اللي يحضر العفريت يصرفه.. جملة تقال عادة لمن يورط نفسه في مواقف سخيفة يمكن أن يتجاوزها، فقد باتت في حياتنا مجموعة مصطلحات أكدت تخصصها في إشاعة النكد وتكدير صفو الرجل صاحب الأسرة ذلك الذي ظل نصف عمره ساعيا إلى الأبوة ويقضي نص عمره الباقي ضحية لأمنيته التي عادة ما تكون كمينا جميلا للأجيال لا يأخذ بعضها عن بعض حذر أو ترقب.
وبالمناسبة يعيش رب الأسرة هذه الأيام في مطحنة المواسم والتي تعني تحوله عن بشريته ليصبح ماكينة لصرف الأموال فبعد انفضاض مولد مصروفات المدرسة يبدأ موسم "البوكلت" وهو مصطلح افرنجي لما كنا نسميه صغارا الكتب ولا أقصد الكتب المدرسية بل هي مجموعة الكتب الإضافية لزوم عبقرية الننوس ابنك أو الننوسة بنتك ناهيك عن لا مؤاخذة تحابيش الكاشكيل والاقلام والجلاد الملون والشفاف حاجة كده ما أنزل الله بها من سلطان غير الـ skin care وادارة تموين اللانش بوكس والله يرحم أيام الكيس بوكس وساندويتش الجبنة بالطماطم الذي خرج أجيالا من العظماء بلا أدني ضجيج.
ليبدأ موسم جديد وهو حلاوة المولد وتبقى عيبة أووي لو عدى الموسم وما دخلتش بعلبة الحلويات الطويلة العريضة وهنا تبدأ محاصرة الزوجة الاصيلة لزوجها لكن عن بعد حيث ترسل له الأولاد في موكب احتفالي مرددين بصوت جميل كل سنة وانت طيب يا بابا وساعتها يشعر بابا بوخزات طعنة ألمت به وجاءته من مأمن وفي جوف داره وبالطبع كأي أب صالح يتبادل التهاني مع الأولاد واعدا إياهم بأنه سوف يشتريها لهم لينتهي الموكب الاحتفالي لبابا المسكين وهو يقلب في محفظته محاولا إيجاد 200 جنيه تائهة هنا أو هناك ليحقق للاسرة أمنيتها في الظفر بعلبة الحلوى من ذلك المحل الشهير الذي تطارد إعلاناته عيون الأسرة في الشارع وعلى شاشة التليفزيون ليقرر الأب أن يتخذ القرار الصعب وأن يؤجل حلمه بشراء حذاء جديد إلى أجل غير مسمى ويقرر الذهاب إلى السوق.
وفي الطريق يلعب الخيال بعقل الأب ليقضى الطريق في تخيل الأصناف التي ينوى شراءها ولم لا فجيبه دافئ بـ200 جنيه ليتلقى الصدمة حيث يتفاجئ أن الـ200 جنيه التي في جيبه لا تصلح إلا أن تكون حجابا يعلقه في رقبته ليقيه من الشر حيث زادت أسعار حلاوة المولد لتحول الاحتفال بها من خانة المندوب إلى خانة الحرام شرعا؟!
يعود الأب بخفي حنين ورأسه لا تتوقف في البحث عن إجابات لأولاده عن سر عودته دون علبة الحلوى التي تطاردهم في الشاشات وهنا يقرر أن يسلك طريق السلفية وينتهج نهجهم وأن الاحتفال في أصله "بدعة" وأنه لا يوجد صحابي واحد احتفل بذكرى ميلاد النبي بعلبة حلوى وبالطبع ليس هناك من هم أفقه لدين الله من صحابة النبي ليبدأ باستخدام كاميرا هاتفه المحمول ليلتقط لزوجته اسعار علب الحلوى وتحليقها في سماوات بعيدة عن يديه لتشاركه إقناع الأولاد.
وبخطوات مثقلة ووجه متجهم يدخل الاب إلى المنزل فيلمح الأولاد وجهه ومن قبله يديه الفارغتين فيسالوه: مالك يا بابا
وهنا يرتدى الأب عباءة السلفية ويقول: الحمد لله يا ولاد كنا هنقع في غلطة كبيرة أووي
وباستعجاب يتساءل الأولاد عن تلك الغلطةالكبيرة التي تحزن الأب
ليردد عليهم : اسكتوا يا ولاد قابلت راجل لابس ابيض في أبيض وقال لي رايح تشتري حلاوة المولد حرام عليك يا أخي ده بدعة لم يفعلها النبي ولا صحابته لماذا تورد نفسك المهالك.
فيرد الأولاد: يعني غلط يا بابا فيرد مسرعا: طبعا تعالوا نقعد نستغفر ربنا عن السنين اللي فاتت أكيد هيسامحنا .
وهنا بقي السؤال هل لم تعد السعادة والبهجة سلعة مجانية هل مطلوب ان تكون غنيا لتسعد وتبتهج لماذا باتت مظاهر فرحتنا وسعادتنا باهظة الثمن لماذا نعقد حياتنا بمزيد من الاثقال.. فرحت اجيال كثيرة قبلنا بحصان أو عروسة من السكر كانت بهجة تزين يوم ميلاد أشرف الخلق الذي كان رحمة مهداة ومنبعا لسكون النفس واطمئنانها تعالوا جميعا نستعيد بساطة الحياة حتى تعود البهجة بدلا من أن تتحول إلى أقساط تخصم من الراتب أعيدوا مرة أخرى حساباتكم واعلموا أن النبى الأعظم ما بعث إلا رحمة للعالمين فلا تحولوا يوم مولده إلى يوم يحزن فيه أحد لمجرد انه رقيق الحال فجبر الخواطر كان نهج المصطفي فتعلموه واتخذوه قدوة ليفرح بنا يوم أن نلقاه وهو راض عنا .