بقلم – د. صفوت حاتم
لا أبالغ حين أقول إن حرب الرئيس مع مافيات الأراضى هى أكبر وأخطر معاركه.. بعد معركة إزاحة نظام الإخوان.. وأظن أن كل المصريين كانوا ينتظرون هذه الخطوة التى تعلن انحياز الدولة للشعب..بعد أن تحولت الدولة المصرية ومؤسساتها لخادم مطيع « للمحاسيب» من الرأسماليين الحيتان «.. والوزراء والمحافظين ونواب مجلس الشعب ولواءات وقضاة ورجال بنوك وإعلاميين ورجال الرياضة وفنانين معروفين.. إلخ..إلخ.
باختصار: تم تأميم ثورة مصر لصالح هذه «الطبقة الطفيلية».
خطة ممنهجة لإضعاف مصر وإفقارها ونهبها.. لم تترك شيئا إلا ونهبته: بنوكا.. أراضى.. شركات القطاع العام المخصخصة..
وكانت صحف المعارضة تكتب وتنشر فضائح أفراد هذه الطبقة وإسرافها وتبذيرها.. وتحالفها مع رجال السلطة العليا الملتفة حول رئيس الجمهورية السابق محمد حسنى مبارك وأبنائه وزمرتهم من رجال الأعمال الطموحين.
وقد بلغ اليأس «بأحرار» الوطن مبلغه.. من إمكانية مواجهة هذا الفساد.
حتى أطلق الرئيس « السيسى « صيحته بضرورة استعادة أراضى الدولة المُعتدى عليها.
وكانت فرحة وخوف فى نفس الوقت !!
الفرح بإمكانية مواجهة « حيتان الفساد ».. والخوف على الرئيس من جهاز الدولة المهلهل و الممتلئ بالثقوب..والمخترق بالفاسدين الكبار والصغار.
نعم نحن نتمنى النجاح والنصر فى هذه المعركة..فمستقبل مصر كله.. متوقف على نتيجة هذه المعركة.. ولا تقل خطورتها عن معركتنا مع الإرهاب.
ربما الفارق الوحيد بين المعركتين: أن قوى الإرهاب تتخفى فى الكهوف والمغارات.. بينما قوى الفساد تتحصن فى مواقع نافذة فى قمة الجهاز الإدارى للدولة..وتمتلك الإعلام..ويسير وراءهم جيوش من المنتفعين من إعلاميين وصحفيين ومرتشين..من الأسماء اللامعة المراوغة.. أسماء وشخصيات على استعداد أن تبيع نفسها لكل نظام ولكل حاكم.
وتعمل بالمثل الشعبى: « كل غربال وله شدًة ». فهى تعلمت كيف تنحنى للعاصفة.. حتى تهدأ الأمور.. ثم تعيد سيرتها..وتستأنف فسادها.
التعديات على نهر النيل
ولم يسلم النيل من تعديات الأغنياء عليه.. فخلال سنوات قليلة اختفى كورنيش النيل فى القاهرة ومدن المحافظات خلف المطاعم والمراكب والنوادى النهرية تابعة لكل فئات المجتمع..
ولم يعد متاحا لعامة المصريين «التمشية» والتنزه على «كورنيش النيل « الذى كان مقصدا للتنزه فى أمسيات الصيف.. فراحوا يحتلون أرصفة الكبارى والجسور..بحثا عن نسمة هواء يبعثها لهم « نيلُهم الحنون».
كان كورنيش النيل مقصدا لكل المصريين.. وللطلاب يستذكرون دروسهم عليه ويُعدّون لامتحاناتهم فى أعطافه .. وينتشرون بحدائقه ومتنزهاته.
لقد أصبح النيل .. فجأة.. ملكاً خاصاً للأغنياء.. وحكرا على فئات معينة من المهنيين.
وبعد أن كانت جهات الإدارة تفرض شروطا صارمة تمنع حجب النيل.. صارت ترتفع المبانى والأسوار تحجب صفحة النيل الخالد.
ونال الإهمال كورنيش النيل.. الذى تأسس فى الخمسينيات والستينيات فى معظم محافظات مصر.. ولم يعد صالحا للتنزه بسبب القذارة وإهمال الأرصفة والإشغالات من كل نوع.
كل هذه التعديات على الأراضى وإشغالات الطريق بالمقاهى والمحلات والورش..يتم أمام نظر رجال المحليات.
ولنأخذ مثلا: الحملة على المقاهى المخالفة وإشغالات الرصيف والطريق التى تمت منذ فترة..بعد مقتل شاب على يد عمال أحد المقاهى الفاخرة.
إن أى حملة لا تستمر سوى أيام قليلة .. ثم تعود «ريما لعوايدها القديمة». إنها البيروقراطية المصرية..
فالبيروقراطية المصرية هى بيروقراطية قديمة وعتيدة.. بيروقراطية ماكرة وخبيثة. تعلم أن » الغُربال لن يستمر مشدوداً» لفترة طويلة!!
لقد سايرت « البيروقراطية المصرية » عدة نظم سياسية: خديوية وسلطانية وملكية وجمهورية..
وعبرت على نظم اقتصادية مختلفة: إقطاعية.. اشتراكية.. ورأسمالية..
وعاصرت نظما من اليمين واليسار: ثورية ورجعية !!
إنها بيروقراطيتنا تتمتع بالذكاء الفطرى.. وتجيد «تحوير» نفسها مع كل الظروف.. كالفيروسات القاتلة التى «تتحور» مع كل الأجواء والظروف.
صحيح أن البيروقراطية المصرية كانت عوناً لأى نظام سياسى: اشتراكى أو رأسمالى.
لكن ولاءها الأول والأخير لنفسها ولمصالحها.
وأظن أن الرئيس « عبد الفتاح السيسى» لا يجب أن يطمئن لأخلاق هذه الطبقة أو أن يخاطب فيها حس المروءة والأخلاق.
إن مصر تحتاج ثورة إدارية يا سيادة الرئيس. مصر تحناج تغييرا تشريعيا واسع وذكيا وحديثا..ينقلها لعصر الكمبيوتر والإنترنت .
إن أول خطوة فى هذه الثورة الإدارية: توسيع عمل الأجهزة الرقابية وإعطاؤها كل السلطات لمحاسبة كبار وصغار الموظفين.. ووضع القضاء الناجز والسريع «حكماً» فى تعديات أى شخص..مهما علا مركزه..أو ثروته..أو علاقاته.
الشعب المصرى كله يقف معك سيادة الرئيس فى معركتك الحاسمة مع الفساد. إنها المعركة التى كان ينتظرها كل مصرى وكل وطنى حُرّ.