السبت 29 يونيو 2024

العرقسوس «شفا وخمير يا صايم على الفطار»

31-5-2017 | 12:17

تقرير: أسامة حمدى

«شفا وخمير يا عرقسوس» بهذا النداء المتناغم مع صوت صاجاته النحاسية العالية ذات الرنين المنتظم، يطوف بائع العرقسوس الشوارع فى نهار رمضان قبل الإفطار، أبريقه المثلج وقطرات الماء تتساقط منه، يغرى الصائمين يقبلون عليه يشترون، وينتظرون فى لهفة لحظة الإفطار.

 

منذ عشرات السنين يتجول بائع العرقسوس فى الشوارع مرتديًا سروالًا واسعًا يضيق عند الرجلين ليساعده على الحركة حاملًا إبريقه النحاسى الضخم يحفظ العرقسوس مثلجًا من حرارة الشمس تعلوه فتحات مثبتة بها الأكواب الزجاجية، يحيط بالإبريق حزام جلدى كبير حول خصره وكتفيه ليساعده على حمله دون إلحاق ضرر بالظهر، مرتديًا أسفله ما يشبه «المخدة» المحشوة بالقطن حول بطنه كى تفصل عنه برودة الإبريق، أسفل الإبريق يرتدى مريلة تحمى ملابسه من تساقط العرقسوس والماء ويمسح بها يديه، ويمسك بإحدى يديه الصاجات النحاسية التى يستخدمها فى جذب الزبائن لمشروبه، وباليد الأخرى إبريق صغير للماء يغسل منه الأكواب الزجاجية بعد الشرب، يعلو رأسه عمامة بيضاء أو قبعة تحميه من حرارة الشمس، وفى كل مرة يميل بنصفه العلوى كى يصب للزبون العرقسوس.

قديما كان العرقسوس شرابًا لملوك الفراعنة حيث كانوا يعتقدون أنه يطرد الشيطان من الجسم، ولذلك وُجدت جذور العرقسوس فى قبر الملك توت عنخ آمون، لكن بعد دخول الفاطمين مصر وإنشاء القاهرة بشوارعها وأسواقها الضخمة لاقى العرقسوس فى أسواق العطارة مكانة خاصة وإقبالًا كبيرًا من عامة المصريين نظرًا لإعتقادهم أنه يشفى العديد من الأمراض، خاصة وأن أطباء المصريين القدماء كانوا يستخدمونه فى خلطة الأدوية لإخفاء طعم مرارتها وعلاج أمراض الكبد والأمعاء والسعال الجاف والربو والعطش الشديد وحالات القيء وتهيج المعدة وحرقة البول، وبذلك تحول العرقسوس من مشروب مقتصرًا على الملوك والأمراء لينتشر كمشروب لعامة الناس حيث توارثوا بعد ذلك شربه خاصة فى لحظة الإفطار فى شهر رمضان كريم.

فى البداية يقول على شعبان، بائع العرقسوس بميدان العتبة، صاحب الـ ٣٣ عاما «أنا من قرية عنيبس بمحافظة سوهاج وببيع العرقسوس بالأبريق وأنا عندى ١٨ سنة وبقالى حوالى ١٥ سنة فى المهنة دى وبسافر الصعيد أشوف أهلى فى الشتاء وأرجع للقاهرة فى الصيف وخاصة شهر رمضان علشان ده الموسم والمكسب كله فى الشهر الكريم وبنزود الكمية اللى بنعملها من العرقسوس وبتباع كلها فى رمضان والناس بتفضل البياع بالإبريق عن عصير المحلات الجاهزة ومع صوت الصاجات الزبون يشترى».

وتابع «الفلوس والرزق بيزيد فى رمضان عن باقى شهور الصيف وساعة المغرب البضاعة كلها بتتباع ومش برجع بحاجة منها والزباين بيوصونى أحجز لهم من بالليل أكياس أو أعدى عليهم أملأ زجاجات مياه فارغة بالعرقسوس علشان يفطروا بها، ومشكلتى الوحيدة فى رمضان أنى مش بقدر أفطر مع عيالى ومراتى بكسر صومى بكوب عرقسوس لحد لما أفطر الناس كلها وأروح أفطر أنا بعديهم، وفى رمضان بجهز البضاعة قبل العصر وأبدأ أبيع قبل المغرب بساعتين علشان العرقسوس ميفسدش ويبقى طازة وأنزل وسط المحلات والبياعين وميدان العتبة وأبيع الكمية كلها وبشغل شباب معايا وبعلمهم الصنعة».

واستطرد «العرقسوس مينفعش يبات لتانى يوم أبدًا لازم كل يوم أعمل جديد وطازة، والحمد لله الحركة ماشية لأن العتبة أكتر منطقة فيها محلات ومواقف العربيات والبياعين فى الشوارع والأرزقية الواقفين فى الشوارع بيشتروا منى حتى بعد الفطار».

وقال عم محمد محمود، بائع العرقسوس بمنطقة فيصل وميدان الجيزة، صاحب الـ ٥١ عاما «بقالى ١٦ سنة ببيع العرقسوس فى الإبريق على كتفى، وأنا أصلًا من قرية عنيبس بمحافظة سوهاج وورثت المهنة من جدى وأبى بعد وفاته، ومش معايا مهنة غيرها وبآكل منها عيش أنا وولادى، وعندى ٦ عيال أكبرهم فى الثانوية وأصغرهم فى المرحلة الابتدائية، والمهنة تعبت ظهرى من الشقاء والشيل والمشى اليوم كله، لكن الحمد لله أنا عايش مستور أنا وعيالى وبجيب منها مصاريف العيال لأن الإيد البطالة نجسة».

وتابع «أحضر العرقسوس ليلًا بعد السحور حيث لدى مخزون من نبات العرقسوس قمت بشرائه من محلات العطارة، وطبعًا زادت أسعاره بعد موجة زيادة الأسعار، وأقوم بنقعه فى إناء حتى الصباح حتى يصير لونه أسود ثم أستيقظ فى اليوم التالى لتصفيته بقماش أبيض وتتم تحليه بكربوناته وأتركه لمدة نصف ساعة ثم أضع جزءا منه فى الإبريق وفوقه الثلج، وأحتفظ بالباقى فى المنزل أعود إليه بعد نفاد الكمية الأولى».

واستطرد «عادة نحن بائعى العرقسوس نقسم المنطقة إلى مسارح فكل بائع منا له مسرح خاص به لا يتدخل فيه البائع الآخر ونحترم ذلك فيما بيننا، أنا أتجه بمنطقة فيصل وميدان الجيزة، وآخر يتجه ناحية جامعة القاهرة وبين السرايات وثالث يتجه ناحية منطقة أبو قتادة وبولاق الدكرور، وهكذا، وموسم رمضان هو الأساس عندنا وهو الموسم اللى بنعمل منه مكاسب لأن الإقبال بيكون كبير علينا وممكن الدخل يوصل ١٠ آلاف جنيه فى شهر رمضان والناس مازلت بحب بياع الإبريق وصوت صاجاته قبل الفطار والأطفال يتجمعوا حولى ويشتروا».

وذكر الحاج ايراهيم متولى، بائع العرقسوس بميدان السيدة زينب، صاحب الـ ٦٠ عاما «بعض الناس من بلدنا تركت مهنة الإبريق والشيل على الظهر واتجهت لفتح محلات العصير وبيع العرقسوس والبعض منهم عمل عربية تفصيل بأربع عجلات وبها ٤ برطمانات بيبيع فيهم تمر وعرقسوس وسوبيا وبرطمان مياه يغسل منه، لكن أنا مش معايا فلوس أشترى عربية من الورشة لأنها تتكلف حوالى ٥ آلاف جنيه على الأقل وهجيب منين؟ ! أنا شغلى بيكفى مصاريف العيال والبيت والحمد لله رضا أنا عايش مستور فلو الحكومة هتوفر لنا عربيات يبقى كويس».

وأكد «أنا ببيع حوالى ٣ كيلو عرقسوس فى اليوم يعنى حوالى ١٥٠ جنيها ولما أخصم منهم ثمن البضاعة يعنى الصافى حوالى ١٠٠ جنيه فى اليوم بدفع منها إيجار البيت وبصرف على مدارس العيال، وبوفر الباقى علشان أنا مش ضامن صحتى تفضل كويسة باقى العمر ومهنتنا صعبة وبتمرض بالظهر والغضروف من الحمل الثقيل بحاول أوفر حاجة علشان مستقبل العيال».