سرقة ماكينات بملايين الجنيهات بالشرقية
مزارعون: «الحكومة لبستنا العمة».. و«المشروع موت وخراب ديار»
وفلاحو كفر الشيخ يحفرون آبار أرتوازية لمواجهة العطش
ومزارعو الغربية: الحكومة أجبرتنا على المشروع
الري: الفلاحون يتحملون الفشل.. وموقفنا القانوني سليم
«ري الشرقية»: الأزمة تحتاج لتدخل سيادي
الزراعة: سنناقش الأزمة مع الري
شرعت الدولة في تطوير منظومة الري بالطريقة الحديثة، قبل 25 عامًا، بحيث تكون مفيدة لري الأراضي الزراعية بما يخدم الفلاح، ووضعت وزارة الري خطة لتنفيذ مشروع "الري المطور"، وهو عبارة عن ردم الترع الفرعية واستبدالها بنظام "الري المغطى" والذي يخدم آلاف الأفدنة كبديل للترع المكشوفة التي تحتاج إلى تنقية من الحشائش والمخلفات بصفة دورية.
وبالفعل بدأت الدولة في تنفيذ المشروع في بعض المحافظات بشكل جزئي بسبب تكلفته العالية والباهظة، التي ترهق ميزانية الدولة بمليارات الجنيهات، وشيدت وزارة الري مباني خاصة لماكينات الرفع على الترع الرئيسية، التي تقوم بضخ المياه في المواسير المغطاة التي تروي مساحات زراعية شاسعة، ونفذت المشروع في بعض المحافظات ذات المساحة الزراعية الكبيرة مثل الشرقية والغربية وكفر الشيخ وقنا والمنوفية، ومؤخرًا تنفذه الحكومة في المحافظات الجديدة وبعض المشاريع المعلن عنها خلال السنوات القليلة الماضية.
ولكن رغم الاهتمام بالمشروع في أوله لري الكثير من الأراضي مقابل 8 جنيهات للساعة، بجانب دفع أقساط سنوية تصل إلى 400 جنيه كدفعات مستحقة لثمن الماكينات، إلا أنه فشل فشلًا زريعًا بل وهدد ملايين الأفدنة بالبوار، مما دفع الأهالي للجوء إلى طرق بديلة منها دق آبار أرتوازية على نفقتهم الخاصة لإنقاذ محاصيلهم الزراعية.
ورغم توقف المشروع بنسبة 90% في بعض المحافظات، لم يحرك ذلك ساكنًا لدى الحكومة أو وزارة الري، التي تعتبر أن فشل المشروع مسئولية الفلاح، حيث أنها سلمت المشاريع لروابط «مستخدمي مياه الري» والتي بدورها تقوم بالإشراف على المشروع وتأمينه، كما لم توجه أي تهم أو تحاسب المقصرين، رغم سرقة خط كامل من ماكينات الرفع على ترعة رئيسية يصل طوله إلى عشرات الكيلو مترات في محافظة الشرقية في يوم واحد على مرأى ومسمع من الجميع دون التحقيق في الأمر، رغم أن المشروع معين له حراسة خاصة وعمال وموظفين، فيما حمل الفلاحون مسئولية فشل المشروع للحكومة واتهمتها بإهدار المال العام وتدمير ملايين الأفدنة.
سرقة مشروع الري المطور بالشرقية
«الهلال اليوم» خاض جولة ميدانية للتعرف على صحة الإهمال الذي ضرب المشروع والتوقف على حقيقة سرقة بعض ماكينات الرفع وبوار آلاف الأفدنة، وتواصلنا مع عدد من المزارعين في بعض المحافظات التي بدأ بها المشروع.
البداية كانت مع محافظة الشرقية، حيث زورنا قرى تابعة لمدينة القرين وفاقوس والصالحية لنرصد ونوثق الحقائق على أرض الواقع بجزء من المشروع المدمر، وكشفت لنا الرحلة الميدانية العديد من الأزمات والمفاجآت التي تعصف بالمزارعين.
وجدنا مزارع يتفقد أرضه بين الحيرة والحسرة بين محصول تألم كثيرًا حتى باعه وبين زراعة جديدة ينتظرها العطش، فبادرنا محمد السيد قائلًا" جايين تشوفوا أيه محدش هيعمل حاجة كفرنا بالكلام وكل حاجة، العطش دمر أرضي، واستخدمت وزارة الري أسلوب الحديث لري الأراضي، اللي نفذوه من أيام الرئيس مبارك، وشيدوا عدد كبير من الماكينات التي تقوم بسحب المياه من الترع وضخها في مواسير مياه توزعها "ليزرات" لري العشرات من الأراضي الزراعية كبديل عن الخلجان والترع الصغيرة التي تروي مئات الأفدنة، والتي تم ردمها مع بداية عمل المشروع".
ويضيف "محمد السيد":" لو مش عارفين يحافظو على المشروع مش يعملوه ولا هما عاوزين يخربو بيوتنا ويشردونا، المشروع لم يكفي لري جميع الأراضي وكانت تنشب اشتباكات بين المواطنين على أولية الري، لأن كان لكل "ماكينة رئيسية" تضخ المياه لمساحات واسعة من الأرضي تروى "بليزر" مزروع على رأس كل 10 أفدنة يروى بالتنسيق مع المسئول عن الماكينة وطريق تقسيم الري بالتساوي، ولكن الصدمة الكبرى عندما توقف المشروع تمامًا عن العمل وأصبحت الأرض بدون مياه ترويها، فلجأنا إلى المسؤولين دون جدوى ولم يتحرك ساكنًا، فبدأنا في الاعتماد على المياه الجوفية عن طريق دق آبار ارتوازية، ودق مواسير بعمق كبير لسحب المياه من باطن الأرض على نفقتنا الخاصة لري أراضينا.
بوار الأراضي الزراعية
أما محمد عيسى، أحد المزارعين، فيقول إن الأرض الزراعية انخفض محصولها في آخر 5 سنوات بسب الاعتماد على المياه الجوفية بشكل رئيسي بعد استحالة توصيل مياه الترع إلى الأرض بعد توقف المشروع وردم الترع الفرعية والخلجان، فلا يوجد أرض الآن دون وجود ماكينة تم إقامتها على نفقة المزارعين لسحب المياه من باطن الأرض.
ويشدد "عيسى" على ضرورة محاسبة المسؤولين المتسببين في فشل مشروع الري المغطى الذي يخدم الملايين من الأراضي الزراعية في مختلف المحافظات وليست في محافظة الشرقية فقط، لأنه أصبح مسألة حياة أو موت بالنسبة للمزارع خاصة بعد ردم الخلجان والترع الفرعية التي كانت تقوم بتوصيل المياه لمئات الأفدنة الزراعية التي لا تجد سبيل الآن غير الري من المياه الجوية.
غموض حول تدمير المشروع
ويؤكد مصباح جاد، أحد المزارعين بمدينة القرين التابعة لمركز أبو حماد، أن الأراضي الزراعية باتت محرومة بشكل شبه رئيسي من مياه النيل، وأن المحاصيل تتراجع يوم تلو الآخر وسط حالة متردية لمعيشة الفلاح المصري الذي يعاني من إهمال كبير.
ولفت "جاد" إلى أن الأراضي الزراعية أصبحت الري الجوفي كلي كبديل عن الري النيلي بسبب خفاف الترع المتكرر، وفشل جميع مشاريع تطوير الري والرفع من كفاءتها، مشيرًا إلى أن الماكينات لا تعمل وإن كانت تعمل فالترع التي تسحب منها جافة فهل ستروي الأرض سرابًا؟".
واستطرد:" أن المجال الزراعي يعاني من إهمال كبير ويحتاج إلى حملة إصلاح كامل مع محاسبة المسؤولين عن الخسارة التي لحقت بتطوير مشاريع الري، والإثبات موجود على أرض الواقع لا يحتاج إلى دليل أكثر من ذلك، فالعشرات من الماكينات المزروعة على الترع الرئيسية أصبحت "خرابة" بشهادة الجميع بعد سرقة أغلبها حتى الأبواب تم سرقتها دون أن يحرك ساكن، مع العلم أن هذه الماكينات لا يمكن التصرف بها أو بيعها ومن السهل ضبطها لأنها معروفة وموحدة، مؤكدًا وجود تواطؤ من القائمين على هذا المشروع لأن سرقته تمت بطريقة منظمة وفي يوم واحد تم اقتلاع العشرات من الماكينات من على خط الترعة الذي يربط مركز القرين بفاقوس في ليلة واحدة دون تحقيق أو وضع خطة بديلة لري الأراضي بعد ردم العشرات من الخلجان والترع الفرعية التي تشق عشرات الأراضي لري مئات الأفدنة الزراعية.
عيوب في ماكينات المشروع بكفر الشيخ
وانتقلنا إلى محافظة كفر الشيخ للتعرف على مشاكل المشروع من المزارعين، يقول "محمد.أ"، بعد فترة قصيرة من تركيب ماكينات الرفع ظهرت عيوب في الماكينات وانخفضت كميات ضخ المياه، مما قل معدل الري، وحتى لا ينفضح الأمر لجأت وزارة الري لتركيب ماكينات محلية تحسبًا لوجود أي أعطال أو توقف لأن ذلك سيحدث غضب عارم بين المزارعين.
وأضاف أن الوزارة اشترت الماكينات بمبالغ عالية يصل سعر الماكينة الواحدة 20 ألف جنيه في عام 1995، رغم وجود عيوب كبيرة بها وأغلى من الماكينات المحلية بحوالي 5 ملايين جنيه.
ويضيف أحمد إبراهيم، أحد المزارعين:" أن العيوب ظهرت سريعًا وتوقفت وبدأ المسئولين الاستعانة بماكينات محلية بقوة أقل مما أثر بالسلب على ري الأراضي فضلا عن تحمل المزارعين ثمن الماكينات التالفة قبل أن تعمل، وألزمتنا الوزارة بتسديد أقساطها على دفعات".
ولفت إلى أن الفلاحين لجئوا للمياه الجوفية لري الأراضي بعد توقف المشروع بشكل كبير وأثر ذلك على الكمية الإنتاجية للفدان، فضلا عن تدمير معنويات الفلاحين.
فلاحو الغربية: الحكومة فرضت علينا المشروع
خلال لقاءنا مع بعض الفلاحين في محافظة الغربية، أكد "محمد. أ"، أحد المزارعين، أن الحكومة فرضت عليهم المشروع وألزمت بسداد الأقساط دون الرجوع إليهم، مما كبدهم خسائر كبير، كما أن المياه أغرقت المساحات الزراعية القريبة من المشروع لعدم حفر مصارف لتفريغ المياه الزائدة.
ولفت إلى أن المشروع لم يفيد الأراضي الزراعية كما يتوقع البعض، ولكن المحاصيل الزراعية تراجعت فضلا عن سداد أقساط ماكينات الرفع.
الري: لا توجد مسئولية قانونية على الوزارة
وفي هذا السياق، حمل الدكتور محمد البلتاجي، رئيس مصلحة الري الأسبق بوزارة الري، الفلاحين مسئولية فشل المشروع، لأن وزارة الري سلمت الماكينات الحديثة إلى المزارعين، عن طريق تدشين روابط لـ"مستخدمي مياه الري"، التي تسلمت المشروع في المحافظات وأشرفت عليه وكان ذلك بقانون أعدته الوزارة مع تحمل المزارعين أسعار الماكينات وتسديد ثمنها على أقساط.
وقال " البلتاجي" إن المشروع خططت له الدولة باعتباره أحد المشاريع القومية، قبل 20 عامًا وشرعت بتنفيذه ببعض المحافظات ذات المساحات الزراعية الواسعة مثل الشرقية وكفر الشيخ والغربية وقنا، ولم تنفذه بجميع المحافظات لأن تكلفته كبيرة جدًا وتحتاج إلى مليارات الجنيهات.
ولفت رئيس مصلحة الري الأسبق، إلى أن هناك دراسة كافية للمشروع، تحتوي على أهميته وقيمته بالنسبة للفلاح، موجودة بمقر الري المطور بشبرا، مؤكدًا أن الوزارة ليس عليها أن مسئولية قانونية حول فشل المشروع لأن الفلاحين وقعوا على استلام الماكينات ومنذ هذه اللحظة الوزارة باتت غير مسئولة قانونيًا عن المشروع.
«الزراعة»: سنناقش الأزمة مع الري في الاجتماع المشترك
ولفت الدكتور حامد عبدالدايم، المتحدث الرسمي باسم وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، إلى أنهم سيعرضون مشاكل المشروع على اللجنة المشتركة القادمة بين وزارة الري والزراعة، للتأكد من وجود مشاكل حقيقة للفلاحين والعمل على حلها.
وأكد أن الوزارة تتابع بصفة مستمرة مشاكل الفلاحين وتسعى لإزالة العقبات في أسرع وقت ممكن، مشيرًا إلى أن الوزارة ليس لديها علم بمشاكل "الري المطور" وستتواصل مع وزارة الري لحل أي عوائق.
«ري الشرقية»: المشروع معقد ويحتاج قرار سيادي
قال المهندس على عبد الحفيظ، وكيل وزارة الموارد المائية والرى السابق بالشرقية، إن مشروع الري المطور في المحافظة معقد للغاية ويعتبر أزمة حقيقة ولا يمكن حله إلا بقرار سيادي وتدخل من رئاسة الجمهورية ووضع خريطة واضحة لحل أزمة الري المطور.
ولفت "عبد الحفيظ" إلى أن بعض أعضاء مجلس النواب بالمحافظة يتواصلون مع لجنة الزراعة بالبرلمان لوجود حل لمشلكة المشروع التي تدمرت بشكل كبير في أغلب مركز المحافظة.
وقال وكيل وزارة الموارد المائية والرى السابق، أن أغلب الماكينات الخاصة بالمشروع تم سرقتها خلال عام 2011 مستغلين الانفلات الأمني خلال الثورة، ولا يستطيع الفلاحون محاسبة أحد لأن وزارة الري حصلت على توقيع الفلاحين على استلام الماكينات الخاصة بالمشروع، فسرقتها يتحمل عواقبها الفلاح فقط.
وأشار إلى أن المشروع يعد من المشروعات القومية التي شرعت فيها الدولة قبل 25 عامًا، لأجل ذلك تحتاج إلى قرار سيادي، لأن الفلاحين ما زالوا يسددون أسعار الماكينات بالأقساط، فضلا عن تضرر أراضيهم بسبب توقف المشاريع، لأن الفلاح كان يسدد من 300 إلى 400 جنيه سنويًا كأقساط مستحقة.
وتابع:" أن الدولة حصلت على قروض خارجية بالملايين من أجل هذا المشروع ، وفشله يعتبر إهدار للمال العام.