كتبت –زينب عيسي
لمساجد آل البيت منزلة خاصة في نفوس المسلمين لما تحمله من نسب لبيت أشرف الخلق سيدنا محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ورغم مرور الزمن وتطور العصر تظل علاقة المصريين بزيارة الأضرحة قوية وراسخة ويحكمها الوازع الديني والوجداني، فلايستطيع أحد ان يتخيل أن تنقطع يوما زيارة المصريين عن مسجد الحسين او سيدة العلم "السيدة نفيسة" أو أم العواجز "السيدة زينب" حفيدة رسول الله صلي الله عليه وسلم والأقرب.
ولزيارة آل بيت النبي سمة خاصة تميز بها المصريون دون غيرهم من المجتمعات التي قد تتشابه معهم تاريخيا وجغرافيا وثقافيا لكنها قد تختلف في المعتقد الايماني الراسخ بقداسة آل بيت النبي وكراماتهم.
ورغم توافد الحشود على "المسجد"الزينبي" في أوقات الأعياد والصلوات اليومية لكن المشهد هناك يختلف كليا حين يحل شهر رمضان، فدراويش الست يملأون المكان جيئة وذهابا قياما وقعودا غناء وتراتيل، والحضرات الخاصة بالطرق الصوفية في المسجد لا تنتهي، فها هي أصوات الدراويش المعروفين بالمكان تتعالى (علشان خاطر الرئيسة المشيرة الكريمة العظيمة الشريفة العفيفة ستنا السيدة زينب.. مدد يا أم العواجز مدد).
مدد يا أم هاشم
لتلك التسميات قصص في الرواية الشعبية المتوارثة عن الأسلاف، فالمصريون إذا ما أحبوا شخصا كنوه ولقبوه وأطلقوا عليه المسميات والأسماء المستعارة في إشارة لحالة من الخصوصية في علاقة المحبة، فلقب “الرئيسة أو رئيسة الديوان” للسيدة زينب رضى الله عنها، جاء لأنها عندما قدمت مصر كان الوالي وحاشيته يأتون إليها وتعقد لهم بدارها جلسات للعلم فيتفهموا الأمور الدينية في ديوانها وهي رئيسته ، وأم العواجز لأنها كنيت بهذه الكنية عندما شرفت مصر بقدومها وساعدت العجزة والمساكين. وأم هاشم، كنيت بأم هاشم لأنها حملت لواء راية الهاشميين بعد أخيها الامام الحسين.
مقصد الأدباء والشعراء
السيدة زينب أكثر المناطق التي يأتى لها المصريون من ربوع مصر يهرعون إلى المسجد للصلاة والتبرك وزيارة ضريحها الذي يستقبل المريدين يوميا بعد صلاة الفجر لإحساس البعض بقيمة التبرك بهذا المكان، كما أن للمشهد الزينبي في القاهرة تجليات واضحة في وجدان المصريين من كل الطبقات، فيجتمع لديه المثقفون والعوام، العلماء والبسطاء، الأغنياء والفقراء، وقد حكى عن روايات تزخر بها الثقافة المصرية، وقد كانت تلك المنطقة سببًا رئيسيًا في إلهام وبزوغ نجم العديد من المبدعين والكتاب لما تحمله المنطقة من ثراء إنساني عظيم.
وأهم الروايات الأدبية للمنطقة تتجلى في أعمال الكاتب العالمي الراحل نجيب محفوظ، والأديب الكبير الراحل جمال الغيطاني، كما تغنى بتلك المنطقة عدد من الشعراء والمطربين إجلالا لما تركته تلك المناطق من أثر في نفوس المصريين خاصة البسطاء مثل ما كتبه الشاعر زين العابدين وغناه محمد عبد المطلب في الأغنية المعروفة (ساكن في حي السيدة وحبيبي ساكن في الحسين). ويقال إن نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وغيرهما كانا يرتادان مسجد السيدة زينب كل ثلاثاء للمشاركة في "حضرة" الست وهي ما أشبه بندوة دينية صوفية تضم كل الأطياف من محبي آل البيت .
الست الطاهرة
والاحتفاء بمولد "السيدة زينب" قد يرتبط بظهور طبقات اجتماعية ترتاد المسجد من أصحاب القامات العالية والسيارات الفارهة فلا تندهش ان وجدت بجانب البسطاء والغلابة وأصحاب الحاجات نموذجا جديدا من مريدي "الست الطاهرة" منهم فنانون قد تنكروا في زي يغير هيئتهم حتي لايتجمهر حولهم الناس وأصحاب الملابس الفاخرة و«البذات» الفواحة بالعطر، وشباب الجامعات وغيرهم ، يعتقد أنهم قد جاءوا لحضور الحفلات الانشادية وسماع المداحين المشاهير.
ويظل المشهد الزينبي عامرا بمريديه من الغلابة والبسطاء من الملهوفين وأصحاب الحاجات ومن لديهم وازع ديني راسخ بأن ام العواجز ستشفع لهم عند الله ورسوله ، فيشفي المريض وتثمر العاقر ويذهب البأس وتحل البركة ..مئات الآلاف من المصريين يأتون من كل صوب وحدب لزيارة السيدة الطاهرة في مولدها وفي عيد المسلمين في رمضان.