الدكتور أحمد عبد اللطيف أبومدين
الأستاذ المتفرغ بطب القاهرة
الدكتورة نرمين أبومدين
أخصائية التغذية العلاجية
 
فرض الله سبحانه وتعالى الصيام في شهر رمضان المُبارك، وللصيام فوائد جسدية لتنشيط «نظام التنظيف الذاتى» خلايا الجسم كما كشفته الأبحاث العلمية، إلي جانب الغرض الأساسي ألا وهو التقوى والتقرب إلى الله تعالى..
وقد ثبت طبيا أن الإيمان يقوى جهاز المناعة الذى يرتبط ارتباطا وثيقا بالحالة النفسية للإنسان. ولأن هناك أمراضا تصيب الإنسان فقد رخص الدين الإسلامي الحنيف لأصحابها الإفطار في شهر رمضان حرصاً على عدم تأخير الشفاء أو حدوث مضاعفات، قال الله تعالى : “وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ  يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ” و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب أن تُؤتى رخصه كما يحب أن تُؤتى فرائضه».
صيام مرضى الكبد ينشطه ويخلصه من الشحوم
يقوم الكبد بالعديد من الوظائف الحيوية فى الجسم، فهو بمثابة المهندس والمنفذ والمصنع ليصبح التروموستات الذى يضبط منسوب جميع المركبات الحيوية اللازمة لاستمرار العمليات البيولوجية لمختلف خلايا الجسم، وبذلك يؤدى دوره فى الحفاظ على الحياة وعلى رأس هذه المركبات سكر «الجلوكوز» وهو الوقود الحيوى الوحيد للجهاز العصبى والمراكز الحيوية بالمخ ولتنظيم السكر فى الدم يقوم الكبد بسحب أى زيادة واختزانها بداخله لحين الحاجة على هيئة «جليكوجين»، وعندما ينخفض مستوى السكر فى الدم فى حالة الجوع أو الصيام، يتحول الجليكوجين إلى جلوكوز  يندفع للدم لينتج الطاقة اللازمة لحفظ الحياة، وبذلك فإن من الوظائف المهمة للكبد هو تخزين الأغذية المنتجة للطاقة فى وقت عدم تناول الغذاء أى وقت الصيام.
والصيام لمرضى الكبد يتوقف على عاملين، أولهما: درجة الإصابة بالقصور الوظيفى للكبد، وتعنى كفاءة الخلايا الكبدية ويحددها الكشف الإكلينيكى الدقيق، والفحوص المعملية التى تقيم الحالة المرضية لوظائف الكبد، ثانيهما: أن يتم الفحص الشامل للأمراض الأخرى التى تؤثر حتما على حالة الكبد، وبالتالى القدرة على الصيام مثل مرض السكر أو ارتفاع ضغط الدم، وحالة الكليتين. أما مريض الكبد الذى يجب عليه الصيام، هو الذى لا يعانى من نشاط مرضى واضح، وغير مهدد بحدوثه ، وحالة الكبد متكافئة وجميع وظائف الكبد طبيعية، وللعلم هذا يشكل 80 % من المرضى المصابين بفيروس «سى»، وهذا النوع من المرضى يستفيد من الصيام، لأنه يجدد له خلاياه من خلال «التنظيف الذاتى للخلايا» التى يحفزها الصوم وهو «الجوع الحيوى» كما أطلقت عليه الاكتشافات العلمية الحديثة.
 ومن فوائد الصيام لمرضى الكبد الدهنى تحفيز نشاط الكبد أثناء الصيام، حيث يضطر إلى الاعتماد على الشحوم المختزنة به، فيحول كميات منها ليؤكسدها، حتى ينتفع منها الجسم وهو ما يخلص الكبد من الشحوم، ويعيد نشاط الخلايا الكبدية إلى حالتها الطبيعية.
ومن النصائح المهمة حول  تناول مريض الكبد الصائم طعامه أن يكون له ثلاث وجبات يتناولهم بنظام خاص وهى وجبة الإفطار مقسمة على وجبتين ووجبة السحور، فعند الإفطار يفضل أن يبدأ المريض إفطاره بكمية مناسبة من الأغذية السكرية، سهلة الهضم مثل كوب من الحليب قليل أو منزوع الدسم مع ثلاثة تمرات، أو عصائر الفواكه الطبيعية أو قمر الدين، ولكن دون إفراط لتهيئة الجهاز الهضمى لاستقبال وجبة الإفطار، ولرفع نسبة السكر فى الدم التى تنشط الوظائف الحيوية للجسم، ومنها الجهاز الهضمى، ثم تناول وجبة الإفطار وتحتوى على مكونات متوازنة من جميع العناصر الغذائية المطلوبة، ويفضل تقسيمها على مرتين على أن تكون الوجبة الثانية بعد العودة من صلاة التراويح، مع اعتبار السحور الوجبة الرئيسية، وليس الإفطار، ويحتوى على السوائل والماء الكافى حتى لا يعانى مريض الكبد من العطش خلال نهار رمضان، ويفضل أن يؤخر السحور قدر الإمكان قبل موعد الإمساك مباشرة ويحتوى على الفول واللبن ومنتجاته من الزبادى والجبنة، والبطاطس والخبز البلدى مع مكونات السلاطة الخضراء، مثل الخيار والخس والخضراوات التى تحتوى على الماء والألياف وتجنب الأطعمة المقلية مع تناول كمية كافية من الماء حتى حلول موعد أذان الفجر وبدء الصيام.
أما مرضى الكبد الذين يرخص لهم بالإفطار في رمضان فتشمل حالات أمراض الكبد المزمنة المصحوبة بأعراض تؤدى إلى الفشل الوظيفى للكبد مثل الاحتباس الصفراوى أو الاستسقاء البريتونى أو الغيبوبة الكبدية او ارتفاع ضغط الوريد البابى المصحوب بالقىء الدموى أو دوالى المرىء النازفة أو وجود بؤر سرطانية. كما يرخص بالإفطار لمرضى الالتهاب الكبدى الحاد لأن مريض الكبد يحتاج إلى نظام غذائي خاص  مكون من وجبات متعددة على مدى اليوم مع كميات إضافية من السكريات بسبب انخفاض نسبة السكر فى الدم نتيجة عدم وجود مخزون كاف من “الجليكوجين” فى الكبد وهو مصدر السكر للجسم..
أمراض الكلى والصيام:
حفظ منظومة الحياة
أحد أكثر الأمراض التى تستوجب الإفطار هى التى تصيب «الكلى» لارتباط وظائف الكليتين بتنظيم السوائل وأملاح الدم والأنسجة وحفظ الخلايا فى مكونات بيئية صالحة لأداء الوظائف المبرمجة عليها بحيث تكون جميع عناصرها محسوبة بدقة متناهية لاستمرار الحياة.
ولكل من أمراض الكلى طريقة تغذية خاصة فى رمضان؛ فمرضى القصور الكلوي فى مرحلة ما قبل غسيل الدم والفشل الكلوى عليهم التقليل من تناول الأغذية الغنية بالبروتينات؛ حيث يسبب الإسراف في تناولها جهداً زائداً على الكلية ويسرع بالفشل الكلوى، على عكس مرضى الغسيل الكلوي ويتوقف ذلك على حسب تقدير الطبيب  المعالج  فهؤلاء المرضى بحاجة إلى زيادة البروتينات أحيانا ، فعند عملية الغسيل تخرج بعض البروتينات الأساسية التي يجب تعويضها ويجب عدم تعرض مريض الكلى لدرجات الحرارة العالية أثناء الصيام، وتجنب الأطعمة المالحة، والتقليل من السكريات والدهون؛ فمرضى الكلى أكثر تعرضاً للإصابة بأمراض القلب والشرايين.
أما مرضى الكلى الذين يرخص لهم بالإفطار في رمضان فهم  المعرضون للفشل الكلوي عند الامتناع عن شرب الماء الذى يؤدى إلى التأثير على كفاءة الكلى والتى تكون غير قادرة على الاحتفاظ بسوائل الجسم، مما قد يتسبب في قصور حاد في وظائفها، وقد يؤدي ذلك إلى تلف الكلى ، وكذلك فالصيام لمدة طويلة ينقص سوائل الجسم بصورة كبيرة مما يغير نسب أملاح الدم ، ومن أمراض الكلى التي تمنع من صوم رمضان التهاب الكلى الحاد الميكروبي وغير الميكروبي وحالات الفشل الكلوي الحاد والمزمن وخاصة الحالات التى تخضع لغسيل الدم، وكذلك ينصح مرضى زراعة الكلى بعدم الصوم، وذلك لتأثير قلة السوائل على الكلى المزروعة وضرورة أخذ الأدوية بصورة منتظمة وفي أوقات محددة، كما يرخص بالإفطار لمرضى الكلى المصابين بحصوات المسالك البولية المصحوبة بانتفاخ بحوض الكلى مع وجود صديد فى البول، خصوصاً إذا كان الصيام أثناء الجو الحار وجميعهم يحتاجون لشرب الماء بصورة مقننة طول اليوم.
مرضى القلب..  المضاعفات  والمخاطر
أغلب أمراض القلب تنطبق عليها رخص الصيام لاحتياجهم إلى تناول مستمر للأدوية وإلى نظام غذائى دقيق على هيئة وجبات قليلة متكررة طوال اليوم منعا لحدوث إجهاد للقلب نتيجة الإفراط فى تناول الطعام.
وعلى ذلك فإن مرضى القلب الذين يرخص لهم بالإفطار في رمضان هم مرضى هبوط القلب نتيجة فشل عضلة القلب وتضخمها المصحوب باحتقان الرئتين مع تورم الساقين وتضخم الكبد الاحتقانى مما يسبب ضيقاً شديداً فى التنفس، خاصة إذا كان هناك ضيق أو ارتجاع فى صمامات القلب، وكذلك مرضى قصور الشرايين التاجية الذين يعانون من نوبات الذبحة الصدرية مع حدوث آلام متكررة في الصدر و مرضى قصور القلب الاحتشائي الذين يعانون من ضيق التنفس، وذلك لاحتياجهم إلى تناول العلاج بصفة مستمرة طوال اليوم، خاصة مدرات البول والمرضى الذين يتعاطون أدوية تمنع تجلط الدم مثل الوارفارين وغيرها وأيضا مرضى اضطراب ضربات القلب نتيجة مشاكل منظم القلب أو التوصيل الكهربى،  خاصة إذا أدى إلى عدم انتظام نبضات القلب ومنها التذبذب الأذينى من النوع الخبيث.
ومن مرضى القلب الذين يرخص لهم بالإفطار في رمضان مرضى القلب الذين تتطلب حالاتهم البقاء تحت الملاحظة الطبية داخل المستشفى بأقسام الرعاية المركزة،  وكذلك مرضى الأزمة القلبية الذين لا يستطيعون الصوم عادة خلال الأسابيع الستة التي تعقب حدوث الأزمة القلبية وإذا جاء رمضان مباشرة بعد هذه الفترة يسمح لها بالصيام أو عدمه  أخصائى القلب المعالج وأيضا يرخص بالإفطار لمرضى جراحات القلب الذين لا يستطيعون الصوم عادة خلال شهرين بعد إجراء الجراحة وقد قال الله تعالى: “يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ” كما قال تعالى:”فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ” صدق الله العظيم.
أما الحالات التى مازال القلب فيها متكافئا وظيفيا وليست هناك أدوية يتم تناولها أثناء وقت الصيام ويحدد الحالة طبيب القلب المتخصص هؤلاء المرضى يسمح لهم بالصيام، ولكن عليهم الالتزام بنظام غذائى خاص مقسم على وجبات سهلة الهضم صغيرة لاتصل إلى حد الامتلاء وتناولها على مراحل و تجنب الأطعمة الدسمة والغنية بالدهون والأملاح وعدم تناول كميات كبيرة من الأطعمة أو السوائل لأنها تؤدي إلى حدوث إجهاد لعضلة القلب وإعاقة للتنفس.
«الحمل».. قواعد وأصول  صيام رمضان
الحوامل عليهم اتباع ما أمر الله به دون إفراط أو تفريط ولهم أحكام طبية خاصة أو مهمة حرصاً على حياة وصحة الأم والجنين معا وحتى يكتمل نمو الجنين بصورة صحية كاملة والمحافظة على صحة الأم حتى تتحمل فترة الحمل ثم عملية الولادة وفترة الرضاعة بعد ذلك. فلا يلزم الشرع الأم فى حالة الحمل بالصوم إلا بشروط طبية واضحة.
وتنقسم شهور الحمل إلى عدة فترات كل منها لها وضع صحى خاص وهى: الأشهر الأولى حتى نهاية الشهر الثالث والفترة الوسطى من بداية الشهر الرابع حتى نهاية الشهر السادس والفترة الأخيرة من بداية الشهر السابع إلى التاسع و أخصائية أو أخصائى أمراض النساء والولادة الأقدر على تقييم حالة كل حامل حسب صحة الأم وخلوها من أمراض أو مضاعفات أخرى وحالة الجنين والتاريخ الصحى للأم من ناحية الإجهاض أو تأخر الحمل أو الاضطراب الهرمونى أو إجراء عمليات أو تدخل طبى لإحداث الحمل والخلو من الأمراض المصاحبة للحمل كل ذلك يجب وضعه فى الاعتبار وعلى ذلك يسمح بالصيام للأم التى  تتمتع بالصحة والقوة وكان حملها يسير بشكل جيد وفى فترات محددة من شهور الحمل..  
أما الحامل التى يرخص لها بالإفطار في رمضان فهى الحامل في الأشهر الأولى حتى بداية الشهر الرابع لأنها غالبا ما تعاني من أعراض طبية تحتاج أحيانا إلى علاج مستمر ونظام غذائى خاص وعلى  رأس هذه المظاهر أنيميا الحمل نتيجة النقص في نسبة هيموجلوبين الدم مع وجود غثيان وقىء بدرجات متفاوتة، فيكون صعبا على الحامل فى هذه الفترة الصيام. أما الحامل في الفترة الوسطى من الشهر الرابع حتى الشهر السادس فتعتبر أقل تأثراً بالصيام، حيث يكون الحمل مستقراً فإذا تقرر الصيام فيجب الالتزام بالشروط السابقة مع ملاحظة  أى تغير في حركات الجنين، أو حدوث آلام، مثل الانقباضات التى قد تكون علامة على مخاض مبكر أو الشعور بالدوار، أو الإغماء، أو الضعف، أو الإرهاق. والحامل في الشهر السابع والثامن والتاسع يرخص لها بالإفطار في رمضان، لأن الجنين يحتاج إلى كمية كبيرة من الغذاء المحتوى على الكالسيوم والبروتينات والأملاح المعدنية الأخرى لبناء عظامه وعضلاته وأنسجته وهذا يتأثر بالصيام. وبصفة خاصة هناك ظاهرة طبية واضحة للحوامل وهى انخفاض نسبة السكر بالدم يجعلها تشعر بالصداع الشديد وزغللة في العين وإجهاد عام.
الأمراض العصبية ... قواعد مهمة
 من الأمراض العصبية التى يرخص لها بالإفطار في رمضان: مريض الصرع الذي يصاب بنوبة صرعية عند نقص السكر في الدم نتيجة الصيام عليه أن يفطر لأن سكر الجلوكوز هو الوقود الوحيد لخلايا الجهاز العصبى،  وكذلك الاختلاف في مواعيد تناول الدواء قد يساهم في حدوث نوبات الصرع. كذلك مريض الفصام «الشيزوفرينيا» لأنه إذا توقف عن تناول العلاج فسيعاني من نوبات العنف.