الثلاثاء 14 مايو 2024

مهندس حرب أكتوبر.. محطات في حياة المشير الجمسي

المشير الجمسي

تحقيقات5-10-2021 | 22:11

آية يوسف

اقترنت انتصارات أكتوبر بأسماء رموز وأبطال في الجيش المصري نجحوا في تحقيق الانتصار العظيم في حرب أكتوبر 1973، فكانوا رجالا صنعوا بوافر جهدهم وصدق عطائهم نصرا كريما عزيزا يبرز أصالة شعب مصر، ويعكس قدرات قواتها المسلحة في تحدي المخاطر والصعاب وصنع المعجزات.

وأحد هؤلاء الرجال هو المشير محمد عبد الغني الجمسي، رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة في حرب أكتوبر المجيدة، والذي يعرف بأنه مهندس الحرب وأحد قادة خطة معركة التحرير التي أنهت أسطورة "الجيش الذي لا يقهر".

نشأته وحياته

ولد الجمسي في 9/9/1921 في قرية البتانون بمحافظة المنوفية في بيت العائلة، وكان والده تاجر من أعيان المنوفية، أتم التعليم النظامى في مدرسة المساعي المشكورة بشبين الكوم بالمنوفية والتحق بالكلية الحربية بالقاهرة وتخرج منها ليبدأ حياته العسكرية عام 1939 في سلاح المدرعات وهو في عمر سبعة عشر عاما وواحد وعشرين يوماً.

وكان الجمسي هو الوحيد بين أبناء أسرته الذى تلقى تعليما نظاميا في الوقت الذى كان فيه التعليم يزيد من أعباء الأسرة المتوسطة الحال، وبدأ حياته العائلية بزواجه من رفيقة حياته وفاء عبد الغنى التى رحلت في1979، وأنجبت له ثلاث أبناء، وقد أهدى لهم كتابه الذى كتبه عن حرب أكتوبر.

كان من جيله جمال عبد الناصر، وعبد الحكيم عامر، وصلاح وجمال سالم، وخالد محيي الدين، وغيرهم من الضباط الأحرار. ومع اشتعال الحرب العالمية الثانية عين في صحراء مصر الغربية؛ حيث دارت أعنف معارك المدرعات بين قوات الحلفاء بقيادة مونتجمري والمحور بقيادة رومل، وكانت تجربة مهمة ودرساً مفيداً استوعبه الجمسي واختزنه لأكثر من ثلاثين عاما حين أتيح له الاستفادة منه في حرب أكتوبر.

حياته العسكرية

تخرج في الكلية الحربية في نوفمبر 1939، وعقب انتهاء الحرب العالمية الثانية واصل الجمسي مسيرته العسكرية؛ فتلقى عددا من الدورات التدريبية العسكرية في كثير من دول العالم، وبعدها حصل على إجازة كلية القيادة والأركان عام 1951، حصل على أجازة أكاديمية ناصر العسكرية العليا عام 1966، تقلد عددا من الوظائف الرئيسية بالقوات المسلحة المصرية وهم: تولى قيادة اللواء الخامس مدرعات بمنطقة القناة في معركة السويس عام 1975.

كما تولى رئاسة أركان حرب المدرعات 1957 وقائد اللواء الثاني مدرعات 1958 ثم التحق ببعثة المدرعات في أكاديمية فرونزي بالاتحاد السوفيتى عام 1960 ورقى إلى رتبة لواء في يوليو 1965 وعين رئيسا لعمليات القوات البرية 1966 ورئيسا لأركان حرب الجيش الثاني 1967 ورئيسا لهيئة التدريب 1971 ورئيسا لهيئة عمليات القوات المسلحة يناير 1972 ثم رئيسا لأركان القوات المسلحة 1973.

وتم ترقيته إلى رتبة فريق في 1973، ثم رقى إلى رتبة فريق أول في 1974، ثم رقى إلى رتبة مشير في 1980، وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة في عام 1974 حتي أكتوبر 1978, نائب رئيس الوزراء ووزير الحربية والانتاج الحربى والقائد العام للقوات المسلحة في عام 1975، المستشار العسكرى للسيد رئيس الجمهورية في عام 1978.

خطة حرب أكتوبر

فى بداية عام 1973 عندما اقترب موعد الهجوم على إسرائيل قامت هيئة عمليات القوات المسلحة برئاسة اللواء / الجمسي بإعداد دراسة عن أنسب التوقيتات للقيام بالعملية الهجومية، حتى توضع أمام الرئيس الراحل أنور السادات والرئيس السوري حافظ الأسد لاختيار التوقيت المناسب للطرفين، وتقوم الدراسة على دراسة الموقف العسكري للعدو وللقوات المصرية والسورية وتضمنت الدراسة:

المواصفات الفنية لقناة السويس، المد والجزر وسرعة التيار واتجاهاته، ساعات الإظلام و ساعات ضوء القمر، حالة البحرين الأبيض والأحمر، أفضل توقيت يناسب الجبهة المصرية والسورية في نفس الوقت للهجوم بحيث يتحقق أفضل استخدام للقوات المصرية والسورية بالعملية الهجومية بنجاح ويحقق أسوأ الظروف لإسرائيل، تحديد طول الليل يوميا لإختيار ليل طويل بحيث يكون النصف الأول من الليل في ضوء القمر والنصف الثاني في حالة إظلام حتى يسهل تركيب وإنشاء الكباري في ضوء القمر ويكون عبور القوات والأسلحة و المعدات في الظلام.

كما تمت دراسة الأعياد والعطلات الرسمية في إسرائيل وتأثيرها علي إجراءات التعبئة في إسرائيل حيث القاعدة العريضة من الجيش الإسرائيلي هي القوات الإحتياطية، ويستدعي الإحتياطي بوسائل علنية عن طريق الإذاعة والتليفزيون وأخري غير علنية، أفادت الدراسة أن يوم كيبور في إسرائيل 6 أكتوبر هو اليوم الوحيد خلال العام الذي تتوقف فيه الإذاعة والتليفزيون عن البث كجزء من تقاليد هذا العيد، أى أن استدعاء قوات الجيش الإسرائيلي الإحتياطي بالطريقة العلنية غير مستخدمة، وبالتالي يستخدمون وسائل أخري تتطلب وقت أطول لإستدعاء الإحتياطي.

دراسة الموقف الداخلي لإسرائيل، وجدت الدراسة أن انتخابات اتحاد العمال في شهر سبتمبر، وانتخابات البرلمان الإسرائيلي يوم 28 أكتوبر 1973 والمعروف أن الحملة الانتخابية تجذب اهتمام أفراد الشعب الذين هم الجيش الإحتياطي، نتيجة لهذه الدراسة أتضح أن هناك 3 توقيتات تعتبر أنسب التوقيتات للهجوم هي النصف الثاني من مايو، ثم شهر سبتمبر ثم شهر أكتوبر، وكان يوم 6 أكتوبر هو أحد الأيام المناسبة الذي توفرت فيه الشروط الملائمة للهجوم.

 

كشكول الجمسي

ويقول المشير الجمسي في كتابه مذكرات حرب أكتوبر سلمت هذه الدراسة بنفسي مكتوبة بخط اليد لضمان سريتها للفريق أول أحمد إسماعيل الذي قال أنه عرضها وناقشها مع الرئيس السادات في برج العرب بالأسكندرية في أوائل إبريل 1973 وبعد عودته أعادها لي باليد ونقل إنبهار وإعجاب الرئيس السادات بها.

وعبر الفريق أول أحمد إسماعيل عن شكره لهيئة عمليات القوات المسلحة لمجهودها في إعداد هذه الوثيقة الهامة بقوله " لقد كان تحديد يوم الهجوم عملاً علمياً علي مستوى رفيع، إن هذا العمل سوف يأخذ حقه في التقدير، وسوف يدخل التاريخ العلمي للحروب كنموذج من نماذج الدقة المتناهية والبحث الأمين" كانت هذه الوثيقة هي التي أشار إليها الرئيس السادات في أحاديثه بعد الحرب بكلمة كشكول الجمسي.

وتابع: " لا بد أن أسجل فضل العقول المصرية في هيئة عمليات القوات المسلحة مع العقول الأخرى في تخصصات مختلفة بالقوات المسلحة التي ساهمت بعلم وإقتدار في بحث نواح علمية وفنية كثيرة إستدعتها هذه الدراسة، والتي لولاها لما أمكن تحديد أنسب شهر وأفضل يوم لشن الحرب، وحتى أعطى الفضل لأصحابه فإني أقول أن هذه الوثيقة هي ( كشكول هيئة عمليات القوات المسلحة) التي أعتز وأفخر أني كنت رئيسا لها في فترة هامة من تاريخ القوات المسلحة وتاريخ مصر.

توليه رئاسة الأركان

عاش رئيس هيئة العمليات المسئول الأول عن التحركات الميدانية للمقاتلين ساعات عصيبة حتى تحقق الانتصار، لكن أصعبها تلك التي تلت ما عرف بثغرة الدفرسوار التي نجحت القوات الصهيونية في اقتحامها، وأدت إلى خلاف بين الرئيس السادات ورئيس أركانه وقتها الفريق سعد الدين الشاذلي الذي تمت إقالته على إثرها ليتولى الجمسي رئاسة الأركان، فأعد على الفور خطة لتصفية الثغرة وأسماها شامل، إلا أنها توقفت بعد موافقة الرئيس السادات على فض الاشتباك الأول.

عقب زيارة وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر للقاهرة وبانتهاء المعركة وتكريم اللواء الجمسي، وترقيته إلى رتبة الفريق، ومنحه نجمة الشرف العسكرية، لم تنته الساعات العصيبة في حياة الجمسي، فقد عاش ساعات أقسى وأصعب، هي ساعات المفاوضات مع عدو ظل يقاتله طيلة أكثر من ربع قرن، عين رئيس للوفد العسكرى المصرى في مباحثات الكيلو 101.

ورئيس للوفد العسكرى المصرى في المفاوضات العسكرية المصرية الإسرائيلية. حصل على 24 نوطا وميدالية ووساما من مصر والدول العربية والأجنبية, وكانت آخرها نجمة الشرف العسكرية المصرية وقد تقاعد بناء على طلبه في 11 نوفمبر1980.

خرج المشير الجمسي من الحياة العسكرية، لكنه ظل محتفظا بنفس التقاليد الصارمة من الالتزام والانضباط والتزام الصمت بعيدا عن الأضواء، وحين بدأت موجة الكتابة عن حرب أكتوبر تنتشر في مختلف أنحاء العالم، كانت المعلومات تتكشف تدريجيا عن دور الرجل في الحرب، وتعددت معها الألقاب التي أطلقت عليه؛ فجرت المقارنة بينه وبين الجنرال الألماني الأشهر روميل؛ فسمي "ثعلب الصحراء المصري"؛ نظرا لبراعته في قيادة معارك الصحراء، ولُقب بأستاذ المدرعات التي احترف القتال في سلاحها منذ تخرجه في الكلية الحربية.

 أما أحب الألقاب إلى قلبه فكان لقب مهندس حرب أكتوبر نظرا لاعتزازه بالحدث وفخره به، إلا أن أغرب الألقاب التي أُطلقت على المشير الجمسي، فكان ذلك الذي أطلقته عليه جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل إبان حرب أكتوبر، حين وصفته بـ الجنرال النحيف المخيف.

ورحل المشير الجمسي بعد معاناة مع المرض في 7-6-2003 عن عمر يناهز 82 عاما، حصل فيها على العديد من النياشين والأوسمة التي تجاوز عددها 24 وساما من مختلف أنحاء العالم، تم عرضها في الجنازة المهيبة التي حضرها كبار رموز الدولة والعسكرية المصرية، وكان الجمسي قد انتهى قبل وفاته من جمع أوراق وبيانات كافيه للبدء في كتاب جديد عن الصراع العربي الاسرائيلي إلا أن القدر لم يمهله الوقت الكافى للبدء في الكتابة.

Dr.Radwa
Egypt Air