الخميس 28 نوفمبر 2024

رمـــضـــــان.. صحة القلب ومناعة الجسم

  • 29-5-2017 | 11:06

طباعة

بقلم – أ . د . محمــــد بهائــــــى السكـــــــرى
«وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا . فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا . قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا».
لا يختلف اثنان على أن نفس الإنسان آية من آيات الخالق سبحانه، ونفس المرء بوتقة تعتلج فيها الأفكار والأحاسيس وتموج بالمشاعر مثل البحر فتارة تهدأ وتارة  تصبح مسرحا للرياح والأعاصير وتصبح الأمواج فيها كالجبال.
وجسم الإنسان مرآة لنفسه إذا هدأت واستقرت هدأ واستقر وإذا اجتاحتها الأعاصير اضطرب واختلت وظائفه وبات يشكو  الكثير من الأعراض والأمراض.
وقد أثبت كل ذلك العلم الحديث ومختلف الأبحاث التى دلت بصورة قاطعة على أن هناك  ما يعرف باسم الأمراض النفسجسمية.
وهى أمراض وأعراض جسمانية  حقيقية تنتج عن اضطرابات نفسية مثل ارتفاع ضغط الدم والسكر وحموضة المعدة وقرحة المعدة والأمعاء ونقص مناعة الجسم وغيرها.
وبالتالى أصبح العلاج لا يقتصر فقط على إعطاء الدواء بل لابد من النظر فى حالة المرء النفسية وظروفه الاجتماعية والالتجاء إلى علاجات مكملة للعقاقير تهتم بإراحة النفس وصفاء الذهن  ونقاء المشاعر والسمو بالجانب الروحى.
ولقد قدم الدين لنا كل ذلك فى طبق من ذهب أهدانا وسائل تزكية النفس وصفاء الروح والتدرج بها فى مسالك الرقى من طين الأرض إلى عنان السماء. وكان العلاج فى وصايا محددة؛ التقوى أى تجنب ما يسبب الأذى للمرء أو لغيره- تجنب الظلم والعدوان- التطلع إلى السماء  والارتباط بحبل الله المتين عن طريق العبادات مثل الصيام والصلاة والإحسان إلى الآخرين عن طريق التعاون والصدقات وأسداء الخير والمعروف.
ولنقتصر فى حديثنا على عبادة واحدة وهى الصيام بمناسبة شهر رمضان الكريم ونتأمل فيما يعود به الصيام على النفس والجسم.
ولنرى ما يقوله العلماء فى هذا المجال. إن الاسترخاء هو حالة إيجابية يشعر فيها الإنسان أنه قد تحرر من الضغوط والأعباء.
والتأمل فى ملكوت الله سبحانه هو أحد طرق الاسترخاء الناجعة الناجحة. وللاسترخاء والتأمل جانب نفسى وآخر جسمانى.
ويقول الدكتور «تن هتوت» إنه يمكن استخدام التأمل والاسترخاء فى علاج الضغوط المصاحبة لمرض قصور دورة شرايين القلب والذبحة الصدرية وارتفاع ضغط الدم والصداع والأرق بل وحتى مرض الربو وأمراض نقص المناعة ويؤكد أن هذه ليست مجرد أفكاراً نظرية بل  حقائق لها أدلة علمية.
وتميل طبيعة الصيام بالمرء إلى الهدوء والسكينة والاسترخاء والتأمل.
فالصائم لا يغضب وإذا سبه أحد أو شتمه قال: إنى امرؤ صائم وهو مشغول بالصلوات عن الشهوات وذهنه صاف لا تعكره المثيرات والنزوات وهو يهتم بصيامه اهتمامه ببلورة شفافة لا يريد أن تدنسها شائبة ولا أن يطمس بريقها ظلام . وهو متعلق بالسماء أكثر من تعلقه بالأرض ويتقرب إلى الخالق سبحانه بالدعاء والرجاء بدلا من الإغراق فى الذنوب والأثام.
ومع صفاء الروح تستقر أمور البدن وتتصالح النفس مع الجسم.
ونعود للحديث عن الحقائق العلمية التى تبين تأثير صفاء الروح على البدن.
فقد أثبتت الأبحاث أن الضغوط النفسية والمشاعر العدوانية يصاحبها تغيرات فسيولوجية محددة تهدف إلى حشد الطاقة الجسمانية والاستعداد للحرب أو الدفاع عن النفس وهى تكلف الجسم ثمناً باهظاً يتمثل فى إفراز العديد من الهرمونات وزيادة العبء على القلب والأوعية الدموية والعضلات وهدم الأنسجة واستخدام مخزونات الطاقة لمواجهة الضغوط.
ومن الأجهزة العصبية التى تنشط تلقائيا الجهاز العصبى السمبثاوى الذى يزيد من سرعة القلب وقوة انقباضه  واستهلاكه للأكسجين ويحدث انقباضاً فى الأوعية الدموية ويرفع ضغط الدم ويحول النشا (الجليكوجين) المختزن فى الكبد إلى سكر يتدفق فى الدم وتزداد قابلية الدم للتجلط للوقاية عند حدوث نزف ويزيد إفراز هرمون الكوريتزول من الغدة الكظرية فوق الكلية ليحلل الدهون فى الجسم وينقلها للدم كوقود ويزيد من معدلات تحويل البروتينات والدهون فى الكبد إلى سكر، كما يزيد إفراز الهرمونات التى تساعد على احتجاز الأملاح والماء فى الجسم لرفع ضغط الدم.
ويؤدى الاسترخاء وصفاء النفس والهدوء والتأمل إلى عكس ذلك تماما  مما يجنب المرء الكثير من المتاعب الصحية، يساعد على خفض ضغط الدم ونسبة الدهون فيه.
وقد لفتت الأبحاث النظر إلى أن الصفاء النفسى يؤدى إلى زيادة مواد معينة فى المخ تعرف بالمورفينات الداخلية وهى تثير إحساساً من الارتياح وتحمل الألم وتزيد من قدرة كرات الدم البيضاء المناعية على العمل مما يقلل من احتمالات العدوى والإصابة بالأمراض.
ولقد أحدث اكتشاف المورفينات الداخلية انقلاباً نوعياً فى الطب. فهى مواد كيميائية تفرزها خلايا عصبية معينة فى المخ لتنقل الثأثير إلى خلايا عصبية أخرى.  ولها مستقبلات خاصة فى جدران الخلايا العصبية. وعندما تتحد بها تحدث تأثيراً عميقا يفوق تأثير المورفين الخارجى. ويشمل هذا التأثير تسكين الألم والشعور بالارتياح، ولكن تأثيرها يمتد لفترة طويلة لأن هناك إنزيمات خاصة تقوم بتحليلها والتخلص منها.
وقد تحقق العلماء من أن تأثير تلك المواد يشمل تنشيط جهاز المناعة فى الجسم و علاج تلف الشرايين وخفض ضغط الدم والتخلص من المواد المؤكسدة التى تهاجم الأنسجة  وتسبب  الأمراض وتعجل بالشيخوخة.
هذا بالإضافة إلى الآثار النفسية الأخرى مثل رفع الروح المعنوية ومجابهة التوتر والاكتئاب وتسكين الألم والإحساس بالسعادة.
 فى الوقت نفسه تحمل تلك المورفينات رسالة إلى كرات الدم البيضاء المناعية لتنشطها وتدفعها إلى التكاثر ولإنتاج الأجسام المضادة ومجابهة الجراثيم والفيروسات.
 وكل ذلك لا يتحقق بتعاطى المورفين الخارجى الذى يبطل إنتاج المورفينات الداخلية ويفقدها فاعليتها ويجعل المرء محتاجا لتعاطى عقار من الخارج بكميات متزايدة مما يؤدى إلى الإدمان.
بينما تزيد المورفينات الداخلية بالتدريب على الاسترخاء والتأمل والصفاء الروحى كما يحدث فى الصيام.
من أجل ذلك أصبح العلاج بالصفاء النفسى والاسترخاء علاجاً مكملاً للعلاج الدوائى الطبى.
وبدت الحكمة فى الحديث النبوى الشريف «صوموا تصحوا» فالصوم الصحيح طريق إلى شفاء مريح.

 

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة