الثلاثاء 21 مايو 2024

سيّد.. الشعر لا يموت!

2-2-2017 | 23:09

بقلم: غالى محمد

لم يمهلنا القدر..!

جاء الخبر.. ثم سرعان ما تبخر أثره فى الهواء، فمثل سيد حجاب لا يعد فى الراحلين، إنه - كقلائل معدودين فى هذا العالم - من الأسماء التى لا تغيب، الموت وإن وارى جسده التراب، لم يوارِ تراثه الأدبى المسموع والمقروء هذا التراب، ولن يوارى انتماءه الوطنى، الذى كان يجرى منه مجرى الدم ويسكن القلب والعظام ويسرى مع الشهيق وحده دون الزفير.. لن يواريه التراب..! إذا أحصينا مثل سيد حجاب ممن (لايموتون) من الشعراء والأدباء والفنانين والسياسيين والمفكرين والبارزين النوابغ فى كل المجالات فى مصر خلال قرن من الزمان لما تعدوا الـ ٢٠ اسمًا أو الـ ٣٠ اسمًا..!

يمثل سيد حجاب تجربة ثقافية ضخمة، فهو الذى أصدر بالتعاون من اسمين آخرين مجلة (جاليرى ٦٨)، التى شكلت أهم منصة نشر أدبية فى أواخر الستينيات بكل ما تمثله هذه الفترة من حراك ثقافى لا يزال مؤثرًا إلى الآن، وهو الأب الروحى لشعراء ومثقفى جيل السبعينيات، وبعضهم منه بمثابة الابن، وهو الذى أخرج إلى الوجود أبرز أسماء مثقفى هذه الفترة ممن لايزالون لامعين فى الساحة الثقافية، بل إن بعضهم يمثل نجومًا للثقافة والفن فى مصر الآن..!

ويمثل سيد حجاب تجربة فنية شديدة الأهمية.. إذ إنه انتقل بالتترات الغنائية للمسلسلات من مجرد افتتاحية لطيفة يستمع إليها المتفرجون ويشاهدونها بالطبع، وتسهم فى إنجاح المسلسل، إلى عمل فنى مكمل للعمل الدرامى الأساسى.. بل ربما يفصح عما لايبوح به السيناريست من خلال العمل الدرامى إفصاحًا أكثر سهولة ووضوحًا، فضلًا عن استخدامه جزءًا من معجم الفصحى فى ألفاظه، جعلت هذه الأغنيات تمثل (قصائد مسموعة) ومغناة، تصل مباشرة إلى الوجدان الشعبى، ربما يفهمها هذا الوجدان بمستويات مختلفة ويقرؤها قراءات متنوعة، كلن جميع هذه القراءات يصل إلى المطلوب.. تمامًا.

ويمثل سيد حجاب تجربة فى الوطنية المصرية والعمل السياسى، إذ إنه من الرموز المخلصين لليسار الوطنى وأفكاره واتجاهاته، وقد دفع الثمن حين زج به فى السجن حينًا من الزمان - بضعة أشهر - هو وعدد من رفاقه بينهم عبدالرحمن الأبنودى، وتوسط لهم صلاح جاهين ولم تفلح وساطته، لكن استقبال ضيف مصر المثقف الإنسانى الرفيع (سارتر) واشتراطه الإفراج عنهم قبل أن يضع قدمه أرض مطار القاهرة، دفع شعراوى جمعة وزير الداخلية آنذاك يفرج عنهم.. كان هذا فى النصف الثانى من الستينيات قبيل العدوان الإسرائيلى ١٩٦٧، اللافت أن سيد حجاب ظل وفيًا للمبادئ التى أدخلته المعتقل.. إلى آخر يوم فى رحيله.. وتشاء إرادة الله عز وجل أن يغيبه الموت فى نفس يوم مولده السياسى، فحجاب ولد من جديد فى ٢٥ يناير ٢٠١١ المجيدة.. فيغيبه الموت فى ٢٥ يناير ٢٠١٧، كأن إرادة الله شاءت أن تجعله رمزًا حيًا هائلًا لذكرى ثورتنا الشعبية المجيدة، لاسيما أن حجاب كان فى طليعة المشاركين أيضًا فى ثورة ٣٠ يونيه المجيدة، التى أسقطت المحظورة، وهو الذى كتب بعد ذلك بأشهر ديباجة للدستور، الذى جرى الاستفتاء عليه فى يناير ٢٠١٤، والذى يعد من أفضل الدساتير المصرية انتصارًا للحريات والعدل الاجتماعى والحقوق والواجبات، وسيد حجاب هو الذى وضع ديباجة هذا الدستور، وهذه الديباجة - وحدها - وثيقة وطنية أدبية سياسية رفيعة المستوى!

على المستوى الشخصى، جمعنى بسيد حجاب لقاء وحيد، على مائدة الإفطار مع الزميلة ماجدة محمود رئيس تحرير «حواء»، ولمست فيه - رحمه الله- التواضع وحسن الخلق والنفس المبدعة.

“المصور” تحتفى فى هذا الملحق بسيد حجاب الوطنى والمثقف والفنان والأديب، احتفاء نرجو أن يكون لائقًا، يؤكد المعنى: الموت لا يهزم أمير الشعراء.. يهزم الجسد فقط!

لم يمهلنا القدر..!

شاءت إرادة الله أن يغيب عنا أمير شعراء العامية «سيد حجاب» - ذلك المثقف الوطنى رفيع القيمة عالى القامة - ونتلقى خبر رحيله، بينما كنا فى «اجتماع تحريرى» لوضع الخطوط الأساسية لهذا الملحق، الذى كان احتفاءً به وتشجيعًا له على الانتصار على محنة مرضه فى الشهور الأخيرة..!