6 أكتوبر 1973م - 6 أكتوبر 2021م، 48 عامًا بالتمام والكمال، تاريخ طويل وكبير، يمكن في ناس دلوقتي بتسمع عن الحرب دي، وبتحتفل معانا بنصرها المؤزر، وتسمع ونسمع معهم روايات لأبطال رحلوا، ونذر قليل بقى منهم (حفظهم الله وأطال في أعمارهم) كانوا ورفاقهم الذين سبقوهم الي جنات الخلد سبب في صناعة هذا النصر المشرف، ويمكن هتلاقي البعض ممكن يقولك: هو إيه القصة يا عمنا؟ 48 سنة ولسه قاعد تحفل وتحتفل، ما خلصت الحدوتة من زمان، والناس بقى في بينا وبينهم سلام واتفاقيات ومصالح تجارية وتنسيقات أمنية وعلاقات دبلوماسية وحاجات كتير لا تستدعى إننا نقعد نعيد ونزيد في الحدوتة !
بس أنا هقوله لأ ياغالي، الحدوتة مش كدة خالص، أو إنك فاهم غلط، أو شايف المشهد من زاوية رؤية ضيقة جداً، ولن تساعدك على رؤية المشهد بوضوح، الحكاية حكاية تاريخ فارق في عقل وقلب كل مصري مؤمن بهذا الوطن ومحب له، وأوعى تقرأ كلامي وتقول إني بغالي أو بأفور لو قلت أن التاريخ ده مش بس غالي عالمصريين بس، لأ ده في عقل وقلب كل عربي حر مؤمن بأن مصر دولة خلقت لتقود منطقة هي وبحق قلب العالم، بل إن هذه الدولة الضاربة بتاريخها وجذورها في أعماق التاريخ خلقت لتكون علامة بدأ من عندها التاريخ، ومحطة هي الأكثر إشراقًا في مساره الذي شهد صعود أمم وزوال أمم، وشهد أيضاً بزوغ وزهو ممالك ودول، واندثار وزوال ممالك أخري، نعم حدث هذا كله ما بين صعود وهبوط وتقلبات أحداث وحوادث التاريخ، إلا أن الصفحة المنيرة التي كتب بها اسم مصر ما زالت موجودة لتزين صفحات كتاب التاريخ.
وبقيت مصر لتكون شاهد على الكثير، وبقيت أيضاً ليشهد لها التاريخ أنها موطن لشموخ وكرامة بني العرب، وهذا ليس تحييز لها بل من منطلق أنها صاحبة اقدم الحضارات ومنارة للعلوم والفنون والثقافة والقانون أيضًا بتلك المنطقة المؤثرة بالعالم فهي مبعث رسائل الهداية والسلام، وبقيت مصر ومازالت حتى قبل أن تتشرف منطقتنا العربية بأن تتشرف بهبوط الوحي وبزوغ فجر الإنسانية كلها، منطقتنا العربية التي عانت كثيراً من أطماع الغزاة، وفشلت الغزوات وهلك الغزاة وبقي أبناء العرب، وبقيت مصر كمقاتل صلب قوي يزود ليس فقط عن استقلالها، بل عن استقلال محيطها العربي ككل.
وبقيت منطقتنا العربية حتى اليوم لتفخر وتزهو بواحد من أهم انتصاراتها وهو نصر أكتوبر العظيم، والذي جاء في أعقاب هزيمة كانت لنا درساً تعلمنا منه أن حُسن الإعداد والاستعداد وبناء المقاتل معنوياً ونفسياً وصقله بالتدريبات والخبرات القتالية التي تجعله هو العنصر القادر على صناعة الفارق في معركة استرداد الكرامة والأرض، وأكدت أن قيمة السلاح الحقيقية مرهونة بمدى كفاءة المقاتل الذي يحمله، وليس العكس، فهذا النصر ما كان له أن يتحقق إلا بإرادة وتخطيط وسواعد مقاتل قوي لا يعرف الانكسار لنفسه طريق، واكتملت حكاية النصر بمشهد ولا أروع حينما تحقق التكامل العربي، وتوحيد جهود بني العرب خلف مصر، ودعمها في حرب استرداد الكرامة ضد الكيان الصهيوني الغاصب، والذي ذاق مرارة الذل والهزيمة والانكسار بيد المقاتل المصري الأسمر أبو ضحكة ترد الروح، وقبل هذا كله كان حُسن الإعداد والتخطيط من بطل الحرب والسلام وابن مصر البار الرئيس الشهيد / محمد أنور السادات، والذي قاد الدولة المصرية ومعه كل أبناء الوطن الأوفياء حتى عبر بهم حاجز اليأس الذي سكن صدور الشباب، وبعد أن فقدوا الأمل في إنهاء حالة اللا سلم واللا حرب ، حتي جاء اليوم المشهود فانهار خط برليف امام الذكاء المصري الفطري الذي أحسن استغلال موارده بشكل غاية في الذكاء والمهارة، وسقطت مع حبات رماله اسطورة الجيش الذي لا يقهر، وانكسرت ذراعه الطولى، وتأكد العالم كله انه كان محض اكذوبة صنعها الإعلام الغربي والإسرائيلي، والذي كان يرسخ لبث الرعب في قلوب اعدائه من خلال ترديد الشائعات والأساطير الوهمية عن المقاتل الذي لا يقهر، ولكن هيهات ثم هيهات فقد سقطت كرامتهم الزائفة وجرفتها الرمال الى قاع قناة السويس الي غير رجعه، بل أن البعض منهم ما زالت ملابسة التي سقطت منه من الرعب شاهد على هزيمتهم وسقوط كرامتهم فوق أرض سيناء الغالية .
واليوم ها نحن هنا في ذكرى هذا اليوم العظيم، ولكننا في لحظة مختلفة، ذات النصر، ونفس الشعب، وذات الإرادة، ولكن التحديات باتت اكثر خطورة، والأطماع اكبر واخطر، والعدو بُعث من جديد بألف وجه، وجميعهم اقبح من بعض، فبعد أن استطاعت مصر إيقاف موجات الغزاة الجدد، والذين جاءوا بمفاهيم جديدة لهدم الدول وتخريبها من الداخل تحت مسميات خبيثة مثل (الربيع العربي والثورات الملونة)، نجحت مصر بفضل تكاتف أبنائها (شعب و جيش وشرطة) في الوقوف بوجه تلك المخاطر والتحديات، والتي أرادت فرض سيناريوهات الفوضى الخلاقة التي نجحت في عدد من دول الجوار، بينما فشلت وتحطمت على صخرة الإرادة المصرية، والتي لم تكتفي فقط بالتعافي من تداعيات تلك الثورات الغربية، بل عادت مصر لتبنى وتشيد من جديد، فهي بيد تعبد الطرقات وتبنى المدن الجديدة، وتكافح الأمراض المتوطنة، وتمد شرايين الحياة الى سيناء الغالية لتزيد أواصر الربط وشرايين الحياة بينها وبين عاصمتها القاهرة الزاهرة، وتسهل حركة النمو الاقتصادي والعمران بتلك القطعة الغالية التي استعدناها بقوة السلاح المدعومة بالدبلوماسية المصرية الواعية، بينما اليد الأخرى تحمل السلاح لتدافع وتصد بقوة موجات متتابعة وشرسة من إرهاب غير مسبوق ومدعوم لوجستياً ومعلوماتياً من اكبر واخطر أجهزة المخابرات العالمية، وها هي الخالدة الأبية مصر تقف رافعة هامتها في شموخ لتبنى وتدعم جيشها الباسل بأحدث التقنيات العسكرية، ولتؤكد على ريادة ومنعه هذا الجيش الباسل العظيم العصي علي الانكسار أو السقوط، ولما لا وهو خير أجناد الأرض كقول الرسول الكريم..
واليوم ونحن نحتفل بالذكرى ال48 لنصر أكتوبر العظيم نحتفل ونزهو بنصر عظيم حققناه في السابق، وأيضًا بانتصارات وإنجازات وأحلام نحققها علي ارض الواقع، تمثلت في مشروعات عملاقة وإصلاحات اقتصادية غير مسبوقة وعلاقات سياسية مشرفة ومتوازنة مع الدول الكبرى وكافة دول العالم، اليوم عدنا لنفخر بانتصارات الماضي ونباهى بانتصارات الحاضر، فما مضي وما هو قائم وما سوف يتحقق بإذن الله هي جميعها إرهاصات قوية ودلالات واضحة لا تخطئها العين، على أن مصر دولة خُلقت لتبقي، وخُلقت لتقود منطقتها العربية، وتكون وبحق درة التاج فوق جبين كل العرب.