الجمعة 27 سبتمبر 2024

«مصانع المليشيات والإرهاب» على الأرض الليبية

31-5-2017 | 11:05

بقلم : خالد عكاشة

من الممكن البدء في قصة (مصانع الموت) المتواجدة على الأراضي الليبية، من الجانب الغربي للمشهد العام، عندما اعتبرت صحيفة «الجارديان» البريطانية أن رئيسة الوزراء “تيريزا ماي”، لا تزال تخطئ فيما يتعلق بالإرهاب، إذ أنها أخطأت حينما كانت تعمل كوزيرة للداخلية عام ٢٠١١م، حيث لم تر حينها تهديدا محتملا من المتمردين المناهضين للقذافى فى ليبيا، كما أن التوجيه الذى أصدرته كرئيسة للوزراء بخفض عدد قوات الشرطة بسبب عجز الميزانية، يدل على أنها لا تزال ترتكب أخطاء فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب. أشارت الصحيفة فى تقريرها المنشور على موقعها الإلكترونى السبت الماضي تعليقا على حادث مانشستر الإرهابي، إلى قيام “سلمان العبيدى ـ ٢٢ عاما” وهو بريطانى المولد ليبى الأصل وموال لداعش، بتنفيذ هجوم مانشستر الأخير فى بريطانيا الذى راح ضحيته العشرات ما بين قتيل وجريح من بينهم أطفال.

واسترجعت الصحيفة قرار رئيس الوزراء البريطانى السابق “ديفيد كاميرون” بالمشاركة فى قصف ليبيا خلال الثورة الليبية ضد القذافى عام ٢٠١١، دون وضع خطة بديلة، وهو الذى ربما قد ساهم فى منح مساحة أكبر لعمل المتطرفين الارهابيين أمثال العبيدي. ولفتت الصحيفة إلى أن كاميرون والرئيس الفرنسي الأسبق “نيكولا ساركوزي» كان لديهما خطة لتحقيق الاستقرار هناك، إلا أنهما لم يضعا خطة بديلة لما يجب القيام به إذا فشلت خطتهما. ولم يكن يبدو أن الوزراء فى حكومة كاميرون آنذاك قلقون من أن سقوط ليبيا ربما يؤثر على نمو الجهادية العالمية والتهديد الإرهابى المحلي فى بريطانيا. وكشفت “الجارديان” أيضا عن أنه فى يناير ٢٠١٦، وفى شهادته التى أدلى بها أمام لجنة الشئون الخارجية فى مجلس اللوردات البريطاني، تم توجيه السؤال إلى وزير الدفاع البريطانى عام ٢٠١١ “ليام فوكس”، عما إذا كانت الحكومة قد أجرت تقييما حول أن هناك تهديدا بإمكانية وجود وتنامي التطرف والارهاب بين المتمردين المناهضين للقذافي.وأجاب فوكس «لا أتذكر قراءة أى شيء فى هذا السياق، هذا لا يعنى أنه لم يكن قد تم القيام به، ولكنى لا أتذكر قراءة هذه المواد، لا أذكر قراءة أى تقارير تحدد خلفية أى نشاط متطرف لأى مجموعات متمردة في ليبيا”.

وعلقت «الجارديان» بقولها «إنه فشل ذريع، لأنه وكما يوضح تقرير اللجنة، منذ فبراير ٢٠١١ انفصل المتمردون المتطرفون عن الميليشيات الثائرة الرئيسية، ورفضوا تلقى أوامر منها بل وقتلوا قائدها الرئيسي. وبحلول أكتوبر من نفس العام، كان الوضع قد أصبح خارج نطاق السيطرة” !!. ولفتت الصحيفة إلى أنه رغم قيام تيريزا ماى بعقد ٥٥ اجتماعا لمجلس الأمن الوطني حول ليبيا، في الفترة ما بين شهرى مارس ونوفمبر ٢٠١١، إلا أن تقرير “الدروس المستفادة» الذى قدمه مستشار الأمن القومى البريطاني، لم يقدم أى مساهمة من وزارة الداخلية فى قرارات تلك الهيئة، كما لم تقدم وزارة الداخلية أي ذكر للآثار المترتبة على الإرهاب المحلي. وأوضحت الصحيفة أنه تم الكشف حاليا عن أن “خدمة الأمن” البريطانية، كانت تسهل سفر الليبيين البريطانيين غير الجهاديين للقتال في طرابلس. ودعت الصحيفة الحكومة البريطانية في ختام التقرير، إلى ضرورة التعامل مع الفوضى التى برزت في الفترة الأخيرة، من خلال مطالبة رئيسة الوزراء البريطانية بإعادة التفكير بشكل أكثر استراتيجية فى موجة الهجمات الأخيرة، كما طالبت بضرورة أن تكون مذبحة مانشستر بمثابة جرس إنذار يفرض على بريطانيا تكثيف تعاون نشط مع الأجهزة الأمنية في جميع أنحاء أوربا.

بعد نشر هذا التقرير البريطاني الذي يكشف الدور المدمر الذي ارتكبته بريطانيا على الأراضي الليبية، وكيف ساهمت في استفحال ظاهرة التطرف والإرهاب على خلفية نشر مساحات واسعة من الفوضى المسلحة، بدأت بالمليشيات الثورية المسلحة التي تقاتل قوات القذافي «كما كانت تزعم»، وصولا إلى قتال مفتوح و(معسكرات موت) تنشر في كافة أركان الدولة الليبية.لذلك جاء إعلان القوات الجوية المصرية بتوجيه (٦ ضربات مركزة)، استهدفت معسكرات ومخازن ذخيرة ونقاط تجميع للمقاتلين تابعين لما يسمى بـ (مجلس شورى مجاهدى درنة الليبية)، وهو تجمع لعدد من الميليشيات الإرهابية التى تحمل أيديولوجيا متطرفة، وتنادى بتطبيق الشريعة الإسلامية فى ليبيا، ومرتبطة كذلك بتنظيم القاعدة الإرهابى.والميليشيات الإرهابية التي تأسس منها مجلس شورى مجاهدى درنة، هى (تنظيم أنصار الشريعة) في ليبيا والمصنف كتنظيم إرهابي من قبل مجلس الأمن منذ نوفمبر عام ٢٠١٤، وكذلك (جيش الإسلام) و(كتيبة شهداء أبو سويلم).مؤسس الجماعة هو “سالم دربى” الذى انتمى سابقا إلى الجماعة الإسلامية المقاتلة والتى تبنت أيديولوجية عنيفة، وقامت بعدد من العمليات الإرهابية فى ليبيا خلال التسعينات. إذ كان عدد كبير منهم قد شارك في الحرب الأفغانية السوفيتية، وعادوا بعدها إلى ليبيا، وعرفوا باسم، «الأفغان الليبيين».ومنذ عام ١٩٩٦ ونظام القذافى يطارد “سالم دربى” إلا أنه استطاع الاختفاء فى الكهوف لفترة طويلة، قبل أن يعود ليعلن توبته في ٢٠٠٦ وتراجعه عن أفكاره. لكنه وبعد الثورة الليبية ضد القذافى تراجع عن هذه التوبة، وعاد لتبنى الأفكار الإرهابية، قبل أن يؤسس (كتيبة شهداء أبو سليم) وفيما بعد انضوت تحتها عدد من الميليشيات لتؤسس (مجلس شورى مجاهدى درنة) وتبايع تنظيم القاعدة. وقام هذا المجلس بانشاء (٣ معسكرات لتدريب المقاتلين) في المنطقة الواقعة جنوب مدينة درنة وهي من المعسكرات التي تم استهدافها، من قبل القوات الجوية المصرية في ضربتها الأخيرة. وخلال سيطرة مجلس شورى المجاهدين على مدينة درنة الليبية، التى عرفت بعاصمة المتطرفين والإرهابيين، شددعلى المدينة وعلى الأهالى وفرضت عليهم تعاليم صارمة، حيث بدأت فى تنفيذ حدود الجلد على المدخنين، والمتخلفين عن صلاة الجماعة، ومنع خروج النساء من البيوت، قبل أن يحدث انشقاق فى داخل التنظيم إذ بايع عدد منهم تنظيم “داعش” الإرهابى، وهو ما أدى لاندلاع حرب داخلية بين المبايعين لداعش والمبايعين لتنظيم القاعدة انتهت بمقتل “سالم دربي» في يونيو ٢٠١٥، واستيلاء تنظيم «داعش» على عدد من معسكرات التدريب السابق ذكرها بل وإنشاء معسكرين آخرين في ذات المنطقة، وتدعيمهما بالسلاح والذخائر كي يمكنها فرض سيطرتها وسط المليشيات الأخرى على المنطقة الشرقية بليبيا، فضلا عن بدء استهدافها لاختراق الحدود المصرية القريبة منها ومن ثم تنفيذ عمليات بالداخل المصري.

في فصل آخر من توابع الغارات الجوية المصرية على تلك المناطق التي أشير إليها في البيان العسكري المصري، أعلنت صفحات تابعة للجماعات الإرهابية مقتل القيادي الإرهابي المدعو (عبد المنعم سالم) الملقب بــ “أبو طلحة” القيادي في (مجلس شورى مجاهدي درنة)، واعترفت الصفحات الإرهابية على مواقع التواصل الاجتماعي أن الإرهابي الملقب بــ”أبو طلحة” قتل هو وأربعة من أتباعه، بالقرب من مدينة “درنة”يوم الجمعة الماضية جراء استهداف أحد المقرات الموجودة بمعسكر تدريب تابع للجماعات الإرهابية، حيث نفذت الضربات من قبل مقاتلات سلاح الجو المصري والليبي. “أبو طلحة”يعد أحد قيادات تنظيم القاعدة القدامى وعضو سابق في الجماعة المقاتلة، وسجين سابق في سجن أبو سليم، وأحد المتهمين بتفجير القبة عام ٢٠١٤ والذي قتل فيه ١٢٧ مدنيا قبل أن يحول ولاءه مؤخرا لتنظيم «داعش». تم نقل جثة الإرهابي المدعو (عبد المنعم سالم) إلى مستشفى الهريش وسط حراسة مشددة من عناصر (كتيبة أبو سليم)، وأفادت بعدها بيانات التنظيمات الارهابية التي تبث لأتباعها أن القوات الجوية المصرية استهدفت (٦ مواقع) في شرق درنة، يضم اثنان منها مراكز تدريب منشأة حديثة لخدمة العناصر التي أعلنت ولاءها لداعش، ودمرت الطلعات الجوية أيضا المركز الرئيس لـ”مركز شورى مجاهدي درنة” بشكل كامل.

في الوقت الراهن لا يمكن اغفال أن ليبيا أصبحت مؤخرا مقصدا لأبناء تنظيم «داعش»، وذلك بسبب تعرض التنظيم لخسائر كبيرة في كل من سوريا والعراق. كما يقوم التنظيم بتشجيع عناصره الذين يريدون الانضمام إليه من خارج سوريا والعراق،لأن ينضموا إلى داعش في ليبيا، مما قد يعطي استنتاجا منطقيا أن ليبيا هي محور خطة التنظيم القادمة في حال خسارته الموصل والرقة بالعراق وسوريا. ربما حتى الآن لا توجد إحصائيات متفق عليها تدل على الرقم الحقيقي لمقاتلي “داعش” في ليبيا، حيث تذكر تقارير الأمم المتحدة أن عدد الذين يقاتلون تحت راية التنظيم يتراوح بين ألفين إلى ٣ آلاف مقاتل، في حين أن المصادر الفرنسية تصل بالرقم إلى ما يقارب ١٠ آلاف مقاتل لدى التنظيم في ليبيا وحدها، بينما الولايات المتحدة تقدر عناصر تنظيم داعش الذين انضموا إلى التنظيم من الداخل الليبي والقادمين من الخارج إلى نحو ٦ آلاف مقاتل. لكن كافة هذه المصادر أجمعت على أن تنظيم “داعش” في ليبيا يقوم بتجنيد مرتزقة من دول تشاد والسودان ومالي، مقابل أن يحصل المقاتل على نحو (١٠٠٠ دولار) شهريا كمصروف شخصي غير مكافآت إضافية للعمليات الخاصة.