السبت 18 مايو 2024

السلام الوهمى..؟

31-5-2017 | 11:50

بقلم –  سناء السعيد

 

“أنتم رقم واحد بالنسبة لنا. أمر رائع أن أكون هنا فى إسرائيل. إننا نحب إسرائيل ونحترم إسرائيل”، .

هذا ما قاله ترامب عندما حل بإسرائيل فى الثانى والعشرين من مايو الجارى وخلال مؤتمر صحفى مع نظيره الإسرائيلى “رؤوفين ريفلين”.

لم يكن هذا من قبيل المجاملة بل كان تجسيدا للحقيقة التى تؤكد بأن إسرائيل ستظل هى الحليف الأوثق لأمريكا وهى الطفل المدلل لها..

بل إن زيارة ترامب للكيان الصهيونى عمقت العلاقات أكثر وأكثر مع حليف أمريكا الأقرب فى المنطقة، وتم خلالها التركيز على الاستقبال الدافئ للرئيس الأمريكى الخامس والأربعين، حيث يعتبر أول رئيس أمريكى يضع دولة الاحتلال على قائمة رحلته الخارجية الأولى، كما أنه كان أول رئيس أمريكى فى السلطة يزور حائط البراق أثناء توليه الحكم وهو المكان الأكثر قدسية عند اليهود.

غير أن زيارته لإسرائيل لم تتمخض عن أية نتائج عملية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فكل ما أسفرت عنه زيارة ترامب كانت تصريحات نظرية تتحدث عن أن هناك فرصة نادرة لاحلال السلام فى المنطقة دون أية ترجمة على أرض الواقع، لتظل عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل فى مرحلة الركود التى تعيشها، أى أنه سرى الحديث عن فرص تحقيق السلام دون الحديث عن طرق تحقيقه، بل إن ترامب لم يذكر أى شىء عن الاحتلال الإسرائيلى ولا عن إقامة دولة فلسطينية مستقلة ولا عن ضرورة وقف الاستيطان، فقط أعلن التزامه الشخصى بالسعى للتوصل إلى اتفاق سلمى بين الفلسطينيين والإسرائيليين، غير أن لقاءاته وتحركاته لم تترجم ذلك لاسيما وقد تجنب الحديث عن التفاصيل السياسية فيما يخص النزاع الفلسطينى الإسرائيلى، كما لم يتم تحديد موعد جديد لإطلاق جولة جديدة من المفاوضات، كل ما ركز عليه هو إعلان الولاء لإسرائيل وزيارة الأماكن الدينية اليهودية والحديث بصورة عامة عن ثقته فى تحقيق السلام.

رغم حديثه المتوالى عن الإرهاب وضرورة مجابهته فإنه غض الطرف كلية عن إرهاب الدولة التى تمارسه إسرائيل لتصبح زيارته فى المجمل زيارة فشنك لم تتجاوز الادلاء بالتصريحات الواعدة التى تتحدث عن ثقته فى تحقيق السلام. أما عباس فلقد تمنى للتاريخ أن يكتب بأن ترامب كان الرئيس الأمريكى الذى حقق السلام بين فلسطين وإسرائيل، ولكن خاب فأله، فإذا كانت إسرائيل قد أحرزت ما تطلعت اليه من وراء زيارة ترامب والتى أكد خلالها على العلاقة القوية والاستراتيجية بين الدولتين، فإن النقيض حدث فى زيارة ترامب لبيت لحم والتى اختصرها فى ٧٥ دقيقة فقط لم تحقق شيئا البتة، بل إن كل الاشارات التى برزت خلال الزيارة لم تدع إلى التفاؤل، فترامب لم يحمل معه أى جديد ولم يأت على ذكر مصطلح حل الدولتين واكتفى بمصطلح عملية السلام قولا لا فعلا، رغم أن عباس كان يأمل الكثير من وراء الزيارة وانبرى يتحدث عن التزامه بعقد صفقة سلام تاريخية برعاية أمريكية، مؤكدا أن تطبيق حل الدولتين من شأنه أن يمهد لتنفيذ مبادرة السلام العربية، بيد أن آماله ذهبت أدراج الرياح بعد أن فشلت الزيارة فى التركيز على معالم حل كلى للصراع الإسرائيلى الفلسطينى.

زيارة ترامب مظهرية شكلية لم تعكس ما قاله ترامب من أنها ستكون فرصة نادرة للسلام بين الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى، وبالتالى فهى فارغة فى مبناها ومعناها بعيدة عن تحقيق أية صفقات سياسية نحو حل القضية الفلسطينية، ليظل التباين كبيرا بين ماحققه ترامب لإسرائيل فى هذه الزيارة وما لم يحققه للسلطة الفلسطينية، فمع إسرائيل كان التطابق كاملا فى وجهتى النظر الأمريكية والصهيونية حول قضايا المنطقة، فلقد أعاد ترامب على نتانياهو ماسبق واتفق عليه خلال زيارة الأخير لواشنطون فى فبراير الماضى، حيث جدد الاتفاق على إعادة احياء المحور السنى العربى لمواجهة إيران، وتطرق إلى عقد مؤتمر دولى تشارك فيه الدول العربية المعتدلة إلى جانب إسرائيل، يكون هدفه المعلن بحث إيجاد حل للقضية الفلسطينية، أما هدفه الخفى فهو البدء فى عملية التطبيع بين إسرائيل ودول عربية سنية خليجية على وجه التحديد. وبذلك نستطيع القول بأن نتانياهو قد حصل على كل ما تطلع إليه، ويكفى إسقاط حل الدولتين والمضى قدما فى الاستيطان والضغط على الفلسطينيين للاعتراف بإسرائيل دولة يهودية بما يعنى تأكيد عنصرية الدولة، هذا بالإضافة إلى طمأنة ترامب لإسرائيل بعد أن اعتراها القلق من صفقة السلاح مع السعودية مبينا لها بأن هذه الصفقة ترمى إلى مواجهة تهديد إيران.

نستطيع القول بأن السلطة الفلسطينية انتهت بنسف إسرائيل لحل الدولتين، ومن ثم بات دورها محصورا فى التنسيق الأمنى لحماية الاحتلال ومستوطناته ومستوطنيه، ولم يعد أمام السلطة سوى الطاعة والتنفيذ، لقد تأكد مع زيارة ترامب انحياز أمريكا المطلق لأكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفا وعنصرية فى تاريخ الاحتلال، ولا يعلم المرء متى يمكن للعرب الخروج من مسلسل الاستسلام والخداع واتباع الوهم تحت عنوان السلام الممهور بالزيف والتدليس؟!

 

    الاكثر قراءة