لأهل الفن ذكريات تربط بين فنهم وبين شهر رمضان ومن هذه الذكريات المؤلم ومنها الضاحك الباسم وهذه طائفة من تلك الذكريات يرويها اصحابها كما وقعت...
قالت لنا النجمة هدي سلطان:
كنت أقوم بدوري في فيلم «حميدو» وكان المشهد يجري بيني وبين فريد شوقي في البحر ثم تأتى عصابة تختطفني وتلقي بي بين أمواج البحر فأظل أكافح الموت والغرق حتي تأتي سفينة تنتشلني فأجد فيها بطل القصة «فريد شوقي» كان تصوير هذا المشهد يجري في شهر رمضان وكان اليوم قائظاً لافح الحرارة ومع هذا فقد رفضت أن افطر علي الرغم من الفتاوي التي تبرع بها كثير من الزملاء وكانت الحوادث تقتضي أن اظل استغيث وأنا أوشك علي الغرق فلا يستمع لاستغاثتي أحد وقد مثلت هذا المشهد عدة مرات «كبروفة» حتي اطمأن المخرج إلي أنني سأؤديه علي ما يجب وبدأ التصوير الحقيقي ومضي المشهد في طريقه المرسوم وأخذت أمثل الغرق وأرفع صوتي بالاستغاثة وفجأة شعرت بدوار شديد وصداع مؤلم وفي لحظات بدأت افقد قدرتي علي حفظ توازني وخارت قواي وأحسست بأني سأغرق فعلا أخذت استغيث بحرارة وأصرخ فزعا من الموت ولكن كل من كانوا علي المركب التي تحمل الكاميرا ظنوا الأمر تمثيلا متقنا ولكن لحسن حظي أن إنسانا واحدا أدرك حقيقة الموقف.. ذلك الإنسان هو «عسكري الإنقاذ» الذي كان إلي جانب المخرج نيازي مصطفي علي ظهر المركب لقد أدرك بخبرته الفنية أنني في خطر فأسرع لإنقاذي غير عابئ بصراخ المخرج وتهديده بإبلاغ الأمر لرؤسائه لأنه أفسد المشهد ولما عاد بي إلي المركب وعرف الزملاء الحقيقة ذعروا ووجموا أما نيازي فلم يزد علي أن قال «يعزيني أننا صورنا منظراً حقيقيا لا أثر للتمثيل فيه» أما أنا قد اضطررت للافطار امتثالا لأمر الطبيب الذي أصر علي أن أتجرع دواء منعشا يعيد إلي القلب نبضه الطبيعي.
الماكياج المفطر
وهذه الحادثة ترويها السيدة عقيلة راتب
كان المرحوم أنور وجدي شديد الحرص علي تأدية فريضة الصوم وكان لا يتخلي عن أدائها حتي في أيام العمل المرهقة ولكنه في الأعوام الأخيرة لم يكن يصوم عملا بمشورة الاطباء وكان يخجل من أن يظهر الافطار فكان يدعي الصوم وكنا جميعا نعرف هذا ونتظاهر بأننا مصدقون إنه صائم وفي أحد الأيام شعر أنور بعطش شديد أثناء قيامه بالعمل في الاستديو فنادي أحد مساعديه وهمس في أذنه بحديث لم نسمعه وبعد لحظات سمعنا المساعد يصيح «إيه ده يا أستاذ أنور أزاي تحط ماكياج وأنت صايم؟ أنت مش عارف أن الماكياج يفطر؟
وتظاهر أنور بالغضب وصاح في مساعده يقول: «طيب مش كنت تقول لي يا أخي من الأول كده فطرتني غصب عني؟ أمرى لله» ثم أمسك بكوب ماء وتجرعه حتي آخره ثم وضعه وهو يقول «استغفر الله العظيم» ولم يحاول أحد أن يقول لأنور أننا كلنا نضع الماكياج وأننا صائمون .. رحمة الله عليه.
بعد مدفع الرفع!
وروت لنا أمينة رزق هذه الحادثة... قالت:
اقترحت إحدي الزميلات أن نسلي صيامنا في أحد أشهر رمضان بطريقة رياضية مبتكرة وذلك بأن نخرج بالسيارات إلي الطريق الصحراوي حيث نستمتع بالهواء الطلق الجاف ثم نعود قبيل الافطار.
وفي أحد الأيام خرجنا بسيارتين وقطعنا مرحلة طويلة من الطريق وعندما هممنا بالعودة اكتشفنا أن السيارتين قد أصابهما عطب واضطررنا - نحن الزميلات الخمس - للوقوف إلي ما بعد غروب الشمس بساعة حتي مرت إحدي سيارات البترول وحملتنا إلي أول شارع الهرم ومن هناك ركبنا «تاكسيات» إلي بيوتنا حيث افطرنا ثم رجعنا إلي حيث تركنا سيارتينا وكان معنا من أصلحهما فلما عدنا إلي القاهرة سمعنا مدفع الامساك.
تهمة!
وهذه حادثة فكهة ترويها زينات صدقي:
كنت في أحد أيام شهر رمضان أمشي في شارع عماد الدين وقد سرح عقلي في شئون الدنيا وإذا بي انتبه علي صوت شاب يتبعني ويسمعني عبارات الغزل الرخيص الجارح وتمالكت أعصابي مرة ثم نصحته مرة ثم نهرته مرة .. وفي كل مرة يزداد سماجة.
وأخيراً أفلت زمام اعصابي فوجدت نفسي أنهال علي «الروميو» السمج ركلا بالاقدام وصفعا بالأقلام وزغدا «باللكاكيم» وصاح الشاب مستغيثا فتجمع الناس لإنقاذه ولما سألوني عن سبب ضربي له خجلت أن أذكر الحقيقة وقلت لهم إنه قليل الدين كان يأكل «الساندويتش» علنا في الطريق غير عابئ بشعور الصائمين.
وسرت همهمة بين الناس تخللتها اللعنات للشاب «الفاطر» ومضيت في طريقي بين نظرات إعجاب الناس بشجاعتي وغيرتي علي الدين .
أما الشاب فقد وقف مدهوشا ولم ينطق بكلمة ولا شك أنه حمد الله علي أنني لم أقل الحقيقة!
الكواكب 248- 1مايو 1956