيفية تشغيل أفران الصلصال. بشكل عام، يبدو أن الصلصال جاء من ثلاثة أماكن مختلفة: شاطئ النيل أو قنوات الري، والصحراء بالقرب من الحقول وتلال الصحراء نفسها. يُظهر رسم موجود فى قبر رخميرع (TT100) العمال خلال عملية صنع كومة من الصلصال باستخدام المعاول من أجل صنع قرميد الصلصال. قد يكون الصلصال المستخدم لصناعة الفخار قد جُمع بطريقة مماثلة. يُظهر المشهد أيضًا أن صلصال النيل لم يؤخذ بالضرورة من الحقول. صُنعت أكوام من صلصال النيل خلال عملية حفر قنوات الري

وبعد جمع الصلصال وتكويمه، كانت تأتى مرحلة التشكيل، وهى المرحلة الرئيسة فى صناعة الفخار، ولا تحذوها أهمية سوى مرحلة الحرق.

وعادة ما يتوقف شكل الآنية الفخارية على الغرض من استخدامها، والذى يتحدد وفقاً له الأسلوب المستخدم فى الصناعة ذلك الذى تطور بمرور الزمن، بداية من التشكيل اليدوى أو التشكيل الحر بواسطة اليد، مرورا بالتجفيف والصقل وانتهاء بالحرق.

 

وتوارث المصريون هذه المهارات فى صناعة الفخار قديماً، عبر عصورهم المختلفة، وطوروا فى كل مرحلة، وفى أدواتها وظروفها وكيفيتها، حتى انتجوا منتجات متنوعة الأشكال، وبالغة الدقة والجمال تزخر بها العديد من المتاحف، ومن هذه المنتجات التى تعبر عن جمال صناعة الفخار فى مصر القديمة جرّة من الفخار الملونة باللون الأزرق ومزينة بالورود والعنب وغطاء، من مقتنيات متحف "أشموليان"، أكسفورد، فى بريطانيا، التى يتعود إلى عصر تل العمارنة، الاسرة الـ 18 (1550-1292م)، الدولة الحديثة. ولعل من مواطن الجمال فى هذا الأثر دقة صناعته، المتمثلة فى استدارة بدنه، ودقة احكام غطائه، وجمال زخارفه، وتنوعها ما بين الزخارف الهندسية والنباتية، والتناسق فيها وفى وحداتها وتفاصيلها، وبهاء ألوانها رغم مرورو الزمن.

ويعدُّ متحف "أشموليان" التاريخى فى مدينة اكسفورد البريطانية، الذى يمتلك هذا الأثر الفريد، ويعد من أقدم المتاحف فى بريطانيا، وفى العالم بشكل عام، فتح هذا المتحف أبوابه فى عام 1683م.

يقع هذا المتحف فى مدينة أكسفورد على شارع بيومنت مواجهاً لفندق راندولف، ويوصف بأنه أنظف وأروع مبنى فى مدينة أكسفورد. ويقدم المتحف خدمات تعليمة (تربية متحفية) لكافة الأعمار، وبخاصة الأطفال من أعمال الأطفال الفنية، إضافة إلى تقديم خدمات للباحثين والمهتمين بالمتاحف والتاريخ والآثار، ويقدم المتحف أيضا خدمات خاصة لذوى الاحتياجات الخاصة.

ويحتوى المتحف على مجموعات عديدة وكبيرة من الآثار التى تنتم لحضارات عديدة وحقب تاريخية متفاوتة، موزعة فى خمسة أقسام رئيسة داخل المتحف، هي:

•      قسم العصور القديمة: يحتوى على مقتنيات من العصر الحجرى الأول من: مصر، الشرق الأوسط، إلى أوروبا وبريطانيا.

•      قسم التماثيل:تشتمل على تماثيل تم استعارتها من متاحف حول العالم وبخاصة (الرومانية، واليونانية).

•      الفن الشرقي: يشتمل على مجموعات كبيرة من الشرق من العالم الإسلامي، الشرق الأوسط، الهند، جنوب شرق آسيا، الصين، اليابان وكوريا.

•      قاعة العملة المعدنية: تغطى هذه القاعة مجموعة من العملات المعدنية والأوسمة من عدة مناطق من العالم وبشكل خاص الإسلامية، من القرون الوسطى البيزنطية، الرومانية، والهندية والصينية.

•      قاعة الفن الغربي: تضم هذه القاعة مجموعة رسوم وصور ومطبوعات، ونحت، وسيراميك، وزجاج وآلات موسيقية ومجوهرات.

كانت هذه إطلالة على أحد الآثار المصرية المعبرة عن فن وصناعة الفخار، والموجود فى أحد المتاحف العالمية، كأحد النماذج المميزة لهذه الصناعة، وكذلك إشارة إلى تاريخ هذا المتحف وأقسامه المختلفة.

الاكثر قراءة