تحقيق- راندا طارق
“ترنم يا فتى وأمدح نبينا.. ولا تسمع لقول العازلين”.. بالزى الأخضر ينشد أعضاء فرقة الحضرة فى أجواء روحانية صوفية، تأخذك الأصوات الخلابة إلى رحلة إيمانية تغوص فى أعماق العشق الإلهى.
فرقة الحضرة فرقة إنشاد صوفى تضم ١٢ منشدًا ومبتهلاً من محافظات مصر المختلفة، يجمعهم حب الله ورسوله.
الشيخ أشرف المغازى أحد أعضاء الفرقة يقول: “نجاح المداح يبدأ أولاً من معاصرته ودراسته على يد شيخ عارف، حتى يتمتع مدحه بروح خاصة فتتسلل كلماته إلى قلوب السامعين”.
المغازى أوضح أن قصائده مستمدة من الشيخ يحيى نور الدين، ووصفه بالكاتب البارع واحتسبه من الصالحين، لافتاً إلى أن حب الكاتب للنبى كان أساس مدحه له بالقصائد.
وأضاف المغازى أن قصيدة “عليك الصلاة وعليك السلام يا سيدنا النبي”، التى مدح بها رسول الله، قصيدة كتبت حديثاً، إلا أنها بدت فى كلماتها كما لو كانت تراثية، لافتًا إلى أن أساس الحضرة والمدح والإنشاد هو حب رسول الله، لا يمدح النبى إلا من محب، مؤكداً على أن الحب فى مدح النبى يأتى قبل قوة الصوت، فإن كان صوت المداح متواضعاً ولكنه محب فسوف يتقدم إلى أعلى المراتب بفضل محبته وسيفتح الله عليه فتوحه، وإذا غاب الحب عن قلبه فسيكون من المداحين أو الشعراء ويتبعهم الغاوون ممن يريدون المال فقط.
وأوضح المغازى أنه على الرغم من انتماء أعضاء فريق الحضرة المكون من ١٢ فرداً لمحافظات مختلفة ولهجات متنوعة، إلا أنها فى مجملها حضرة مصرية خالصة.
تربى المغازى على مدح النبى المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، وبالتحديد على طريقة “العصبة الهامشية”، حسبما قال إلا أنه بعد انتقال مشايخه إلى رحمة الله، سمع عن أحد العارفين الأكابر فى هذا العصر وهو على قيد الحياة مولانا الشيخ صالح أبو خليل فى الزقازيق حسبما وصفه، فسلك الطريقة الخليلية.
ولفت مداح النبى إلى أن أجورهم المادية تأتى من جهودهم الذاتية، المتمثلة فى إيرادات حفلاتهم، ويتم توزيعها بالتساوى بينهم، مؤكداً على أنه عائد ضعيفاً ولكن يكفيهم شرفاً مدح سيد الوجود، الذى لم يقدر مدحه بثمن بعد أن مدحه الله جل جلاله فقال: “وإنك لعلى خلق عظيم” ولفت المغازى إلى أن للمادح باباً منفرداً يوم القيامة وهو لواء المادحين، مشيراً إلى أن للمستمع درجة أيضا كالمادح، لأن للمديح نوراً خفى ونوراً ظاهراً، يشعر المستمع بحالة روحانية فريدة.
مصطفى محسب أحد المنشدين بالفرقة، ينتمى لعائلة صوفية، تربى منذ صغره على المديح والإنشاد، وجاوبت الحضرات أروقه منزله، دراسته بعيدة عن الإنشاد الديني، إلا أنه تربى على حب رسول الله وعلى طريقة أجداده وهى الطريقة “البيوميه الأحمديه”، سيدى على البيومى جده شيخ الطريقة البيومية الأحمديه، إلى أنه انضم مؤخرا للطريقة الخليلية، وهى فرع من فروع الطريقة البيومية، هكذا بدأ محسب حديثه، وأردف أن الصوت الجيد وحب التصوف كان معيار تأسيس فرقة الحضرة.
وأشار محسب إلى أن ظهور المتصوفين على الساحة مؤخراً، جاء بعدما سيطر التيار السلفى على الميديا والقنوات الفضائية فى الفترات الماضية، وتسبب فى تراجع جمهور التصوف والمديح، بالرغم من أن مصر لطالما عرفت التصوف بأنماطه المختلفة، ولطالما شهدت متصوفين.
وطالب الدولة بالنظر للتصوف والاهتمام به، خاصة أنه فكر وسطى أشعرى أزهرى فى أساسه، لافتاً إلى أن هذه الوسطية هى ما نحتاج إليها فى ذلك العصر، وأنها أيضاً كانت سبب تقرب جمهور الشباب من فرقة الحضرة، حتى أصبح جمهورها من أكبر جماهير الإنشاد فى مصر.
وأرجع محسب سبب نجاح فرقة الحضرة إلى تقديم قصائد إنشاديه متنوعة مأخوذة من قصائد تراثية، وقصائد لمشايخ معاصرين، تظهر الروح المصرية الأصيلة الخالصة للحضرة المصرية غير المتأثرة بحضرات الدول العربية فى الشام والخليج، وأردف أنهم يقدمون حضراتهم المتنوعة ما بين الطابع الأسوانى والبحرى والصعيدى، وكذلك حضرات القاهرة والدلتا وحتى الصعيد الجواني.
ورغم أنها لم تكن الفرقة الأولى التى تقدم حضرة لسيدنا النبي، إلا أن محاولات الفرق المصرية الأخرى لم يحالفها النجاح، لتأثرها بالإنشاد الصوفى السورى والخليجى واليمني، فلم تصل للجماهير، هذا ما أوضحه محسب، لافتاً إلى أن كبار المداحين أمثال الشيخ الديشناوى وياسين التهامي، لم يقدما أنماطاً مختلفة فاكتفى الشيخ ياسين التهامى باللون الصعيدى البحت، واتخذ كل شيخ لوناً، إلا أن فرقة الحضرة تميزت بتقديمها الأنماط المختلفة، فى عمل جماعى من تراث الصعيد والنوبة وبحرى والدلتا وغيرها، وذلك بحكم انتماء أعضاء الفرقة لمحافظات مختلفة.
وعن عدم ضم فتيات لفرقة الحضرة أوضح أنه كانت هناك محاولات لضم مجموعة من الفتيات فى البداية، فتقدمت فتاة واحدة فكان من الصعوبة استمراها فى ظل ظروف السفر والانتقالات.
صعوبات وتحديات كثيرة تواجه الحضرة، منها قلة المسارح فى مصر، هذا ما أكده نور ناجح مؤسس فرقة الحضرة، مناشداً الدولة تخصيص مكان لهم لتقديم عروضهم، للجماهير وللسائحين لمشاهدة التراث الصوفى المصرى مثلما تدعم الدولة فريق التنورة بوكالة الغوري.
ولفت ناجح إلى أن ميزانيات الفرقة كثيرة تضم ١٢ من أعضاء الفريق إضافة إلى عدد كبير من العازفين والقائمين على السوشيال ميديا الخاصة بالفريق، وميزانيات البروفات والملابس، لذلك فهم فى حاجة ماسة لدعم ومنح من الدولة ليتمكنوا من إخراج كافة أنواع التراث الصوفي، لافتاً إلى أنهم رغم انتمائهم لنقابة الإنشاد المستقلة التى أسسها الشيخ محمود التهامي، إلا أن االنقابة تعانى من مشكلة كبيرة، متمثلة فى رغبة الدولة فى التعامل معها كنقابة عماليه فقط دون أدنى امتيازات لهم.
وأوضح ناجح أنه ناشد وزارة الثقافة والآثار لتخصيص أحد الأماكن الثقافية لهم وبات الأمر دون جدوى، رغم أن هناك العديد من الأماكن التراثية المهملة والمغلقة، فجميع المحاولات باءت بالفشل وسيظل السؤال حول الهدف من إغلاقها!.
وأرجع ناجح سبب تميز الحضرة لتقديم التراث الصوفى المصرى المتنوع، الذى لم يقدم كاملاً من قبل، ومنها الذكر الجهري، ولكونهم ينتمون جميعهم لعائلات صوفية، فجاءت حضراتهم فى إطار فنى تراثى جذب الكثيرين، فضلاً عن قيامهم بإحياء وإعادة توزيع قصائد كثيرة، مما جعل الحضرة من أفضل فرق الإنشاد فى مصر، متفوقة بمصريتها الخالصة على فرق جاءت بتراثها الطربى الشامى والخليجي.
ولفت ناجح إلى أن الشيخ ياسين التهامى والشيخ أحمد التونى رحمة الله عليهما، قدما نمطاً واحداً من الإنشاد الدينى فى مصر، بالرغم من أن التراث الصوفى أوسع وأشمل من ذلك ويجمع أنماطاً متعددة، كاشفاً عن أن هناك قصائد وتجارب جديدة ستقدمها الفرقة طوال شهر رمضان المعظم.