الجمعة 26 ابريل 2024

إبراهيم حجاج.. أول من استخدم القانون مع الأوركسترا

مقالات15-10-2021 | 22:33

احتل مؤلف الموسيقى المصرى إبراهيم حجاج (1916 -1987) مكانة متميزة فى الحياة الموسيقية المصرية والعربية، بما قدمه من مؤلفات موسيقية فى مجالات متنوعة، سواء فى الموسيقا التى ألفها للأفلام الروائية المصرية أو للعروض المسرحية أو للأعمال التليفزيونية والإذاعية، كما أن له الكثير من المؤلفات الموسيقية البحتة، بالإضافة إلى قيامه بالتوزيع الموسيقى لألحان غيره من الملحنين المصريين.

 

ولد إبراهيم حجاج فى حى بولاق بالقاهرة فى الرابع عشر من أبريل عام 1916، احب الموسيقا منذ الصغر، وكان فى طفولته يجمع الزجاجات ويضعها بجوار بعضها ثم ينقر عليها بالملعقة، وكان يشعر بسعادة كبيرة عند سماعه الأصوات الصادرة عنها، كما كانت تمر بالقرب من بيته فرقة الكشافة النوبية فتبهره بعزفها، وكثيرا ما كان يضيع فى الشوارع، عندما كان يسير وراء تلك الفرق من فرط إعجابه بما كانت تعزفه، وقد كان أهله يلاقون الأمرين عدة مرات فى العثور عليه فى أحد أقسام الشرطة، أو فى بيت احد الغرباء، عن طريق (المنادى) الذى كان تستأجر لهذا الغرض.

 

فى عام 1930 إلتحق إبراهيم حجاج بمعهد فؤاد الأول للموسيقا العربية، وكان عمره آنذاك أربعة عشر عاما حيث درس فى قسم الموسيقا العربية بالمعهد، فتعلم عزف آلة الكمان على الأستاذ الأرمينى (أرميناك)، كما درس علوم الموسيقا على الأستاذ اليونانى (كوستاكى)، وبالإضافة إلى ذلك فقد تلقى إبراهيم حجاج دروسا خاصة فى الكتابة للأوركسترا على الأستاذ الإيطالى (كانتونى) الذى كان فى ذلك الوقت مديرا لدار أوبرا القاهرة (القديمة)، وكذلك فقد تلقى دروسا فى علوم الموسيقا العربية على الأستاذ (صفر على)، ودرس الموشحات على الأستاذ (درويش الحريرى)الذى كان حجة فى هذا المجال، ويرجع لهؤلاء الخمسة الفضل فى تكوين شخصية إبراهيم حجاج الموسيقية.

 

وفى معهد فؤاد الأول للموسيقا العربية – حيث كان حجاج يدرس – تكونت فرقة موسيقية ضمت آلات الموسيقا العربية والغربية معا، تحت قيادة الأستاذ(كانتونى)، حيث كانت الفرقة تضم آلات الناى والقانون والعود إلى جانب آلات الفلوت والأوبوا والكلارينيت والساكسفون والوتريات، وكانت تلك الفرقة تقدم فى حفلات المعهد مقطوعات لبعض الموسيقيين الأحياء فى ذلك الوقت، وكان الأستاذ (كانتونى) يقوم بتوزيعها موسيقيا. وكان يتنبأ لإبراهيم حجاج بمستقبل باهر فى عالم الموسيقا، وتقديرا له فقد أهداه المدونات الموسيقية للمقطوعات التى قام بتوزيعها مكتوبة بخط يده.

 

وأثناء إنعقاد المؤتمر الدولى للموسيقا العربية عام 1932، أتيح لإبراهيم حجاج أن يستمع إلى العديد من الفرق الموسيقية الزائرة، كما انه إستمع إلى(ام كلثوم)لأول مرة فى حفلات ذلك المؤتمر، ثم تعرف عليها فيما بعد عندما قامت ببطولة فيلم (عايدة) الذى قام هو بتأليف موسيقاه وبالتوزيع الموسيقى لألحان أغانيها. وفى عام 1935 تخرج إبراهيم حجاج فى المعهد، وعين مدرسا فى وزارة المعارف، وبعد عام ونصف أستقال من عمله، وقام بالتدريس فى معهد الإتحاد الموسيقى الخاص بحى عابدين فى القاهرة. وفى عام 1946 قام بالتدريس فى معهد فؤاد الأول للموسيقا العربية الذى تخرج فيه قبل أحد عشر عاما. وكان حجاج منذ تخرجه حريصا على تثقيف نفسه، بالإطلاع على كل مايصل إلى يده من كتب فى مجال الموسيقا، أو فى غيرها من المجالات، وكذلك فقد كان حريصا على شراء أسطوانات الموسيقا العالمية، وشراء المدونات الموسيقية لبعض المؤلفات التى كان يحصل على تسجيلاتها، ومن خلال النصوص الموسيقية كان حجاج يدرس تفاصيل البناء الموسيقى للعمل من كل جوانبه، وقد أفاد من تلك التجربة فائدة كبيرة فى حياته العملية فيما بعد.

 

كون إبراهيم حجاج فرقة موسيقية عربية كانت تقدم الموسيقا العربية التقليدية فى الإذاعة المصرية، ولكن المشرف على الموسيقا بالإذاعة فى ذلك الوقت كان رجلا شديد التعصب للتراث الموسيقى القديم ولم يكن ليديه اى إستعداد لتقبل أى تجديد يتناسب مع العصرفى ذلك الوقت، ولما ضاق إبراهيم حجاج بهذا اللون من الموسيقا، قام بحل فرقته الموسيقية، وكون أوركسترا صغير ضم الآلات الوترية وآلات النفخ الخشبية والنحاسية وآلات الإيقاع، واستعان بعازفين مصريين وأجانب، ثم قدم برنامجا من الموسيقا العالمية بجانب مؤلفاته هو، فما كان من ذلك المسئول فى الإذاعة إلا أن قام بإلغاء عقد إبراهيم حجاج مع الإذاعة ومنع التعامل معه فى الإذاعة المصرية طوال مدة وجوده فى ذلك المنصب، باعتبارأن ماقام حجاج - من وجهة نظره- إفساد للموسيقا العربية، وبعد عن التراث الذى يجب أن يلتزم به ولايخرج عنه ويقوم بما قام به.

وهكذا كانت طريقة التفكير المتحجرة هذه، تقف فى وجه كل محاولة للتجديد والتقدم، من حيث إستخدام آلات أوركسترالية بدلا من الإقتصارفقط على آلات الموسيقا العربية.

 

الجدير بالذكر أن الآلات الموسيقية سواء كانت عربية أم أوكسترالية فإن عازفوها يؤدون النغمات المدونة أمامهم فى المدونةالموسيقية سواء كان ذلك فى الأوركسترا أو فى فرق الموسيقا العربية، ولكن الإستخدام الواعى للأوركسترا السيمفونى فى الموسيقا العربية يتيح إمكانيات أكبر بكثير للتعبير والتصويرلايمكن لفرق الموسيقا العربية أن تفى بها، من حيث أن الأمر فى النهاية يتوقف على قدرات المؤلف الموسيقى ومدى موهبته ومدى إستفادته من علوم الموسيقاالعربية والعالمية وكيف يستطيع أن يسيطر على آلات الأوركسترا، ويحصل منها على كل مايريد مع المحافظة على الهوية العربية فى الموسيقا التى يؤلفها. فالجميع يدرسون علوم الموسيقا العربية والموسيقا العالمية ويؤدون النماذج العملية التى تعمق فهمهم لفن الموسيقا سواء من حيث إستخدام الصيغ الموسيقية أو اللغة الهارمونية أو الأساليب الكونترابونطية، وكيفية الكتابة لآلات الأوركسترا المختلفة وكيف يختار لكل منها النغمات التى تناسب لونها الصوتى ومساحتها الصوتية، حتى يحقق هدفه الذى يسعى إليه، وبالأسلوب الذى يميزه عن غيره من المؤلفين الموسيقيين.

 

وأمام هذا الموقف المتعنت الذى واجهه إبراهيم حجاج من المسئول عن الموسيقا فى الإذاعة المصرية، فقد إتجه إلى تأليف الموسيقا للأفلام الروائية المصرية. وفى عام 1951 كونت الإذاعة المصرية أوركسترا سيمفونى، وفرقة للموسيقا العربية أطلقت عليها (فرقة موسيقا الإذاعة المصرية)وتولى قيادة الفرقة الأخيرة كل من (عزيز صادق – عبدالحليم نويرة – على فراج – عطية شرارة- إبراهيم حجاج.. وغيرهم) وقد ضمت هاتين الفرقتين موسيقيين موهوبين، إشتهروا فيما بعد فى الحياة الموسيقية المصرية والعربية، نذكر منهم (محمدعبده صالح وعبدالفتاح منسى) قانون، (جورج ميشيل وعبدالفتاح صبرى)عود، و(أنورمنسى واحمد الحفناوى) كمان، و(إبراهيم عفيفى) رق.. وغيرهم.

 

وقد قدمت تلك الفرقة إنتاجا موسيقيا جديدا للموسيقيين الأحياء فى ذلك الوقت، فحل محل مؤلفات البشارف والسماعيات التقليدية، أما أوركسترا الإذاعة المصرية فقد تولى قيادته كل من (محمد حسن الشجاعى – عبدالحليم على – محمود عبدالرحمن)، وقدم الأوركسترا مؤلفات موسيقية عالمية، ومؤلفات مصرية متطورة، كما شارك ذلك الأوركسترا فى عزف موسيقا الأفلام الروائية المصرية، والتمثيليات والباليهات.

وبعد قيام ثورة 23 يوليو1952 شارك الأوركسترا فى عزف موسيقا الأغانى والأناشيد الوطنية التى عبرت عن تطور المجتمع المصرى والأحداث التى مربها فى ذلك الوقت وما تلاه. وبعد ذلك تولى إبراهيم حجاج تكوين وقيادة أوركسترا الفرقة القومية للفنون الشعبية، وألف الموسيقا لعرضها الأول، وكان يتكون من إحدى عشرة رقصة مختلفة. وكان يشرف على تلك الفرقة ثلاثة من الخبراء الروس، احدهم لتدريب الراقصين والراقصات، والثانى لتأليف الموسيقا والثالث لتصميم الملابس، ولما فشل مؤلف الموسيقا، حل إبراهيم حجاج محله، وألف موسيقا الرقصات.وظلت الفرقة تجرى تدريباتها لمدة ثلاث سنوات، حتى قدمت عرضها الأول عام 1961، على مسرح البالون بالقاهرة، وحضر الإفتتاح الزعيم جمال عبدالناصر، ثم سافرت الفرقة للإشتراك فى مهرجان الفنون الشعبية فى تونس، بعد ظهورها بشهر ونصف، ومع ذلك فقد فازت بالمركز الثالث فى المهرجان.

 

الجدير بالذكر أن إبراهيم حجاج قد ساهم بنصيب وافر فى الإنتاج الموسيقى المصرى على مدى حوالى نصف قرن من الزمان سواء بتأليف موسيقا الأفلام الروائية المصرية أو العروض المسرحية أو البرامج التليفزيونية والإذاعية أو التوزيع الموسيقى لألحان أغانى غيره من الموسيقيين، وكذلك تلحينه للكثير من الأعمال الغنائية، بالإضافة إلى تأليفه لعدد كبيرمن المقطوعات الموسيقية البحتة.

 

والجدير بالذكر أن إبراهيم حجاج أثناء تأليفه لموسيقا فيلم (زينب) إخراج محمد كريم، عام 1952 قام بتجربة رائدة عندما إستخدم آلة القانون العربية مع الأوركسترا لأول مرة وذلك بعد أن تشاور مع صديقه عازف القانون البارع عبدالفتاح منسى الذى عزف مع الأوركسترا موسيقا الفيلم. وقد أوحت هذه التجربة لعدد من مؤلفى الموسيقا المصريين الآخرين باستخدام آلات الموسيقا العربية المختلفة مع الأوركسترا فى مؤلفاتهم، فوجدنا بعد ذلك مؤلفات مثل: (فانتازيا للقانون والأوركسترا) لفؤاد الظاهرى، و(المتتالية الشعبية) لأبوبكر خيرت (1959) الحركة الثانية منها بعنوان (أغنية وقانون)وعزف القانون عبدالفتاح منسى مع الأوركسترافى تسجيل هذه المتتالية، وألف عبدالفتاح منسى عملا بعنوان(نور من الشرق)ووزع موسيقاه مؤلف الموسيقا المصرى المعروف عطية شرارة، وألف حسين جنيد عملا بعنوان (خواطر عربية للقانون والأوركسترا)، وألف رفعت جرانة عمله الكبير، كونشيرتو القانون والأوركسترا عام 1966، وألف عطية شرارة كونشيرتوللناى عام (1980 )، وكونشيرتو للعود والأوركسترا عام (1983-1984 ).

 

وهكذا لفت إبراهيم حجاج بتجربته الرائدة وإستخدامه لآلة القانون العربية مع الأوركسترا فى موسيقا فيلم(زينب)أنظار زملاءه من المؤلفين الموسيقيين المصريين إلى إسناد ادوار منفردة لآلات الموسيقا العربية مع الأوركسترا فى مؤلفاتهم.

وفيما يلى نذكر نماذج من مؤلفات إبراهيم حجاج الموسيقية:

أولا: الموسيقا التى ألفها للأفلام الروائية المصرية نذكر منها أفلام..

(البوسطجى – النداهة – زائر الفجر- بنت الشيخ – بيت الأشباح – إبن النيل – سيدة القطار –البيت الكبير – اسير الظلام – قطارالليل – سلوا قلبى – ملائكة فى جهنم – عفريت سمارة – العملاق – وداعا أيها الليل – الجبل – زينب – سفير جهنم – بنت الشاطئ – حب وموسيقا وجاسوسية – عيون لاتنام – زوجتى والكلب – غراميات إمرأة – قرية العشاق ).

 

ثانيا: موسيقا أفلام التليفزيون:

(السور –الزيارة – سالومى – رجل إسمه عباس – مسلسل السوار القاتل ).

ثالثا: موسيقا العروض المسرحية:

(عشرة ملوكى – ياليل يا عين – الحرافيش – عروس النيل – الحرب والسلام – دنيا البيانولا).

رابعا: موسيقا البرامج الإذاعية:

(الأيام – العباسة – فارس بنى حمدان – البحث عن الذات – المصير – رابعة العدوية.. غناء أم كلثوم).

خامسا: التوزيع الموسيقى لأعمال غيره من الموسيقيين:

  • نشيد (القسم) تلحين وغناء محمد عبد الوهاب.
  • نشيد (الوادى) تلجين وغناء محمد عبد الوهاب
  • مونولوج (الصبروالإيمان) تلحين وغناء محمد عبدالوهاب.
  • طقطوقة (بالومى) تلحين وغناء محمود الشريف.
  • أغانى فيلم (مصنع الزوجات) إخراج نيازى مصطفى،

(11 )أغنية، لأحد عشر ملحنا منهم (رياض السنباطى – زكريا أحمد – محمود الشريف – محمد الكحلاوى – عزت الجاهلى – إبراهيم حسين ).

  • أغانى فيلم (عايدة) بطولة وغناء أم كلثوم، تلحين كل من محمد القصبجى ورياض السنباطى.
  • نشيد (الشباب) تلحين رياض السنباطى.
  • نشيد (مصر فوق الجميع) تلحين وغناء محمد فوزى والمجموعة.
  • أغنية (زيزى يازيزى) تلحين أحمد صبرى، من فيلم إخراج حسن الإمام.
  • أغنية (معانا مامعاناش) تلحين وغناء عبدالعزيز محمود.
  • أغنية(الحب جنة ونار) تلحين وغناءعبدالعزيزمحمود.
  • سادسا: التلحين:
  • أوبريت(الربيع) للإذاعة شعر عبدالرحمن الخميسى، وغناء أحلام والمجموعة.
  • أغنية (الصحراء)فى فيلم (بنت الشيخ)غناء زينب عبده.
  • البرنامج الإذاعى (موكب النور) للإذاعة المصرية.
  • أغنية (ياسماء الخلود)للإذاعة المصرية.
  • اغنية (يا دنيا) من فيلم (سيدة القطار)غناء ليلى مراد.
  • سابعا: المقطوعات الموسيقية البحتة المسجلة فى الإذاعة المصرية نذكر منها: (نزهة – رقصة شرقية- فكرة- فانتازى- أعيادالشباب – ازهار- إشبيلية – غرناطة – الشباب والمرح- الصحراء- متتابعة أطياف المساء – متتابعة وادى الأحلام – طيور الصحراء –
  • النيل الخالد – جمال الريف – غرام فنان – رومانس –
  • شروق – فى حديقة الحيوانات – أشجارعالية- رقصة الجوارى – اطلال ).

 

 وقد كانت آخر مؤلفات إبراهيم حجاج الموسيقية التى ألفها لمسلسل (إبن تيمية) إخراج جلال غنيم، لأستوديو عجمان. وفى العاشر من نوفمبر عام 1987 توفى إبراهيم حجاج فى مدينة القاهرة إثر أزمة قلبية فاجأته وهو يؤلف الموسيقا لأحد أفلام التليفزيون المصرى.

وهكذا اسدل الستار على حياة احد عظماء مؤلفى الموسيقا المصريين، الذى ينتمى إلى الجيل الثانى من مؤلفى الموسيقا المصريين، رحمه الله رحمة واسعة.

       أستاذ النقد الموسيقى بأكاديمية الفنون

Dr.Randa
Dr.Radwa