السبت 23 نوفمبر 2024

مقالات

الحَضَارة الإسلاميِّة المُفتَرى عليها

  • 5-10-2021 | 11:30
طباعة

لا توجد حَضَارة تَعرضت للهجوم عليها مُنذ نشأة البشرية مثل الحَضَارة الإسلامية وخاصة فترة بداياتها؛ رُميّت بالباطل والتشويه وخاصة فى السنوات القليلة الماضية كفعل مُمْنهَج ومُوجه من أجل تَبجْيل الدور العُثمانى فى التاريخ وإعادة إحياء الخلافة تحت راية الدولة التُركية؛ فبدءًا من إطلاق أٌكذوبة كَون الحضارة الإسلامية قد انهارت بسقوط دولة آل عثمان، إلى تجنيد أبواق عناصر الإسلام السياسى الهاربة على أراضيها من أجل المُناداة بعودة عز الإسلام على يد بنى عثمان القرن الحادى والعشرين وأخيرًا بتمويلٍ ضخم للأعمال الدرامية -حريم السلطان، عبدالحميد الثانى، قيامة أرطغرل- والتى لم تخلو من المُبالغات والتَلفيق التاريخي لخدمة فكرة المشروع.

نَمت الحَضارة الإسلامية فى فترة التاريخ الوسيط  -أكاديميًا - بين سقوط روما فى منتصف القرن الخامس الميلادى وسقوط بيزنطة فى منتصف القرن الخامس عشر الميلادى رافعة شعار مزج الأعراق والشعوب والثقافات من مُنطلق (إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، ومن السيرة النبوية (إن اباكم واحد، لا فضل لعربى على أعجمى ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى)؛ فبتلك النواة المتوارثة من القرآن والسنة ُدُشِنت أول معاهدة جمعت المُهاجرين (قريش فى الأغلب منهم ) والأنصار( الأوس والخزرج) ويهود المدينة /يثرب.

ثم بعدها بسنوات تم عقد المعاهدة مع مسيحى نجران، فاتسعت فكرة الحضارة لتشمل الأديان المختلفة دون تمييز؛ وهو ما جعل أغلب المُفكرين والمؤرخين فى الغرب يُجمعون على ثراء ورقي وعطاء تلك الحضارة - ليس أدل على ذلك من مؤلفات جوستاف لوبون وزيجريه هونكا وهيو كينيدى- مُعتمدين على تبنيها لنظرية (التنوع الإثنى)؛ وهو ما تجلى فى جمعها لعناصر عربية وغير عربية تحت لوائها كالفُرس والقِبْط والأمازيغ والسُريان والتُّرك والهنود والمَغول؛ ففى الشِق السياسى نجد تلك الحضارة وقد احتوت الخُلفاء العرب والسلاطين التُّرك والخانات المغول والملوك الأفارقة ؛فالخليفة العربى (الوليد بن عبد الملك) جَنْد (موسى بن نصير) الفارسي الأصل من أجل فتح المغرب والأخير اتخذ من (طارق بن زياد) الأمازيغى قائدًا لجيشه، ونجد صلاح الدين الأيوبى الكُردى الأصل كنموذج رجل الحرب والسياسة ، وإذا ما نظرنا لجناح العلوم والثقافة فنشهد عدالة فى المعاملة والاستفادة من كل الخبرات بلا تهميش أو إقصاء؛ فنجد الإمام (حامد الغزالى) عالمًا فارسيًا ،والفيلسوف ( أبى الوليد بن رُشد) أندلُسى الأصل ومعه ( موسى بن ميمون ) اليهودى؛ وفى الطب مسيحيًا سوريًا هو ( بختيشوع) وفى التصوف نوبى مصرى هو ( ذى النون المصرى) فى الوقت نفسه لم يتكبر عُلماء تلك الحَضَارة على التَتلمُذ على أيدى شخوص مختلفة الأصل والعِرق؛ فنجد (المقريزى) المصرى يتَتلمذ على يد المغاربى (ابن خلدون) ولا يدخر جهدًا فى التدريس لـ (ابن تغرى بردى) وهو ابن مملوك يونانى مُتمَصِر؛ وسط انصهار كامل ومبادئ سامية لخدمة البشرية.

واذا ما قارننا كل ذلك بالتَجربة العُثمانية؛ نجدها على النقيض تمامًا فهؤلاء مُدعىّ الحفاظ على الموروث الحضارى الإسلامى هم من هدموا الحضارة بعُنصريتهم منذ أن قَدمُّوا العُنصر التُركي وهَمشوا سائر العناصر الأخرى وعلى رأسها العنصر العربى، وبالبحث فى الحضارة العثمانية نجدها أكثر دولة شَهِدت ثورات لشعوب ضدها فقد ثارت ضدها اليونان ورومانيا وصربيا والبوسنة والجبل الأسود وبلغاريا للتَحرُر من الغول العثمانى الجاثم فوقها؛ ويُبرر عثمانو الأمس واليوم ومريديهم تلك الثورات بتبريرات واهية كتآمر الغرب وأعداء الإسلام عليهم وأطماع الاستعمار غاضين الطرف عن أخطائهم وظلمهم وتسلطهم وعجرفتهم التى تفننوا فى توظيفها لقتل فكرة المساواة وامتزاج الحضارات.

لم تَجنِ الحضارة الإسلامية سوى التَخلُف والتَدهور والاضمحلال على يد بنى عثمان فمن امتيازات للأجانب على أراضيها ضد العرب، إلى تمزيق لبلاد المسلمين بمبدأ (فَرق تَسُد)، إلى إغراق الشعوب فى الجَهل والمَرض ومنها إلى تسليم المُستعمر بكامل الانبطاح لمفاتيح البلاد بالتوازى مع مذابح الأرمن -وصمة العار- وأخيراً إلى أكاذيب الدعاية العثمانية التى لا تنتهى نجد أن (آل عثمان) نجحوا فيما لم ينجح فيه المغول غُزاة الشرق!.

الاكثر قراءة