الثلاثاء 28 مايو 2024

مذبحة دير الأنبا صموئيل.. وبداية ضرب الإرهاب الخارجى

31-5-2017 | 13:11

بقلم د.ناجح إبراهيم

يقع دير الأنبا صموئيل على مسافة ٣٥ كم من الطريق الصحراوى الغربى الذى يصل بين القاهرة والصعيد ليس هناك طريق يوصل بين الطريق الصحراوى الغربى ودير الأنبا صموئيل سوى مدق صحراوى صغير تتحرك عليه السيارات ببطء.

كل الأديرة فى مصر تقع فى الصحراء لأن الغرض منها السكينة وخلو الرهبان للعبادة والتأمل ويعتمد الدير على موارده الذاتية ويستقبل عادة الرحلات الكنسية للشباب والأطفال والنساء وتعتبر هذه الرحلات أشبه بالرحلات الدعوية الخلوية للكبار وأشبه بالتنزه الروحى الترفيهى للصغار.

رفضت معظم الأديرة من قبل إقامة حراسات شرطية عليها, خوفًا من تضييق هذه الحراسات عليها, أو تدخلها فى شأن الداخلين والخارجين , ظلت معظم الأديرة بلا أية حراسات ولم تدخل فى المنظومة الأمنية الشرطية من قبل.

لم تتصور الأديرة أن يحدث لها مكروه أو أن يقصدها أحد بسوء , كما أنها ظلت بمنأى عن أى استهداف سواء جنائيا أو سياسيا, فى المقابل حاولت مجموعات داعش والقاعدة مرات ومرات التسلل إلى مصر عبر الحدود الغربية المتاخمة للحدود الليبية من جهة وآخر الحدود السودانية من جهة أخري.

هذه الحدود طويلة جدًا, وتمثل التحدى الاستراتيجى الثانى بعد إغلاق وتدمير كل الأنفاق وعمل منطقة عازلة على الحدود الشرقية وخاصة بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية.

هذه الحدود الطويلة والتى يبلغ طولها ١٠٥٠كم , يمر عبرها قرابة ٤٥ مدقًا صحراويًا شهيرًا,ويعد مدق وادى عقرب ووادى النطرون أشهر مدقات التهريب عبر هذه الحدود، ولا تستطيع السيارات العادية عبور هذه المدقات الصحراوية الخطيرة, فيلجأ من يريد الهروب إلى استخدام الجمال أو سيارات الدفع الرباعى التى تسير فى الصحراء كما تسير على الأسفلت.

الشهر الماضى وحده تم رصد وتدمير أكثر من ٣٠٠عربة دفع رباعى اخترقت هذه الحدود بواسطة طائرات الهليكوبتر المصرية.

أشار الرئيس السيسى إلى أنه تم تدمير قرابة ألف سيارة دفع رباعى اخترقت هذه الحدود.

فى الجانب الليبى المقابل هناك مدينة درنة وهى من أقرب المدن الليبية للحدود المصرية, على أطراف درنة توجد معسكرات لمجموعات مسلحة تابعة لما يسمى «أنصار الشيعة» وهى الفرع الليبى لتنظيم القاعدة الذى أسسه أسامة بن لادن. تم اختراق إرهابى للحدود المصرية فى مرتين شهيرتين تحدث فيها عملية الفرافرة ١, الفرافرة ٢. معظم قادة «أنصار الشريعة» فى مدينة درنة مصريون ولهم عداء تقليدى بكل حكام مصر.

لن ينتهى الإرهاب فى مصر إلا إذا تحولت سوريا وليبيا واليمن والعراق إلى دول مستقرة سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا والتأمت لحمتها الوطنية.

فى شهر مارس الماضى تم الهجوم على كمين شرطة النقب الذى يقع على مدخل الطريق الصحراوى من أسيوط إلى الوادى الجديد, أى أنه يقبع على بداية الصحراء الغربية المتاخمة للحدود المصرية الليبية وآخر الحدود المصرية السودانية, مما يدل على أن مجموعة إرهابية مسلحة بدأت تعمل فى هذه المنطقة الصحراوية, مما يعيد للأذهان ذكرى أخطر الحوادث الإرهابية مثل «الفرافرة١, الفرافرة٢». تحول ليبيا إلى دولة مستقرة أسهل من سوريا بكثير, لكن هناك دولا كثيرة تحول بين ذلك , مصر تريد استقرار ليبيا, ولكن بريطانيا تريد تنفيذ عقود تنقيب عن البترول عقدتها من قبل مع القذافى كشرط لعودة ليبيا كدولة , وإيطاليا تفعل مثل ذلك, وألمانيا تتحرك فى الملعب الليبى نيابة عن إيطاليا وفرنسا. هناك قطر تنقب عن الغاز وتصدره وتخشى من عودة الدولة الليبية التى لن تتركها تصنع ذلك.

الكل هناك يريد مصلحته, عندما عقدت مصر مؤتمرًا للمصالحة بين الأطراف الليبية, ردت عليها بعض هذه الدول بمؤتمر آخر يحبط المؤتمر الأول, نكاية فى مصر وليس سعيًا للمصلحة الليبية.

دير الأنبا صموئيل ملاصق للصحراء الغربية فى حدود مغاغة بالمنيا من الغرب, المدق الصحراوى إلى الدير ليست عليه أية خدمات , لا شبكة اتصالات , ولا إنارة, ولا رصف, لو مات فى هذا المدق العشرات ما سمع بهم أحد, الطريق الصحراوى الغربى للصعيد نفسه مهمل جدًا, لا مقارنة بينه وبين طريق مصر اسكندرية الصحراوى.

وقع الحادث فى العاشرة صباحًا, لم يعلم به أحد, ولولا أن سيارة جاءت تزور الدير بعد ساعة فوجدت المذبحة وآثارها ما عرف أحد.

جاءت سيارتا الدفع الرباعى من الصحراء الغربية, نفذت المذبحة وعادت للصحراء مرة أخرى , سيارات الدفع الرباعى نادرة لدى أى صعيدى حتى لو كان ثريًا, استخدامها معروف هى من الصحراء والرمال ثم إليها.

كان الإرهابيون يلبسون أحذية ميرى حتى لا تغرز أقدامهم فى الصحراء , ظنت النيويورك تايمز أنهم يلبسون ملابيس عسكرية , لم تدقق فى شيء ,كانوا يلبسون ملابس عادية ويغطون وجهوهم «ملمثين» لكن الأحذية مثل السيارات لزوم الصحراء.

قد يكون أحد الارهابيين أو بعضهم يعرف هذه المنطقة والدير , أوقفوا الأتوبيس الذى يقل الرحلة للكنيسة, قتلوا الرجال, وتركوا معظم الأطفال , ولكن بعضهم أصيب , أغلقت عليهم الحدود الشرقية القصيرة نسبيًا والمؤمنة تأمينًا غير مسبوق, جاءوا عبر الحدود الغربية , قد يكون لهم موطئ قدم فى الواحات أو الفرافرة أو فى أى منطقة فى الصحراء الغربية.

جربوا الاصطدام بالأهداف الصلبة «الجيش والشرطة» ففشلوا ومنوا بخسائر جسيمة, توجهوا إلى الأهداف الرخوة السياحة, الكنائس, التجمعات المسيحية.

أطلقت داعش منذ فترة تهديدًا باستهداف التجمعات المسيحية , اهتم المسيحيون بهذا البيان واعتبروه تهديدًا جديًا, مشكلة تأمين الكنائس والأديرة, أنها فى كل مكان , وأن التوتر الأمنى لابد وأن تخف حدته بفعل الزمن والعوامل الإنسانية التى تميل عادة إلى الاسترخاء بعد فترة شد عصيبة.

سيكون على الدولة المصرية أن تمد شبكتها الأمنية من الآن فصاعدا إلى الأديرة والرحلات الكنسية باعتبارها نوعا من التجمعات وخاصة أنها تكثر فى الصيف والأجازات.

التأمين عادة يضايق الآخرين ولكنه أفضل على كل حال من تكرار مثل هذه الكارثة , صعد الإرهابيون الأتوبيس بعد استيقافه , قال أحدهم:ندعوكم إلى الدخول فى الإسلام , رفضوا وقالوا: نحن نشأنا على المسيحية وسنموت عليها , هذه القصة رواها مطران مغاغة نقلًا عن شهود الحادثة الذين نجوا من الموت, أعتقد أنها صحيحة لأن عقل هؤلاء الإرهابيين فارغ من فهم الإسلام ولا معرفة الأديان.

الإسلام كسائر الرسالات لا يأتى كرهًا, ولا يقع كرها والإيمان لا يكون بالإكراه , «لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ « آية عظيمة يعرفها الجميع ويفهمونها, ولكن عقل هؤلاء لا يدرك معناها , لم يفهموا رسالة القرآن التحذيرية» فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ «, وكأن القرآن يخاطبهم بأعيانهم.

هؤلاء يقرأون القرآن ولكن كما قال رسول الله (ص):لا يجاوز حناجرهم , ولا يصل إلى عقولهم أو تتشربه قلوبهم , وكأنهم لم تصادفهم يوما الآية العظيمة «فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ «,أى حمق وجنون يفعله هؤلاء, إنهم يحطمون الإسلام ويقتلونه مع كل رصاصة يطلقونها على إنسان برئ, ما دخل هؤلاء بصراعات السياسة , وما ذنبهم حتى يقتلوا بدم بارد.

أحسنت الدولة المصرية حينما قصفت معسكراتهم قبل مرور يوم على دماء هؤلاء الأبرياء, من يحمل السيف فليس له إلا السيف, ومن يحمل غصن الزيتون فله الأحضان والأغصان والورود, هكذا جرت السنة فى الحياة والأديان.

كل تصرفات هؤلاء تضر الإسلام والمسلمين وتؤذيهم قبل أن تضر غيرهم, الظلم ظلمات, والله هو العدل وللعدل, وبالعدل أنزل الله الكتب وأرسل الرسل وأقام الموازين ليوم القيامة.

هذه أول مرة ينضبط فيها الإعلام المصرى ولا ينشر صور القتلى والجرحى وخاصة من النساء والأطفال فى الحادث, لأن نشر مثل هذه الصور كان سيضر الوحدة الوطنية المصرية ضررًا بالغًا ويهيج ملايين المسيحيين المصريين فى الداخل والخارج , ويشجع منفذى الهجوم على الشعور بالنجاح وإيلام الدولة والمسيحيين , مما يجعلهم يكررون مثل هذه الأحداث , ولم يشذ عن ذلك سوى بعض المواقع المصرية والقنوات العربية , والمعروف أن أكثر ما يضر مصر هو إعلام الدماء من الطرفين من أيام فض اعتصام رابعة العدوية, وحتى اليوم.