تحقيق : محمد الشريف
«يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون » بهذه الآية فرض الله تبارك وتعالى الصيام على المسلمين من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، إلا أن البعض يظنون أن تلك الفريضة لم تكلف بها الأمم التى سبقتنا، ولم يفعلها الأنبياء السابقون.
إلا أن علماء الدين أكدوا أن جميع الأمم السابقة فرض عليها الصيام، على اختلاف الكيفية بينهم فى أداء هذه العبادة، حيث كان لكل أمة صفة خاصة بها، بالإضافة إلى أن هناك كثيرا من الأنبياء تشابهوا في صيامهم، وذلك كصيام أمتى سيدنا محمد وموسى - عليهما السلام ، مع وجود بعض الاختلافات البسيطة بينهما، وأن نبي الله داوود - عليه السلام - تميز عن الأنبياء الآخرين بصيامه يوما وفطره يوما، وأن سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - تميز هو أيضا عن باقي الأنبياء بصيامه شهر رمضان دون سائر الأمم، وغيرهم من الأنبياء الذين أوضح العلماء طرق صيامهم التي سوف نتعرف عليها بالتفصيل من خلال هذا التحقيق:
البداية مع د. إلهام شاهين، أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر والتى أكدت أن فريضة الصيام قديمة منذ أن خلق الله آدم عليه السلام، وصوم الأنبياء هو نفس صوم أتباعهم بهدف التقرب إلى الله تعالى، موضحة أن نبي الله نوح – عليه السلام - أكثر من عاش على هذه الأرض حيث قبضه الله إليه بعد 950 عاما، وكان يصوم الدهر كله ومعظمه حتى كبر عمره، فعن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «صام نوح الدهر إلا يوم الفطر والأضحى، وصام داود نصف الدهر، وصام إبراهيم ثلاثة أيام من كل شهر، صام الدهر وأفطر الدهر .»
عاشوراء
وأشارت «شاهين » أن سيدنا موسى - عليه السلام - كان يصوم يوم عاشوراء، وكان قومه يصومون أيضا اليوم نفسه لأن الله أهلك فيه فرعون وقومه، ونجا موسى ومن تبعه من الغرق، ولذلك عندما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة ووجد اليهود يصومون هذا اليوم، سأل المدينة، فقالوا له: هذا يوم نجا الله فيه موسى، فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنا أحق بموسى منهم فصامه وأمر بصيامه، مشيرة إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان حريصا على صيامه، وفي آخر أيامه قال لأصحابه، صوموا يوما قبله، أو يوما بعده لمخالفة اليهود فى ذلك، قائلا: وإن عشت إلى العام المقبل لأصومن تاسوعاء وعاشوراء، فكانت النية بمثابة العمل، ولكن توفاه الله قبل أن يفعل ذلك.
وقالت أستاذة العقيدة والفلسفة: إن عيسى - عليه السلام - كان يصوم عن الجوارح وأشياء معينة يمتنع عن أكلها كالامتناع عن اللحوم والطيور وكل ما فيه روح، موضحة أن كيفية الصيام تختلف من أمة لأخرى، فصيام شهر رمضان خاص بأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - فقط دون سائر الأمم، بخلاف صيام سيدنا موسى، أو صيام اليهود فكان يساير صيام المسلم ن إلا ي أنه كان أياما معدودات وليس شهرا كاملا كما هو الآن، وكان صوما خاصا ببعض المناسبات كالشكر لله وغيرها من الأمور الأخرى، مشيرة إلى أن صيام سيدنا إبراهيم هو صيام اليهود نفسه لقولهم «أي اليهود » إن إبراهيم نبينا، وإن الذي ذبح لإسحاق الابن الأصغر لإبراهيم وليس إسماعيل، ولذلك كانوا يصومون تبركا بهذا اليوم، على عكس العقيدة الإسلامية والقرآن الكريم الذي أكد أن الذبيح هو سيدنا إسماعيل – عليه السلام - خصوصا وأنه الولد الأكبر لسيدنا إبراهيم.
السكوت عن الكلام
أما د. عبد الغفار هلال - عضو مجمع البحوث الإسلامية - فقد أكد أن الصيام فرض على جميع الأمم السابقة، وذلك لقوله تعالى في كتابه العزيز: «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون » أى فرض عليكم كما فرض على الأمم التى سبقتكم من آدم – عليه السلام - وحتى نبيكم محمد – صلى الله عليه وسلم -، وتابع: إن كيفية الصيام تختلف من نبي لآخر، فبعضهم كان يصوم عن أنواع معينة من الأطعمة، وبعضهم عن الأطعمة كلها، بينما كان يصوم آخرون عن الكلام، كما ورد في قصة سيدنا زكريا – عليه السلام - قال تعالى «قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا ،»
وما ورد في قصة مريم - عليها السلام - قال جل جلاله: «فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا »، ما يؤكد أن من أحد أنواع الصيام عند الأمم السابقة السكوت عن الكلام.
واستطرد: إن الصيام عند الأنبياء مختلف عن صيام المسلمين في الوقت الحالي، فطبقا لما جاء في التوراة والإنجيل كان هناك بعض الأنبياء يصومون أوقاتا معينة في السنة، وبعضهم يصومون عن كل الأطعمة لمدة 3 أيام في الشهر، وفريق ثالث من غروب الشمس إلى غروب شمس اليوم التالي، وأضاف: إن الكيفية الحالية للصيام لم تكن التي فرضت على المسلمين في بداية الأمر، حيث اقتصر الصيام في بداية الدعوة على أيام معدودات كصوم 10 أيام من شهر المحرم، وبعد هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - من مكة إلى المدينة فرض الله عليه صيام شهر رمضان تكريما وتشريفا له - صلى الله عليه وسلم - ولأمته التى اختصها بذلك الشهر الفضيل عن سائر الأمم السابقة.
أفضل الصيام
إلى هنا يؤكد د.لطفى عفيفى عبد ربه - الأستاذ بجامعة الأزهر- أن الصيام فرض على الأمم السابقة كما فرض علينا قائلا: كان موسى عليه السلام يصوم ومن ذلك ما ورد أنه عليه السلام صام أربعين يوما فلما كلم ربه على رأسها وجد خلوفا من فمه فكره أن يكلم ربه على هذه الهيئة » ما يدل على صيام موسى وقومه، ويستدل د. لطفى بما ورد عن ابن كثير من رواية عباد بن منصور عن الحسن قال: «والله.. لقد كتب الله الصيام على كل أمة خلت كما كتبه علينا شهرا كاملا »، ويشير أستاذ الفقه إلى أن المسلمين صاموا فى بادئ الأمر لأيام معدودات لقوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات » موضحا أنها كانت 3 أيام من كل شهر، ومعنى ذلك أن الأمم السابقة كانت تصوم 3 أيام أيضا من كل شهر، وأضاف: أن الذي تميز في صيامه عن الأنبياء السابقين هو سيدنا داوود - عليه السلام - لقول النبي - صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص حينما أراد صيام النهار وقيام الليل «يا عبدالله صم ثلاثة أيام من كل شهر والحسنة بعشر أمثالها، فقال عبدالله أطيق أكثر من ذلك يا رسول الله، فقال له الرسول يا عبدالله صم يوما وأفطر يومين، فقال له أطيق أكثر من ذلك فقال له الرسول صم يوما وأفطر يوما كما كان يصوم داوود عليه السلام وأنه لأفضل الصيام، فقال عبدالله أنا أريد أفضل من ذلك، فقال له الرسول لا أفضل من ذلك إن لبدنك عليك حقا، وإن لأهلك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا .»
وأشار الأستاذ بجامعة الأزهر إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان بجانب صيام رمضان يصوم يومي الاثنين والخميس، وعندما سئل عن ذلك فقال: «أما يوم الاثنين فأنه يوم ولدت وبعثت فيه، وأما يوم الخميس فترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين وأحب أن يرفع عملي إلى الله وأنا صائم