الأحد 6 اكتوبر 2024

«كيرياليسون»!

31-5-2017 | 12:37

بقلم : مدحت بشاي

كلمة  “ كيرياليسون « يرددها المسيحيون فى كل الصلوات، ونسمع من يسير فى الشوارع يرددها وقد يكون الكثير منا أيضاً لا يعرفون ما معناها ..”كيرياليسون « هى كلمة من اللغة اليونانية تنقسم إلى قسمين كلمة « كيريه أو كيروس« بمعنى » الرب أو يارب ،وكلمة « أيليسون » ومعناها « ارحم أو أرحمنا » إذاً معناها مُجمعة « يارب ارحم أو أرحمنا يارب «فى كل صلواتهم يرددون «كيرياليسون» عدد ٤١ مرة وعدد ٤١ مرة مجمعة يُمثلون عدد الجلدات بالسياط الـ ٣٩ التى احتملها عنهم السيد المسيح فى رحلة الآلام يُضاف لها إكليل الشوك 
الذى وضع على رأسه، وأخيراً الحربة التى طُعن بها فى جنبه الأيسربعد موته على خشبة الصليب ..إذاً كلمة  «كيرياليسون» كلمة إذا تم ترديدها من قبل المُصلى فهى تذكره بآلام السيد المسيح الـتى احتملها من أجله، ومن أجل كل الخُطاة يكرهون الخطية ويرفضون العودة إليها من جديد .

وعليه، فإن طلب الرحمة و«كيرياليسون» يتكرر ترديدها من قبل المُصلى المسيحى فى أيام المحن والتجارب الصعبة كالتى يعيشها الآن فى زمن الانتقام الإخوانى ومن لف لفهم لكى يُعلن بعده عن تأييد نظام الحكم وعودته للانكماش داخل كنيسته من جديد عملاً بما أوصاهم به السابقون ألا تشاركوا فى الحياة السياسية والباب اللى يجيلك منه الريح سده واستريح، والأهم « أنتم تصمتون والرب يدافع عنكم » .. وبذلك يضمن أهل الشر تحييد الأقباط فى كل الأحوال ..

وعليه ، فقد أسعدنى كمواطن مسيحى خروج الكنيسة عن كل تلك المفاهيم والإصرار على ثقافة الحياة وحب الحياة الآمنة على لسان الأنبا روفائيل سكرتير عام المجمع المقدس وهو يصلى صلاة الجنازة على عدد هائل من الشهداء فى حدث سابق عندما حدد خطابه فى ٣ رسائل :

رسالة إلى السماء : نحن نؤمن بعدالة السماء وحكمة الخالق العظيم.

رسالة إلى مصرنا : ليس بسفك الدماء تنمو البلاد و لن نترك بلادنا .

رسالة إلى الأقباط : لن نترك إيماننا المسيحى، و أيضاً لن نتخلى عن قيمنا وأخلاقياتنا فى حب الآخر والعمل المشترك من أجل وطن واحد للجميع..

وعن الشهادة ومفهومها وقيمها ومعناها فى المسيحية، يقول لنا الآباء فى الكنيسة المصرية إن الاستشهاد فى اللغة العربية بمعنى قُتل فى سبيل الله، هذا هو المعنى الاصطلاحى لكن المعنى الاشتقاقى لكلمة الاستشهاد منشق من الشهادة، فاستشهد بمعنى سئل للشهادة ، أو طُلب للشهادة، والشهادة هى للإيمان الذى يدين به الإنسان ويزود عنه، هناك بعض الناس يقرؤها «إِستشهد لكنها أُستشهد» ، أُستشهد فلان أى طُلب للشهادة، فشهد للإيمان الذى يؤمن به..

وشهداؤنا سئلوا عن إيمانهم فجهروا به ، وأعلنوه فى قوة وفى جرأة، وكانت شهادتهم بمثابة كرازة للجميع.

معنى الشهادة إذن أن يشهد المسيحى للحق الذى يؤمن به، ويدعو الآخرين إلى أن يؤمنوا، وعليه كان الصليب على اليد، وهى معروفة عند الأقباط الدق بالإبرة وبنوع من الخضرة ليبقى فى اليد ولا يُمحى، لكن كان أساسه فى عصور الاستشهاد من حب المسيحيين للاستشهاد، ولخوف الآباء والأمهات على أطفالهم الصغار غير القادرين على الكلام، فلو قُتل الأب والأم من أجل المسيح، تكون علامة الصليب على يد الطفل تنطق بأنه مسيـحى لكى يضمنوا لهـم الأبدية.

والاستشهاد أيضاً معناه وفاء بالمعروف لأن إنكار المسيح خيانة ـ والاعتراف به وفاء بحبه وتقديرا لحبه وتكريما لدينه، وتذكيراً لمقولة السيد المسيح « من اعترف بى أمام الناس اعترف به أيضاً أمام ملائكة الله» ...

وقد يقول قائل ساخراً فى موقع لا يًقبل فيه الهزل بالطبع، أنه إذا كانت الشهادة على هذا النحو سبيلاً لدخول الشهيد ملكوت السموات، وفى المقابل يرى قاتله أن فى قتله السبيل إلى الجنة، فقد ضمنا نهاية أبدية ما أسعدها ممهورة بخاتم سماوى من خلال وجهتى نظرهما، فماذا نحن فاعلون لوقف سفك الدماء والسير فى اتجاه دعم الإيمان المشترك بقيم أخرى تنادى بها الأديان للوصول إلى عتبات الملكوت وأبواب الجنة بغير حلول القتل والاستشهاد ؟!!

لابد من البحث عن علاج جذرى للخلل الحادث منذ أكثر من نصف قرن، فى العلاقة بين أقباط ومسلمى الوطن الواحد، وبين الأقباط ودولتهم؟.. فالعلاج المخلص والعلمى لمستحيلاتنا الوطنية أمر غير متوقع طالما نكرر نفس ردود الأفعال برتابة غريبة تعتمد على إخماد مظاهرها الصاخبة أو الظاهرة بمنهج إطفاء الحرائق، والتوقف عند هذا الحد، دون البحث فى كيفية منع تكرارها، ولو بعد بضع أيام أو أسابيع.. فالحلول الجذرية تتطلب جهوداً وعزيمة، فهل بحق لدينا رغبة على دفع تكلفتها.. هكذا نجد مسلسلات مشاكلنا تكرر نفسها بنفسها، لنعيد نحن المهمومين بمصير وطننا تكرار تحذيراتنا وتحليلاتنا، كمن «يؤذن فى مالطة»، وهو الأمر الذى لا نملك سواه، بقدر ما لا نملك الصمت وانتظار المصير، حتى لو صدق علينا بحق قول القائل: «لقد أسمعت لو ناديت حياً  *  ولكن لا حياة لمن تنادى”!!

لا نقول أن الحلول الجذرية سهلة وميسورة، ولا تقتضى كما يتصور البعض إلا إصدار بضعة قرارات وزارية أو حتى جمهورية، لكى يستقيم الأمر ونشهد وطناً واحداً مستقراً لجميع أبنائه..

نعم هناك علاج عاجل وموضعى لمشكلة «المواطنة» فى مصر يمكن ويلزم الإقدام عليه فوراً، وأغلبه متضمن فى تقرير لجنة مجلس الشعب برئاسة د. جمال العطيفى عام ١٩٧٢، والذى قام به بعد ما سمى بالفتنة الطائفية، والذى دخل الأدراج ولم يعد من يومها، لكن العلاج الشامل للقضية مرتبط بقضية الإصلاح ( التغيير) لأحوال الوطن ككل، إذ يحتاج لأن تتحول مصر شعباً ودولة إلى كيان حديث، وتودع عصورها الوسطى، لتدخل عالم الألفية الثالثة بقيمه ومفاهيمه..

وأخيراً، أنقل لك عزيزى قارئ مجلتنا «المصور» تصور للصديق الفيسبوكى « ناصر عدلى» لعدد من الرسائل قد يبعث بها الشهيد :

من يحرض على تكفيرى وقتلى .

من يساعد فى تجهيز الحزام الناسف والأسلحة الآلية وعربات الدفع الرباعى لاستخدامها فى قتلى .

من يمد يده بالتمويل السخى إلى المنفذين والمستخدمين لقتلى .

من يخطط  ويفكر ويتابعنى ويتتبع خط سيرى ويراقبنى لقتلى .

من يُفتى بفتاوى الكفر وينعتنى بها ويعلم أنها تستخدم لقتلى  .