الأربعاء 29 مايو 2024

خطاب الرئيس وداعش وأمريكا ونحن !

31-5-2017 | 11:11

بقلم –  ثروت الخرباوى

نستطيع أن نضع فى تلك الصفحة مقالا قديما يتحدث عن الإرهاب واستهداف الأقباط والمحاولات المستمرة لإسقاط مصر، فلا جديد تحت الشمس، الجديد هو الأعداد المتزايدة من الشهداء من ضحايا معركة مصر ضد الإرهاب، والنعوش والجنازات الجديدة، وأثق أننا إذا وضعنا مقالا قديما فلن يلحظ أحدٌ الفارق، فما كان بالأمس هو الحادث اليوم! ومع ذلك فإن هناك جديدا، والجديد هو مواجهة مصر للإرهاب خارج البلاد، وأشياء أخرى كثيرة.

 

ولذلك فإننى سأنعش ذاكرتنا بما كتبناه بالأمس، وسأربطه بالحادث اليوم، وما بين الأمس واليوم سنجد فى الصورة أمريكا، وبريطانيا، وقطر والتمويل، وتركيا بلد الملاذ الآمن، والسودان وليبيا والمعسكرات التى على أرضهما، وداعش والإخوان، أما الجديد فهو خطاب الرئيس فى القمة الإسلامية الأمريكية، ولست وحدى الذى يعتبر هذا الخطاب واحد من أقوى خطابات الرئيس منذ أن تولى حكم مصر، وكان من قوة هذا الخطاب أن أشار الرئيس فيه إلى القوى الراعية للإرهاب، وكانت هذه القوى تجلس فى القمة وتستمع لخطابه، وكان بعضها غائبا ولكنه كان يستمع للخطاب، تميم والبشير وأردوغان، ومن بعيد كان قادة المخابرات البريطانية يتابعون، فهم المحركون الرئيسيون للأحداث، ومعهم بالطبع المخابرات الأمريكية، ولا يغيب عنا أن الإدارة السياسية لأمريكا قد تسير فى مسار، وفى ذات الوقت تسير الإدارة المخابراتية فى مسار آخر، وقد تقترب المسارات، وقد تتباعد إلا أن الكلمة العليا ستكون حتما لدولة «المخابرات المتحدة الأمريكية».

وسنرى فى الصورة الجديدة أمرا لم يحدث فى مصر منذ أكثر من خمسة وأربعين عاما، هذا الأمر هو الضربات الجوية التى تم توجيهها لقواعد الإرهاب ومعسكراتهم فى ليبيا، وقد أحدثت تلك الضربات وجيعة كبرى لهم، ليعلموا أننا إذا تألمنا سنؤلمهم، وإذا أوجعونا سنوجعهم، ولكن الأكثر من الألم هو أننا بهذه الضربات نقضى على أوكارهم وقوتهم، ونرسل رسالة لمعسكراتهم الأخرى فى السودان مفادها أن الضربة القادمة قد تكون من نصيبكم، إلا أن الأكثر وضوحا هو خطاب الرئيس بعد الفعل الإرهابى الشيطانى الذى استهدف مصريين مسيحيين، ولم يفرق هذه الاستهداف المفجع بين كبير وصغير، رجل وامرأة، وقد دميت قلوبنا ونحن نرى الأطفال الصغار الأبرياء وقد أعمل الشيطان قتله فيهم، ومع ذلك فإن الرد كان عمليا، وليس إنشائيا أو بكائيا، ففى الوقت الذى كان الرئيس يتحدث فيه للأمة كان سلاح الطيران يوجه ضرباته لمعسكرات الإرهاب فى ليبيا، وهو أمر مشابه لخطاب الزعيم عبد الناصر وقت تأميم قناة السويس، فحينما كان يخطب ويقول «تأميم قناة السويس شركة مساهمة مصرية» كانت الإدارة المصرية تحاصر الشركة الأجنبية وتتسلم منهم إدارة القناة رغما عن أنوفهم.

وفى خطاب الرئيس أشار إلى السودان تلميحا، فكانت فقرته التى قال فيها «مصر لا تتآمر على أحد ولا نعمل فى الخفاء» وما قاله الرئيس عن أننا لا نتآمر على أحد هو القول الثانى له فى هذا الصدد، إذ سبق وقال ذلك منذ أيام ردا على ترهات وسخافات قالها الرئيس السودانى الإخوانى عمر البشير من أن مصر تتآمر على السودان، ورد الرئيس السيسى عليه لم يكن رسالة للبشير، فالبشير لا يعنينا فى كثير أو قليل، ولكنه كان موجها للشعب السودانى الشقيق الذى يشكل بالنسبة لنا الإقليم الجنوبي، ونحن له إقليمه الشمالي، وهذا عمق ضارب فى جذور التاريخ لا يستطيع أحد أن يزعزعه أو يعبث فيه.

وكانت داعش لها نصيبها فى خطاب الرئيس، فقد أشار لها صراحة ونبه الناس إلى استراتيجية الدواعش الرامية إلى إسقاط مصر، وأن وسيلتهم فى ذلك هو إحداث فتنة فى البلاد، يترتب عليها حالة فوضى، وهم أساتذة فى استغلال الفتن لصالحهم، وما قاله الرئيس عن داعش ووسائلهم ليس من عنديات الحكومة المصرية، ولا هو تكئة يتساند عليها النظام المصرى لتبرير توالى العمليات الإرهابية الموجهة إلى المسيحيين المصريين، ولكن مسألة إسقاط مصر واستهداف الأقباط هى الاستراتيجية التى أعلنت عنها داعش منذ شهر أو أكثر، وقالت فيها أن إسقاط مصر لن يتم إلا إذا تم استهداف «النصارى»! «وإذا استطعنا إسقاط مصر نستطيع السيطرة على العالم كله» ولا أظن أن أحدا منا قرأ هذه الاستراتيجية أو اهتم بها أو تابعها، أو ضعها تحت منظار التحليل!.

إلا أن اللافت للنظر فى خطاب الرئيس هو توجيهه رسالة للرئيس الأمريكى بأنه يثق فى أن «الرئيس الأمريكى سيقود العالم المحب للسلام لمواجهة الإرهاب»، وحين استمعت لهذا الجزء من خطاب الرئيس أدركت أن طائفة المشككين الأغبياء سيتحركون صوب تلك الفقرة ويثيرون بها حالة من البلبلة، وسيقولون أن مصر أصبحت «تابعة لأمريكا» وأنها تطلب منها أن تأتى إلى مصر لتقود عمليات مواجهة الإرهاب بدلا منا، وسيطرقون بكل قوة على تلك المعانى ليصيبوا الشارع المصرى بحالة من البلبلة، رغم أن المعنى واضحا من تلك الفقرة من الخطاب، فالرئيس السيسى يقول لدونالد ترامب بلا مواربة «كن عند وعدك الذى وعدت بأنك ستقود بقوة دوليتك العالم كله لمواجهة الإرهاب، نفِّذ ما قلت أيها الرئيس الأمريكي، افعل ما وعدت» وهذا المعنى مستفاد من تلك الفقرة، بحيث يستطيع أن يفهمها رجل الشارع العادي، وقد فهمها، ولكن الذين فى قلوبهم مرض سيلوون المعاني، وقد فعلوا، وسيملأون الدنيا صخبا، وقد فعلوا، إلا أن صخبهم لم يسمعه أحد. والحقيقة أننى ما رأيت أمة فقد قادة الرأى فيها رشدهم فى اللحظات التاريخية كما رأيت قادة الرأى فى مصر، فهم يتخبطون ويثيرون الفتن، ويُشككون، ويُحبطون، ويبحثون عن مصالحهم فقط لا غير، ستجد قطاعا كبيرا من الناصريين يفعل هذا، وستجد قطاعا أكبر من الشيوعيين يمارس ذلك، وستجد معهم دوائر لا يستهان بها من العلمانيين والليبراليين، ويبدو أننا نُكبنا منذ أجيال قريبة مضت بقادة الرأى فى مصر، أولئك الذين غابت عقولهم، أو ظهرت مصالحهم، فذهبوا إلى فندق الفيرمونت لمبايعة الإرهابى محمد مرسي، وكل واحد منهم كان يُمنِّى نفسه بوزارة، أو محافظة، أو مؤسسة صحفية، أو جامعة يترأسها، أو دار كتب يقعد على قمتها، أو مكتبة الأسكندرية يتقلد أمورها، فباعوا مصر بيعا رخيصا وكانوا فيها من الزاهدين!.

قادة الرأى هؤلاء هم أنفسهم الذين ما فتئوا يسخرون ويُحبطون ويشككون فى كل شيء، وهم الذين خرج بعضهم فقال بعد الضربات الجوية التى وجهناها لمعسكرات الإرهاب إنها لم تُحدث أى أثر، وبعضهم قال إنها مُخالفة للدستور! وكأننا لكى نوجه ضربة جوية مفاجأة لمعسكرات الإرهاب يجب أن ندعو البرلمان للانعقاد، ثم نعرض عليهم الأمر، ثم ننتظر موافقة الثلثين، ثم نعقد اجتماعا لمجلس الدفاع الوطني، فيكون الإرهابيون قد جمعوا متاعهم وأسلحتهم وأخذوا حذرهم وهربوا قبل الضربة الجوية! ولكن ماذا تقول فى أصحاب الأغراض؟ وكما يقولون «الغرض مرض»!.

ليس هذا جلدا للذات، وليس توبيخا لقادة الرأى عندنا بقدر ما هو تشخيصا لواقعنا، إلا أن الصورة فى مجملها ليست قاتمة، ذلك أن قطاعا لا يستهان به من الناصريين والقوميين من أصحاب الرشد السياسى استطاعوا قراءة الأحداث بمنظور وطنى خالص، ومن هؤلاء الكاتب الناصرى الكبير الأستاذ أحمد رفعت الذى كتب تعليقا على الضربة الجوية قائلا: «قرار الرئيس السيسى بقصف معسكرات الإرهاب التى تحتل الشقيقة ليبيا لم يكن فقط من أجل الثأر المباشر والفورى لشهداء المنيا ولا للانتقام لدماء الأطفال الأبرياء ولا لاستمرار الخطر على مصر من معسكرات ممتدة إلى الغرب الليبي، إنما وفضلًا عن كل ذلك كان القرار لهدف أهم وهو التعجيل بعمل يعيد على الفور وحدة المصريين، ويوحد صفهم فى فعل جماعى واحد ليبطل الهدف الأساسى ليس من جريمة المنيا فقط، وإنما من استهداف مصر كلها من الإرهاب ومن مخطط تمزيقها المستمر منذ سنوات طويلة..فما بالكم أن كان هذا العمل الفورى الذى سيوحد المصريين هو عمل عسكرى ومسلح تقوم به قواتنا المسلحة وجيشنا العظيم، وأن يكون ضد أوكار للشر والإجرام تشيع الرعب والإرهاب فى العالم كله خصوصا من تونس إلى مصر، وبينهما شعب أسير يعيش تحت رحمة عصابة دولية لا تعرف عن الإسلام شيئا ولا عن الإنسانية أى شيء»!.

ومع أحمد رفعت كتب الناصرى المثقف الكبير الدكتور صفوت حاتم مهاجما «المشكيين والشمتانين والمحُبِطين» وكان أدق ما قرأت من أبناء التيار الناصرى ما كتبه المحامى والكاتب الكبير الأستاذ خالد الكيلاني، وأحب أن أنقل ما كتبه هنا فى تلك المساحة لننقل ما كتبه فى تحليل خطاب الرئيس من نطاق صفحته «الفيسبوكية» لتكون فى متناول كل القراء فى العالم العربي، وهاهو ما كتبه الكيلانى الناصري.

(كانت أهم النقاط التى جاءت فى خطاب الرئيس السيسي: ـ أنه كان يتوقع بعد طرد مقاتلى داعش من مدينة حلب السورية، ومحاصرتهم فى الرقة، وطردهم بعدها من الموصل، أن يتوجه هؤلاء الإرهابيون إلى سيناء وليبيا، وأنه حذر القيادات العسكرية والأمنية من هذا الأمر، وطالبهم باتخاذ الاحتياطات اللازمة لذلك.

- أن سقوط مصر فى يد الإرهاب هى الثمرة التى تسعى إليها التنظيمات الإرهابية المتأسلمة - ومن ورائها جماعة الإخوان الإرهابية الحاضن والمنظم والممول لتلك الميليشيات - بما يحمله سقوط مصر من سقوط كامل للوطن العربى والشرق الأوسط، بل وسقوط العالم كله رهينة لدى التنظيم الدولى للإخوان، وهو الهدف الذى أنفقت من أجله مئات المليارات من الدولارات على مدى الأعوام الماضية، والذى عملت من أجله دول وأنظمة بالكامل منذ يناير ٢٠١١ حتى الآن.

- أن استهداف المسيحيين فى مصر مسألة ممنهجة، لتكريس شعورهم بالاضطهاد وتأليبهم ضد الدولة التى تعجز عن حمايتهم، وهو ما يمهد لتدخل أجنبى «أمريكى أو أوروبي» لحماية الأقلية المضطهدة دينيًا، وهو أمر تساعد فيه للأسف قلة قليلة من الأبواق المسيحية المارقة فى الخارج والداخل، التى لا تكف عقب كل حادث عن الولولة من التقاعس الأمنى الذى يجعلهم عرضة دائمة لهجمات الإرهابيين، ورغم تقديرنا لقلوب إخوتنا المسيحيين المكلومة جراء تلك الحوادث، إلا أننا نعتب عليهم انجرارهم وراء تلك الأبواق، والتغريد بعيدًا عن توجهات الكنيسة الوطنية المصرية.

- أن الهدف الرئيسى لمؤامرات التنظيم الدولى الإرهابى للإخوان والدول الداعمة له ليس المسيحيون أنفسهم، ولكنه الدولة المصرية نفسها، فلا هم يستطيعون قتل حوالى أكثر من ١٥ مليون مسيحى مصري، ولا يمكنهم تهجيرهم لإقامة دولة خالية من المسييحين، وهم يعلمون ذلك جيدًا.

- وأكد الرئيس فى خطابه على أن مصر وقواتها المسلحة قادرون على الرد بعنف - فى الداخل والخارج - على هذه العصابات المتأسلمة، وأن قواتنا «إيدها طايلة» وتستطيع الوصول لأى مكان، من الخليج العربى حتى غرب ليبيا وأواسط إفريقيا.

 - أن الخطر الذى يمثله الوضع فى ليبيا على الداخل المصرى هو الخطر الأكبر، خاصة وأن حدودنا الغربية تمتد مع ليبيا لمسافة تزيد على ١٥٠٠ كيلومتر، مع وجود أوضاع غير مستقرة فى دول منطقة الساحل الإفريقيا «تشاد والنيجر ونيجيريا» بالإضافة لمخاطر حدودنا الجنوبية فى السودان، بعد أن ثبت ضلوع النظام الحاكم هناك فى المؤامرة على مصر نتيجة للضغوط السياسة والاقتصادية التى يعانيها، والضغوط العسكرية المتمثلة فى إقليم دارفور، تلك الضغوط التى تجعله يحاول الهروب للأمام، تجعل المخاطر تحيط بنا من الجهات الثلاث، ولكن تظل الجبهة الليبية هى الأخطر على الإطلاق بسبب حدود ليبيا المفتوحة مع أربعة دول إفريقية فى الجنوب، وتفكك جيشها بعد الإطاحة بنظام القذافي، وتآمر المجتمع الدولى على ما تبقى من الجيش تحت قيادة المشير حفتر بمنع توريد السلاح له، تمهيدًا لتقسيم ليبيا إلى ٣ دول، هذا الخطر هو الذى يجب أن يشغلنا عن أى خطر أخر، وقد أعلن الرئيس أنه قد تم تدمير ألف سيارة دفع رباعى بتجهيزاتها من مدافع وذخائر وأسلحة، بما يعادل حوالى مليار دولار، خلال الفترة الماضية، منهم ٣٠٠ سيارة فى ٣ شهور فقط.

 - وأكد الرئيس على إستراتيجية مصر فى مكافحة الإرهاب بكل قوة، والتى كررها أكثر من مرة كانت آخرها فى خطابه - الأقوى منذ توليه مقاليد الحكم - أمام القمة العربية الإسلامية الأمريكية التى انعقدت فى الرياض الأسبوع الماضي، والذى أدان فيه علنًا الدول الراعية والداعمة والممولة للإرهاب، ورفض فيه التصنيف الذى تعتمده أمريكا وبعض الدول الأوروبية والعربية للمنظمات الإرهابية بين معارضة مسلحة ومعارضة إرهابية، معتبرًا أن كل الإرهاب سواء، وهو الخطاب الذى اعتمده مجلس الأمن مؤخرا، واعتبره منهاج عمل فى مكافحة الإرهاب.

- وأخيرًا خاطب الرئيس السيسى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، ليذكره بتعهداته أثناء حملته الانتخابية، وتعهداته شخصيًا للرئيس السيسى فى واشنطن الشهر الماضي، على أن الولايات المتحدة عازمة - وبكل قوة - على مواجهة الإرهاب بكافة أنواعه، والتراجع عن مواقف الإدارة الأمريكية السابقة بدعم توجهات سياسية معينة تجعل الإرهاب المتدثر بالدين ستارًا لها ويطالبه وهذا هو الأهم، بمعاقبة الدول الراعية للإرهاب، والتى أشار إليها الرئيس فى خطابه بالرياض وخاصة دولتى تركيا وقطر.

 وعلى عكس ما ذهب بعض المحللين، فالرئيس لم يطلب الاحتماء بأمريكا، بل لم يطلب حتى المساعدة منها، ولكنه كان فقط يضع الرئيس دونالد ترامب والإدارة الأمريكية الجديدة أمام مسئولياتها، ويحذرها بشكل خفى من الاستمرار فى السياسات الأمريكية السابقة التى تجرى فى منطقة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠٠٣ حتى انتخاب ترامب.

وما لم يقله الرئيس فى خطابه هذه المرة، ولكنه كان مفهومًا بشكل ضمني، أن ماحدث اليوم فى المنيا، وما حدث فى «أحد الشعانين» فى طنطا والإسكندرية هو نتيجة مباشرة لهزيمة الجماعات الإرهابية فى سيناء، بعد الضربات الناجحة التى قام بها الجيش المصرى فى منطقة جبل الحلال، والتى نجح عنها ما يشبه التطهير التام لتلك المنطقة من جذور الإرهاب).

كان هذا تحليل واحد من كبار الكتاب الناصريين، وقد أشرتُ إلى ناصريته رغم أنه يرفض إثارة التوجهات السياسية فى تلك الفترة، ويقول دائما «أنا مصرى قبل أى شيء»، ولكننى آثرت أن أشير إلى توجهه السياسى لننصف بعض القادة الذين ينتمون إلى تيار «أتلفه الهوى» ولعلنا سنعطى أيضا كثيرا من الإنصاف لقادة حزب التجمع، وبعض رموزه الذين انحازوا للمشروع الوطنى المصرى بغض النظر عن توجهاتهم السياسية.

كان هذا عن خطاب الرئيس، ولكننا لم نتكلم بعد عن داعش، فهى القاسم المشترك فى كل الأحداث الماضية، وهى صنيعة أمريكا بشكل حقيقي، وهى التى تم تمويلها من قطر، وتدريبها فى ليبيا والسودان، ودعمها من تركيا، وحمايتها من أمريكا، حتى ولو ادعوا جميعا أنهم ضدها، ولكن آثارهم واضحة تمام الوضوح على جبين داعش، وكأنها المسيخ الدجال، وكأنهم سحرة فرعون، والأهم من هذا هو الصلات التى تجمع كل جماعات الإرهاب المتأسلمة فى العالم، فحين كان الظن فى السابق أن تلك الجماعات هى دوائر منفصلة لا علاقة لأى منها بالأخرى، وحين كنا نعتقد أن تلك الجماعات تتنافس فيما بينها وتعادى بعضها البعض، إذا بنا عند التجربة نعرف أنهم عبارة عن دوائر متصلة لا منفصلة، وكل دائرة تؤدى إلى الآخرة، وأن المنافسات والعداءات القديمة كانت مجرد «تعمية» عن تواصلهم، وتدليسا على الدنيا ومن فيها، ولكننى بعد تجربة طويلة أستطيع القول إن كلهم واحد، التبليغ والدعوة تؤدى إلى السلفية أو الإخوانية، والسلفية تقود إلى السلفية الجهادية، أو جماعات الجهاد، أو الجماعة الإسلامية، أو القاعدة، أو تنظيم بيت المقدس، والإخوانية تقود إلى كل هؤلاء وإلى الدواعش، حيث ثبت مؤخرا انضمام أكثر من ثلاثة آلاف شاب إخوانى إلى تنظيم داعش. المهم أننا فى الفترات الأخيرة نواجه داعش التى هى دولة الخلافة فى العراق والشام، وانضم إليها تنظيم ولاية سيناء، الأخير تم تشكيله بعد سقوط الإخوان من حكم مصر وضم عدد لا يستهان به من شباب الإخوان من العريش والصعيد والأسكندرية وبعض مراكز الوجه البحري.

ولكن ما هى قصة داعش الذى امتد نفوذه إلى كثير من البلاد واستطاع ضم آلاف الشباب إليه عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟ ومن هو أبو بكر البغدادى أمير هذا التنظيم الذى صرَّح القرضاوى بأنه كان من شباب الإخوان فى العراق؟!. أما أمير التنظيم أبو بكر البغدادى فاسمه الحقيقى هو إبراهيم عواد البدري، وقد كان مسقط رأسه فى سامراء العراق عام ١٩٧١، وسامراء هى مدينة تقع على الضفة الشرقية من نهر دجلة، فى محافظة صلاح الدين العراقية، وقد التحق البغدادى فى مقتبل حياته بكلية الشريعة بجامعة بغداد، وتخصص علوم القرآن، وفى تلك الفترة كان قد قرأ عن الإخوان وحسن البنا وسيد قطب فأصبح متيما بهم، واعتبر نفسه إبنا من أبناء الإخوان، إلا أنه لم يستطع الوصول إلى أحدٍ من هذا التنظيم بسبب التضييقات الأمنية التى كان يمارسها نظام صدام على تلك الجماعات، وبعد أن حصل على شهادته أصبح إماما لأحد المساجد فى العراق، ومن بعدها واصل دراساته حتى حصل على الدكتوراه.

إلا أن لحظات فارقة فى تاريخ البغدادى حينما توسط العشرينات من عمره، إذ وقتها تقابل مع محمد حردان أحد قيادات تنظيم الإخوان فى العراق والذى كان يتحرك فى العراق من أجل توسيع دوائر الإخوان، وتأثر البغدادى بحردان تأثرا كبيرا، وأصبح مثله الأعلى خاصة عندما ترك حردان العراق وذهب لأفغانستان للجهاد هناك، وقتئذ أصبح البغدادى مسئولا عن إخوان مدينة سامراء، ويحكى بعضهم عن أن البغدادى أصابه الملل من طريقة الإخوان التى تميل إلى التدرج والبطء وهم يخططون للوصول إلى الحكم، فآمن أن طريق السلاح هو طريقه، وبعد سقوط صدان وجتياح أمريكا للعراق قاد البغدادى فصائل مسلحة ضد الجيش الأمريكي، ولكن تلك الفصائل لم يكن لها أى قوة تذكر، فقط أدت إلى قيام الجيش الأمريكى بالقبض على البغدادى ووضعه فى سجن اسمه «بوكا» وهو أحد السجون التى أقامتها أمريكا فى العراق لحبس المجاهدين، ولكن أغرب شيء حدث بعد ذلك هو أن أمريكا قامت بالإفراج عن البغدادي، أطلقت سراحه من سجونها، ولك أن تضع بعد ذلك ما تشاء من علامات التعجب، ذلك أن البغدادى بعد أن تم إطلاق سراحه انضم لمجلس شورى المجاهدين فى العراق، ثم انشق عنه، إلا أنه خرج منه بمجموعة من التابعين، وكانت الفكرة التى سيطرت عليه وقتها هى أنه يجب أن يتم تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم، سنى وكردى وشيعي، وبعدها انضم للقاعدة وأصبح «المسئول الشرعي» للقاعدة، وفى تلك الفترة اعتمد عليه ابو عمر البغدادى وابو حمزة المهاجر المصري، ليتولى بعد ذلك قيادة هذا التنظيم فى العراق، ثم فى غضون سقوط الإخوان من حكم مصر إذا به يعلن قيام تنظيم دولة الخلافة الإسلامية فى العراق والشام «داعش» ثم أدخل تنظيمه فى المشاركة فى العمل المسلح الإرهابى فى سوريا، ثم فى ليبيا، وأثناء ذلك كله انضم إليه عددٌ كبيرٌ من شباب الإخوان من مصر، وأصبح لقبه الرسمى الخليفة أبو بكر البغدادي، وأصبح اسم تنظيمه مؤخرا «الدولة الإسلامية» وفى كل مراحله لم يكن للإسلام أى علاقة بما يفعله البغدادي، ولكن ابحث عن أولئك الذين أفرجوا عنه من سجون أمريكا لينطلق إلى طريق الشر فى العالم كله، وكأنه كان البديل الجاهز لأسامة بن لادن، فحينما تم الإطاحة بابن لادن من رقعة الشطرنج، كان يجب أن يدخل مكانه بيدق آخر ليقود مجموعة من العساكر يثيرون الإرهاب فى المنطقة، لكى تربح أمريكا وبريطانيا من هذه التجارة الرائجة، ولكن مصر ستفسد عليهم بضاعتهم، ولكن هل سيفهم الكثرة الغالبة من النشطاء عندنا وأغلبية قادة الرأى فى بلادنا؟ لا أظن!.