فى غضون عام ونصف العام أو عامين على أقصى تقدير ستصبح إيران الدولة التاسعة التى تنال بشكل رسمى العضوية الكاملة فى منظمة شنغهاى للتعاون التى تأسست رسميًا تحت هذا المسمى فى عام 2001، هذا التطور الجديد فى علاقات طهران بالمنظمة، أفصح عنه الرئيس الصينى شى جين بينغ فى كلمته عبر الاتصال المرئى أمام القمة الحادية والعشرين للمنظمة بالعاصمة الطاجيكية دوشنبه فى السابع عشر من سبتمبر الجاري، بقوله: "سنطلق الإجراءات لإدخال إيران فى عضوية منظمة شنغهاى للتعاون"، وهو المقترح الذى قوبل بترحيب وتأييد قادة المنظمة، فما هى أسباب إطلاق عملية انضمام إيران إلى المنظمة فى هذا التوقيت تحديدًا، والظروف المحيطة بتلك المسألة، ومدى استفادة إيران من انضمامها للمنظمة، وسيناريوهات العلاقة بين المنظمة ومنطقة الشرق الأوسط، خاصة فى ضوء تأييد القمة لمنح صفة "شريك حوار" جديد لثلاث دول شرق أوسطية، وهى مصر والسعودية وقطر؟
أولاً: أسباب منح طهران عضوية كاملة
من الأهمية بمكان قبل التطرق إلى دوافع وأسباب تصديق دول منظمة شنغهاى للتعاون على الانضمام الرسمى لإيران، التطرق إلى الظروف التى كانت وراء نشأة وتأسيس المنظمة، باقتراح قادته الصين، وكذلك أهدافها الرئيسية، وذلك لأهميتها كعوامل مفسرة لحرص أعضاء المنظمة على ضم إيران إليها.
من المعلوم أن "منظمة شنغهاى للتعاون" انبثقت عن صيغة مجموعة "شنغهاى الخماسية" التى عقدت سلسلة اجتماعات أولها كان فى 26 أبريل 1996، من خلال توقيع رؤساء كل من الصين،روسيا،كازاخستان،قيرغيزستان وطاجيكستان على معاهدة تعميق الثقة العسكرية فى المناطق الحدودية وكان ذلك فى مدينة شنغهاى بالصين، وفى 24 أبريل 1997، وقّعت الدول نفسها على معاهدة الحد من القوات العسكرية فى المناطق الحدودية فى اجتماع عقد فى موسكو، وشهد عام 2001، انضمام أوزبكستان إلى الدول الخمس المذكورة لتشكّل معًا بشكل رسمى "منظمة شنغهاى للتعاون"، مما وسّع نطاق عملها ليشمل التعاون الاقتصادى والثقافى والأمنى بهدف محاربة بكين لما وصفته بـ "محاور الشر الثلاثة"، وهي: الإرهاب،الانفصالية والتطرف.
ومن اللافت للنظر أن دور المنظمة وتأثيرها السياسى يتجاوز منطقة أوراسيا إلى مناطق أخرى من القارة الآسيوية، بل خارج حدودها أيضًا، نظرًا إلى الثقل الاقتصادى والعسكرى الذى يتمتع به أعضاؤها، كما أنها أخذت تتوسع تدريجيًا إلى خارج نطاقها الضيق، بضم دولا أخرى من منطقة آسيا الوسطى، أهمها الهند وباكستان.
وتتمثل أبرز أهداف منظمة شنغهاى للتعاون فى الآتي: تعزيز سياسات الثقة المتبادلة وحسن الجوار بين الدول الأعضاء، التعاون فى المجالات السياسية،التجارية،الاقتصادية،الثقافية،العلوم والتكنولوجيا والطاقة والنقل والسياحة وحماية البيئة، العمل على توفير السلام والأمن والاستقرار فى المنطقة، محاولة الوصول إلى نظام سياسى واقتصادى عالمى ديمقراطي، محاربة الجريمة وتجارة المخدرات ومواجهة حركات الانفصال والتطرف الدينى أو العرقى والإرهاب.
وتكمن أهمية المنظمة فى كونها تشكّل أحد البدائل الدولية بعد سلسلة الاخفاقات، التى كانت وراءها واشنطن، من العراق وأفغانستان إلى ليبيا وانتشار التطرف والإرهاب، وكذلك مع عدم تحقيق أى تقدم ملموس فى التحالف الدولى الذى تقوده واشنطن ضد تنظيم "داعش"، علاوة على الدور المهم للمنظمة فى إعادة التوازن فى العلاقات الدولية، عبر تشكيل تحالف - يقول البعض - إنه مواز لتحالفات سياسية وعسكرية تحاول تحقيق مصالح دول محددة، ولو كان ذلك على حساب أخرى وبما يتعارض مع القوانين والأعراف الدولية.
فى ضوء ما سبق، فإنه لا يمكن فصل قرار المنظمة بضم إيران رسميًا إليها عن مجموعة من الأسباب المهمة، لعل من أبرزها:
1- التطورات الأخيرة فى أفغانستان، فى ضوء سيطرة حركة طالبان على مقاليد الأمور فى هذا البلد، وهى التطورات التى سيكون لها تداعياتها الأمنية والاستراتيجية على دول الجوار الأفغاني، ومن ضمنها بعض الدول الأعضاء فى المنظمة، وعلى رأسها الصين، وقد عززت هذه التطورات من مكانة إيران لدى دول المنظمة لجهة وجود دور إيرانى مساند لجهودها فى هذا البلد، حيث يرى مراقبون أن الإنسحاب الأمريكى من أفغانستان، وكذلك الاستقرار غير المؤكد لحكومة طالبان الجديدة، قد عزز من مسألة جعل إيران عضوًا كامل العضوية فى المنظمة، وكانت موسكو تشدد على ضرورة إشراك المسئولين الإيرانيين فى المحادثات الرباعية الروسية – الصينية – الباكستانية – الأمريكية حول أفغانستان، ومن وجهة نظر بعض المحللين، فإن ثمة إدراكا من جانب منظمة شنغهاى للتعاون بأهمية دور إيران فى تسهيل التوصل إلى حل للأزمة فى أفغانستان. وبالتالي، فإن قبول عضوية إيران الكاملة فى المنظمة يمكن أن يساعد دولها فى التوصل إلى رؤية مشتركة بشأن مستقبل أفغانستان.
2- دعم إيران فى مواجهة الولايات المتحدة، ومن ثم محاولة فك العزلة الدولية المفروضة على طهران من جانب الغرب عمومًا والولايات المتحدة خصوصًا، على خلفية العقوبات الأمريكية بسبب ملفها النووي، وهو ما يعنى – بحسب المراقبين – أن دول المنظمة تدعم إيران ولم تعد متضامنة مع الموقف الأمريكي، وهو ما يُعد "انتصارًا للدبلوماسية الإيرانية".
3- أن منح العضوية الكاملة لإيران يأتى فى سياق اتجاه المنظمة نحو توسيع مناطق ودوائر نفوذها وممارسة دورها وتأثيرها فيما وراء الإطار الجغرافى لأعضائها، وذلك بمد نطاق هذا الدور إلى مناطق إقليمية جديدة، تتمثل هذه المرة فى منطقة الشرق الأوسط، والتى تعتبر منطقة تأثير ونفوذ تقليدى للغرب وتحديدًا للولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما قد يفسر – كذلك – تأييد المنظمة لمنح ثلاث دول شرق أوسطية أخرى، وهى مصر،المملكة العربية السعودية وقطر صفة "شريك جديد للحوار".
ثانيًا: دلالات قبول عضوية إيران
فى حقيقة الأمر، ينطوى قبول إيران كعضو كامل فى منظمة شنغهاى للتعاون فى هذا التوقيت على العديد من الدلالات، لكونه جاء فى أعقاب حزمة من التطورات الهامة بالنسبة لإيران، سواء داخليًا أو خارجيًا، لعل من أبرزها:
1- انتخاب إبراهيم رئيسى رئيسًا جديدًا لإيران فى يونيو 2021، والذى أعلن فى أغسطس 2021، أن تعزيز علاقات إيران مع روسيا والصين، العضوين الرئيسيين فى المنظمة، هو من أولويات سياسته الخارجية، علاوة على سعيه منذ بداية ولايته إلى تعزيز حضور بلاده ومكانتها فى العالم، من خلال تمتين علاقاتها على الصعيد الإقليمي، والاستفادة من إمكاناتها، وفى مقدمتها موقعها الجغرافي، وهو ما عكسه تصريحه خلال كلمته فى قمة دوشنبه بأن "إيران يمكن أن تكون حلقة وصل لأوراسيا عبر ممر يربط الشمال بالجنوب".
2- الاتفاق الاستراتيجى الصينى - الإيراني، الذى تم التوقيع عليه فى طهران فى 27 مارس 2021، بعد جولة إقليمية لوزير الخارجية الصينى وانغ يى شملت دول الخليج وتركيا، حيث يُعد الاتفاق بمثابة "طوق نجاة" لإيران من العقوبات الدولية المفروضة عليها، ويمكنها من خلاله تصريف إنتاجها النفطي.
3- الانسحاب الأمريكى العسكرى المخزى من أفغانستان، البلد الذى خضع لاحتلال الولايات المتحدة لأكثر من 20 عامًا.
ومن حيث المضمون، فإن العضوية الكاملة لإيران فى منظمة شنغهاى للتعاون تعكس من جهة تنامى دور وفعالية المنظمة على المستوى الدولي، من خلال الاهتمام الذى تبديه العديد من الدول للانضمام إلى عضويتها، ومن جهة أخرى هذا الانضمام يُكسب إيران مكانة إقليمية ودولية مهمة فى مواجهة من ترى أنها أطراف منافسة أو أعداء لها على المستويين الإقليمى والدولي، علاوة على كونه دلالة مهمة على تنامى التوجه نحو الشرق فى السياسة الخارجية الإيرانية.
ثالثًا: مكاسب إيران المتوقعة من المنظمة
على المستوى الرسمي، يُعد حصول إيران على العضوية الكاملة لمنظمة شنغهاى للتعاون نجاحًا دبلوماسيًا لها، ولاسيما على الصعيد الاقتصادي، حيث يتيح لها الاستفادة من سوق ضخم يبلغ حجمه 3 مليارات نسمة. كما سيتيح لدول المنظمة أيضًا فرصًا اقتصادية وتجارية ضخمة، وفى الوقت نفسه يساهم فى بناء مبادرة "الحزام والطريق"،كذلك، اعتبرت طهران أن المشهد الحالى يجسد "إقامة نظام عالمى جديد حيث تعتبر رباعية القوى فى الشرق (روسيا، الصين، الهند، إيران) من أهم اللاعبين الدوليين فى هذه المنظومة العالمية الجديدة"، وأن "انضمام إيران إلى هذه المنظمة، على الرغم من معارضة واشنطن، يثبت أن عصر السياسات الأحادية انتهى ونشهد إقامة نظام عالمى جديد".
ومما لا شك فيه، أن انضمام إيران إلى المنظمة سيترتب عليه التخفيف من عزلتها الدولية من خلال توسيع علاقاتها الثنائية والمتعددة الأطراف مع روسيا والصين ودول آسيا الوسطى، كما ستؤدى العضوية إلى تعزيز دور طهران فى إدارة الأمن الإقليمي.
وفى ضوء ما تحظى به منظمة شنغهاى للتعاون من حجم تأثير وحضور على الساحة الدولية، فإن عضوية إيران الدائمة فى المنظمة سوف تعود عليها بالعديد من المكاسب، من أهمها: تنامى نفوذ إيران فى المعادلات الأمنية والاقتصادية والسياسية للمنطقة، زيادة قدرة إيران السياسية والأمنية والاقتصادية على المناورة أمام الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، تخفيف حدة الضغوط الاقتصادية وتجاوز العقوبات الأمريكية المفروضة عليها منذ عقود، توسعة وتفعيل حضورها فى مجال أمن الطاقة، الدخول إلى عدد من الأسواق المهمة فى العالم وتعزيز التبادل التجارى الدولي، التعاون المصرفى حيث تتيح العضوية لإيران المشاركة فى المجلس المصرفى المشترك بين الدول الأعضاء، علاوة على تعزيز التوجه الإيرانى نحو الشرق من خلال التعاون الثنائى مع الصين وروسيا وكذلك الهند، وتقوية الاتفاقيات التى مدتها 25 عامًا مع الصين وتطوير أنشطة الموانئ، وخاصة ما يتعلق بميناء تشابهار مع الهند.
وفى مواجهة هذه المكاسب المتوقعة لإيران، توجد العديد من العقبات التى قد تعوق الاستفادة الفورية لإيران من العضوية من قبيل: مخاطر الاستثمار فى مجال الطاقة فى ظل العقوبات الأمريكية، حاجة إيران إلى إجراء كثير من التغييرات فى مجال الاستثمار والتجارة الخارجية ومواصفات المنتجات والمقاييس الدولية، علاوة على تطوير بنيتها التحتية بصورة كبيرة، بجانب إحراز نجاح فى علاقاتها الثنائية مع الدول الأعضاء فى المنظمة.
رابعًا: سيناريوهات العلاقة مع الشرق الأوسط
يطرح منح إيران صفة عضو كامل العضوية فى منظمة شنغهاى للتعاون العديد من السيناريوهات بشأن مستقبل العلاقات بين المنظمة والشرق الأوسط، تتراوح ما بين تنامى هذه العلاقات أو بقائها على ما هى عليه، أو تراجعها. وفى حقيقة الأمر، فإن المؤشرات على أرض الواقع تشير إلى إمكانية تنامى تلك العلاقات واتجاهها نحو مزيد من القوة، ولعل ما يدعم من هذا السيناريو وجود أربع دول تحظى بصفة شركاء مع المنظمة، وهى تركيا (منذ عام 2012)، مصر،السعودية وقطر (2021)، وبمرور الوقت وبإنضاج الظروف ستتحول هذه الدول إلى أعضاء كاملة العضوية بالمنظمة، وهو ما سيكسب منطقة الشرق الأوسط ثقلًا كبيرًا داخل المنظمة بوجود خمس من دولها فى عضويتها، هذا بالإضافة إلى علاقات الشراكة الاستراتيجية التى تربط الصين، التى تقف وراء تأسيس المنظمة، والدول المذكورة وهو الأمر الذى من المتوقع أن يساهم فى تنمية العلاقات بين المنظمة وهذه الدول.
وفى الختام، فإن انضمام إيران كعضو دائم لمنظمة شنغهاى للتعاون يمثل تطورًا مهمًا للغاية، حيث يؤكد على بروز بكين وتنامى دورها فى منطقة الشرق الأوسط بقوة، ويأتى أيضًا فى إطار تحدى بكين لواشنطن فى المنطقة، ولا يمكن لأحد التكهن بما سيكون عليه مستقبل منطقة الشرق الأوسط فى ظل تواجد الصين الجديدة.. وربما تدفع تلك التطورات المنطقة كلها بل والعالم إلى الدخول فى حرب باردة جديدة.
المستشار الإعلامى الأسبق فى بكين