قبل 48 عاما نجح الجيش المصري في تحطيم وهم "الجيش الذي لا يقهر" والتحصينات الدفاعية التي حاول الاحتلال الإسرائيلي الاحتماء خلفها، معتقدين بعدم قدرة القوات المصرية على اختراقها أو تحطيمها، لكن جاءت العبقرية المصرية وقوة الجيش والعقيدة بأنه لا بديل عن النصر أو الشهادة لتنهي تلك الأسطورة.
وقد نجحت القوات المسلحة المصرية في تحطيم خط بارليف المنيع الذي تصور العدو الإسرائيلي أنه العائق وحائط الصد ضد أي محاولات للجيش المصري لعبور القناة، لكن تمكنت القوات المصرية من العبور إلى الضفة الشرقية لقناة السويس في ملحمة عسكرية سجلها التاريخ، ويحتفل الشعب المصري بذكراها اليوم.
وجاء تحطيم خط بالريف بفكرة بسيطة باستخدام مضخات المياه، وهي فكرة اقترحها مقدم مهندس- في ذلك الوقت- ساعدت على تحقيق النصر العظيم في أكتوبر 1973، وكان صاحب الفكرة هو اللواء باقي زكي يوسف، أحد أبطال حرب أكتوبر.
ما هو خط بارليف
استهدف العدو الإسرائيلي من إقامة الساتر الترابي العملاق خط بارليف أن يكون نقاط حصينة لمنع عبور أية قوات مصرية لقناة السويس وتحرير سيناء، فقد بدأت في إنشائه في أعقاب نكسة 1967، وبلغت تكلفته حوالي 200 مليون دولار في ذلك الوقت، وكان هذا الخط يبدأ من قناة السويس وحتى عمق 12 كم داخل شبه جزيرة سيناء.
وكان خط بارليف يتكون من 3 خطوط أساسية، الخط الأول والرئيسى على امتداد الضفة الشرقية لقناة السويس وبعده على مسافة 3 - 5 كم، أما الخط الثانى فكان يتكون من تجهيزات هندسية ومرابض للدبابات والمدفعية ثم يأتي بعد ذلك وعلى مسافة من 10 - 12 كم، وكان الخط الثالث الموازى للخطين الأول والثانى به تجهيزات هندسية أخرى وتحتله احتياطيات من المدرعات ووحدات مدفعية ميكانيكية، وكل هذه الخطوط بطول 170 كم على طول قناة السويس.
وضم الساتر الترابي 22 موقعا دفاعيا و26 نقطة حصينة بنيت في جسم الساتر الترابي وتميزت عن غيرها من جهة مواد البناء الداخلة في تكوينها من خرسانة أسمنتية وحديد مسلح من ذلك النوع الذي يستخدم في صناعة قضبان السكك الحديدية للوقاية ضد كل أعمال القصف، كانت كل نقطة حصينة تضم 26 دشمة للرشاشات، 24 ملجأ للأفراد، بالإضافة إلى مجموعة من الدشم الخاصة بالأسلحة المضادة للدبابات ومرابض للدبابات والهاونات، 15 نطاقا من الأسلاك الشائكة وحقول الألغام.
وكل نقطة حصينة عبارة أيضا عن منشأة هندسية معقدة وتتكون من عدة طوابق وتغوص في باطن الأرض ومساحتها تبلغ 4000 متراً مربعا وزودت كل نقطة بعدد من الملاجئ والدشم التي تتحمل القصف الجوي وضرب المدفعية الثقيلة ، وكل دشمة لها عدة فتحات لأسلحة المدفعية والدبابات، كما تتصل الدشم ببعضها البعض عن طريق خنادق عميقة، وكل نقطة مجهزة بما يمكنها من تحقيق الدفاع الدائري إذا ما سقط أي جزء من الأجزاء المجاورة ، ويتصل كل موقع بالمواقع الأخرى سلكيا ولاسلكيا بالإضافة إلى اتصاله بالقيادات المحلية مع ربط الخطوط التليفونية بشبكة الخطوط المدنية في إسرائيل ليستطيع الجندي الإسرائيلي فى خط بارليف محادثة منزله في إسرائيل.
معلومات عن المهندس باقي يوسف
ونجحت العبقرية المصرية في إنهاء أسطورة هذا الساتر بفكرة بسيطة كان صاحبها هو اللواء باقي زكي يوسف، الذي رحل عن عالمنا في يونيو 2018، من مواليد عام 1931، وكان رئيسا لفرع المركبات بالجيش الثالث الميداني أثناء حرب أكتوبر، حيث تخرج يوسف عام 1954 في قسم الميكانيكا بكلية الهندسة بجامعة عين شمس، وبعدها التحق بالكلية الحربية ضباط متخصصين ليصبح ضابطا مهندسا متخصصا فى ميكانيكا المحركات.
وبعد ذلك انتُدب للعمل في مشروع السد العالي في شهر مايو عام 1964، وهي المهمة التي منها توصل إلى فكرته بإحداث ثغرات في الساتر الترابي لخط بارليف، حيث كان شاهدا على عملية تجريف الرمال والأتربة في المشروع، لكن بعد أزمة 1967 ألغى انتداب كل الضباط وعاد يوسف إلى القاهرة يوم 4 يونيو، حيث عين انضم لفرع المركبات في الفرقة 19 مشاة الميكانيكية وأصبح رئيسها برتبة مقدم، واستمر عمله كضابط مهندس في القوات المسلحة خلال الفترة من عام 1954 وحتى 1 يوليو 1984، قضى منها خمس سنوات برتبة لواء.
بداية فكرة تحطيم الساتر الترابي
وكانت القيادة المصرية منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بدأت في الإعداد لحرب أكتوبر، وبالفعل في يوليو عام 1969، وفي مقر الفرقة 19 التابعة للجيش الثالث، بإحدى ضواحى السويس، عقد قائد الفرقة اللواء سعد زغلول عبد الكريم اجتماعا لأركان القيادة والضباط لمناقشة كيفية التعامل مع خط بارليف.
واقترح حينها المقدم مهندس باقى زكى يوسف والذي كان وقتها مديرا للمركبات في الفرقة 19 فكرته بالتخلص من الساتر الترابي باستخدام مياه قناة السويس، وضخها عبر خراطيم بمواصفات معينة لتقوم المياه المندفعة بتجريف الرمال فتتساقط على الطريق الشاطئي، وبعدها التعامل معه بديناميت لفتح الثغرات.
"مجرد ما أنهيت كلامي وجدت سكونا في القاعة، لدرجة أني خوفت أكون خرفت"، بهذه الكلمات وصف يوسف انطباعه بعد عرضه لفكرته في الاجتماع، في أحد حواراته الصحفية السابقة، مضيفا أنه خلال 12 ساعة، ما بين الساعة 12 ليلا وقت انتهاء الاجتماع وحتى الساعة 12 ظهر اليوم، التالي كانت الفكرة وصلت لأعلى مستوى في القوات المسلحة، وفي أقل من أسبوع كانت وصلت للرئيس جمال عبد الناصر.
وبالفعل بدأت الفكرة تتطور خلال الفترة ما قبل الحرب بالعمل مع سلاح المهندسين في سرية تامة واستيراد المضخات والتدريب على استخدامها لتحقيق الهدف في أسرع وقت ممكن، وبالفعل نجحت القوات في عبور الضفة الشرقية للقناة في أقل من ست ساعات، وتحطم الساتر الترابي.
وبعد الانتصار العظيم حصل يوسف على نوط الجمهورية العسكري من الدرجة الأولى من الرئيس أنور السادات في فبراير عام 1974 عن أعمال قتال استثنائية تدل على التضحية والشجاعة الفائقة في مواجهة العدو بميدان القتال في حرب أكتوبر 1973، كما حصل على وسام الجمهورية من الطبقة الثانية من الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك عام 1984 بمناسبة إحالته إلى التقاعد من القوات المسلحة.
وفي الندوة التثقيفية للقوات المسلحة، الـ29 للقوات المسلحة، تحت عنوان "أكتوبر تواصل الأجيال"، كرم الرئيس عبدالفتاح السيسي، اسم البطل اللواء أركان حرب المهندس باقي زكي يوسف، وتسلمت درع التكريم قرينة البطل الراحل.