السبت 18 مايو 2024

هل تغرق الفسطاط؟

31-5-2017 | 11:48

بقلم –  عادل سعد

أسكن فى مدينة الفسطاط ومدينتنا لا علاقة لها بالأعرج القصير، فاتح مصر، عمرو بن العاص، ولا بمدينته التاريخية، فقد كانت - مدينتنا - عبر العصور، أرضا للقمامة والخنازير، ومدفنا للجثث الجماعية للمصابين بالكوليرا، بعد تغطيتها بالجير الحى، لكن كل ذلك انتهى، وأصبحت مدينة الفسطاط عمائر حديثة وشوارع واسعة.

أما عمرو بن العاص، صاحب المدينة التاريخية - الفسطاط - فقد مات، ودفن تحت سفح جبل المقطم، فى قبر، لا يزيد عن متر فى نصف متر، لا يصدق الكثيرون عند المرور أمامه أن بداخله عظام داهية العرب، النائم فى تلك المنطقة التى راسل من أجلها عمر بن الخطاب، قائلا إن لدى أقباط مصر أرض تدعى: «غراس الجنة» يقال أن كل من يدفن فيها يدخل الجنة، فأرسل عمر قائلا: المسلمون أولى فادفنهم بها، فاستحوذ عليها عمرو بن العاص ودفن تحت رمالها مع عدد من الصحابة وابن الفارض سلطان العاشقين وابن عطاء الله السكندرى والشيخ عز الدين بن عبد السلام بائع الملوك وهازم التتار وذو النون المصرى.

وبجوار مدينتنا يقع جامع عمرو بن العاص، أول مسجد فى إفريقيا، لكن الناس لا تعرف أن مدينة الفسطاط التى بنى عمرو بن العاص على رأسها ذلك المسجد فى ٦٤١م مازالت موجودة، ذلك أنها تمتد من عند الجامع إلى بدايات عمارات الفسطاط، ويحوطها سور متهالك، فى مساحة لا تقل عن ٥٠ فدانا.

وقد بقيت مدينة الفسطاط مدفونة تحت أكوام وتلال حتى وُفِّقَ المرحوم على بهجت بك أمين دار الآثار لكشف الستار عنها فى سنة ١٩١٢، وقد دامت هذه المدينة سبعة قرون، وخلد بهجت بك اكتشافه بكتاب نفيس، عن عمائرها وسُبلها وطرقها وأزقتها وميادينها وبساتينها وأسواقها، وطُبع الكتاب فى باريس بعد أن زار خرائب الفسطاط، ورأى المدينة على حقيقتها، وتجلت له عروس الفتح الإسلامى، كما رسمها واختطها الصحابة عليهم رضوان الله فى مستهل العقد الثالث الهجرى.

والمدينة ظلت قائمة حتى خاف أن يستولى عليها الأعداء حاكم ظالم فأخلاها من السكان وأغرقها بالنفط، ودفعوا بداخلها قططا مشتعلة، وظلت النار تأكلها ٥٤ يوما، وكان دخانها يرى من على مسيرة ثلاثة أيام، تنفيذا لحكمة القائد ولم يحضر الفرنجة.

حريق الفسطاط حدث مع احتضار الخلافة الفاطمية فى زمن العاضد عندما استعان الأمير شاور بالصليبيين ليستولى على ملك مصر، مقابل منحهم ثلث خراجها، فطمعوا فى مصر كلها، فقرر شاور حرق مصر (الفسطاط) لعرقلة دخول الصليبيين القاهرة، واستنجد بنور الدين فأرسل صلاح الدين الأيوبى لإنقاذ مصر، فوصل قبل الصليبيين، وانسحب قائد الصليبيين أمورى بعد اتحاد جيش شاور مع صلاح الدين، لكن هذا لم يغفر الخيانة وأصر صلاح الدين على قطع رقبة شاور.

ومن يومها والمتعارف عليه أن هناك مدينة بأكملها بأسوارها وشوارعها وأسواقها فى تلك المنطقة المطمورة المعروفة أثريا باسم خرائب الفسطاط.

وفعل خيرا فاروق حسنى بأن أحاطها بسور معتقدا أنه يوما ما سيفتتحها كضلع ثالث لمجمع الأديان، فهى تقع بجوار معبد عزرا اليهودى الذى يعتقد اليهود أنه بنى على تلك البقعة التى ألقت عندها أم موسى ابنها فى اليم والتقطته امرأة فرعون، وأن من ينام بداخل كنيس المعبد ليلة واحدة يشفى من كل الأمراض، وبجواره أيضا كنيسة أبو سرجة القائمة على مغارة تحتوى على أثر قدم للسيد المسيح.

وبنى فاروق حسنى بالتعاون مع وزارة السياحة بجوار جامع عمرو بن العاص سوق الفسطاط للحرف اليدوية تمهيدا لتحقيق كل ذلك التداخل.

لكنها ثورة يناير، قامت، وبعد أشهر من اندلاعها، كسر أحد عربجية الكارو التاريخ وسور خرائب الفسطاط، وعلى مدى عامين اعتادت حمير العربجية أن تدوس على بيوت الفسطاط القديمة، وأولاد العربجية كانوا يعثرون على قطع عملات معدنية نحاسية حمراء قديمة لكنهم يطوحونها لأنها بلا قيمة، وبالتدريج صارت الخرائب الأثرية مكانا مثاليا لإلقاء «الراتش» من القمامة ومخلفات البناء.

ليس هذا فقط بل إن البعض استغل المكان، وافتتح «دولاب مخدرات»، وصار هناك - اعتقد من يدعى «قطب» - يتسلل له الزبائن من عند سور جامع عمرو بن العاص وبمجرد وصولهم لأرض خرائب الفسطاط البراح يحصلون على المطلوب لأن الدولاب مفتوح كل الأيام مع خدمة ليلية.

لم تكتب الصحافة المصرية ولا مرة عما جرى لمنطقة الفسطاط، سواء عندما غمرت المياه شارعها الرئيس الممتد وطالت حتى أغرقت المقابر وتوالت محاولات إيقاف مياه عين الصيرة بلا جدوى حتى نجحت محاولات دك الطريق فى العام الماضى لكن للأسف لم يدم الحال طويلا وبعد انفاق أكثر من ٢٠ مليون جنيه لإنقاذ الطريق بدأت المياه تطل علينا من منفذ آخر يهدد المدينة من جديد.

ما أعرفه أن منطقة الفسطاط تتأهب لافتتاح متحف الحضارة المصرية الجديد، وأن العديد من الإزالات والإصلاحات ينبغى أن تجرى قبل الافتتاح الرسمى، ولعل على رأسها إيقاف تدفق المياه، وإزالة مخالفات فواخير الخزف التى مازالت قائمة على الطريق المؤدى للمتحف، برغم بناء مدينة عصرية للخزف داخل بطن مدينة الفسطاط، إلا أن البعض مازال يصر على أن أفضل عرض لبيع البضاعة أن تعترض الطريق.