السبت 23 نوفمبر 2024

الإرهاب فى سيناء وعلاقته بالأوضاع فى قطاع غزة

  • 31-5-2017 | 13:22

طباعة

بقلم : اللواء محمد إبراهيم

لا يمكن لأى متابع عن كثب لتطورات العمليات الإرهابية فى سيناء أن يفصل تصاعد ظاهرة الإرهاب فى تلك المنطقة عن طبيعة ما يجرى من أحداث فى قطاع غزة وبالتالى يصبح من الضرورى علينا أن نوضح خلفيات وأبعاد وأسباب هذه العلاقة وكيف حدث هذا التأثير، حتى نصل فى النهاية إلى إجابة قاطعة على سؤال فى غاية الأهمية وهو إلى أى مدى تأثر الأمن القومى المصرى سلباً خاصة على حدودنا الشرقية بالأوضاع المختلفة فى قطاع غزة .

بداية يجب أن نشير إلى أربع نقاط هامة ترتبط ارتباطاً مباشراً بالأوضاع فى سيناء وهى كما يلى:-

من المستحيل أن نتجاهل المشروع الإسرائيلى المعروف باسم مشروع جيئورا أيلاند وهو مشروع مطروح فى مراكز البحث الإسرائيلية منذ السبعينات ولا يزال قائماً حتى الآن ويهدف إلى استقطاع أراض من سيناء لصالح قطاع غزة من أجل أن يتمدد أفقياً وليس رأسياً فقط فى مقابل تعويض مصر بأراض مماثلة من حيث المساحة فى صحراء النقب الإسرائيلية .

إن ظاهرة الإرهاب فى سيناء تعد ظاهرة حديثة حيث بدأت العمليات الإرهابية أولاً فى جنوب سيناء بين عامى ٢٠٠٤ و ٢٠٠٥ ثم هدأت إلى حد كبير وانتشرت بعد ذلك فى شمال سيناء بشكل ملحوظ ولازالت تنشط حتى الآن فى هذه المنطقة، رغم أنها تتقلص بصورة تدريجية.

أن معاهدة السلام المصرية / الإسرائيلية الموقعة عام ١٩٧٩ حددت حجم القوات المصرية فى سيناء ولاسيما المنطقتين ب / ج وهو الأمر الذى ساعد على انتشار الإرهاب فى هذه المنطقة مستغلاً عدم وجود قوات كافية وقادرة على مواجهته، رغم أن هذا الوضع بدأ يتغير مؤخراً.

أن الدولة المصرية لم تعط الاهتمام الكافى لتنمية سيناء بعد الانسحاب الإسرائيلى منها عام ١٩٨٢ وبصورة أدق يمكن القول أن المؤسسات المصرية لم تنجح فى أن تملأ الفراغ الناشئ عن هذا الانسحاب وهو الأمر الذى بدأ يتغير أيضاً فى المرحلة الراهنة.

وفى نفس الوقت من الضرورى أن نطرح ثلاثة أسئلة رئيسية لتساعدنا فى تفهم التهديدات الواردة من قطاع غزة والمؤثرة على الأمن القومى المصرى وذلك كما يلى:-

السؤال الأول ما هى طبيعة السلطة الحاكمة بالفعل فى قطاع غزة وما مدى قدرتها أو رغبتها فى عدم المساس بالأمن القومى المصرى.

السؤال الثانى إلى أى حد هناك علاقة قائمة بين التنظيمات المتطرفة فى قطاع غزة والجماعات الإرهابية فى سيناء.

السؤال الثالث ما مدى وجود أفق سياسى لحل المشكلة الفلسطينية باعتبار أن قطاع غزة يعد جزءا رئيسيا من الدولة الفلسطينية المزمع إقامتها.

ومن المهم ونحن نتحدث عن الوضع فى قطاع غزة أن نشير إلى بعض المعطيات الرئيسية فى هذا الشأن أهمها أن الحدود المصرية مع قطاع غزة تصل إلى حوالى ١٤ كم, ويتمتع القطاع بأعلى كثافة سكانية فى العالم (حوالى ٢ مليون نسمة فى مساحة تقل عن ٤٠٠ كم مربع), كما يقع على حدود القطاع مع مصر المعبر الرئيسى بين غزة والعالم العربى وهو معبر رفح البرى, ويوجد بالقطاع أكثر من عشرين تنظيما وفصيلا من مختلف التوجهات بين دينى وسياسى وعسكرى.

هناك مجموعة من نقاط التحول المفصلية التى حدثت فى قطاع غزة والتى أثرت على الوضع فى سيناء بداية بانسحاب إسرائيل من القطاع فى سبتمبرعام ٢٠٠٥ مروراً بإجراء الانتخابات التشريعية وفوز حماس بها فى يناير ٢٠٠٦ وانتهاء بسيطرة حماس على القطاع تماماً فى منتصف ٢٠٠٧ وطرد السلطة الفلسطينية الشرعية ومؤسساتها الهامة من القطاع, وقد بدأ فى هذا التوقيت الظهور العلنى للعديد من الجماعات المتطرفة والمتشددة، بل وشديدة التطرف فى القطاع مثل جيش الإسلام وجلجلت وأصبح لها ارتباطات وعلاقات قوية مع جماعات مماثلة فى سيناء, وبدأت هذه الجماعات فى الخروج حتى عن عباءة حماس نفسها، مما أدى إلى حدوث مواجهات عنيفة بينهما ولازالت بعض هذه الجماعات قائمة حتى الآن.

أما الأمر شديد الأهمية والجدير بأن نشير إليه هنا فهو التزامن بين سيطرة حماس على القطاع وبدء أخطر عملية مساعدة للإرهاب، وأعنى بها سياسة حفر الأنفاق على الحدود بين غزة ومصر، بحيث أصبحت هذه الأنفاق منظومة تجارية واقتصادية وأمنية متكاملة خضعت لسلطة وسيطرة حماس, وقد سهلت هذه الأنفاق تهريب كل ما يمكن تهريبه فى الاتجاهين من ذخيرة ومتفجرات وأفراد مطلوبين وأسلحة خفيفة وثقيلة, مما وفر البيئة الحاضنة للإرهاب فى سيناء وتقديم كل أنواع الدعم اللوجيستى له من أسلحة وتدريب وإيواء وهو ما ساعد على تصاعد العمليات الإرهابية فى سيناء ضد عناصر القوات المسلحة والشرطة والمدنيين, ولابد هنا من الإشارة إلى مثالين يعبران عن حقيقة هذا الأمر أولهما اقتحام واجتياز مئات الآلاف من سكان القطاع الحدود مع مصر فى يناير ٢٠٠٨, وثانيهما تفجير خطوط الغاز فى سيناء أكثر من ٤٠ مرة وخاصة فى أعقاب ثورة ٢٥ يناير.

وفى الجانب المقابل من الضرورى أن نشير إلى أهم نقاط التحول الإيجابية فى هذا المجال وأقصد بها ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، حيث نجحت قواتنا المسلحة الباسلة وقوات الشرطة فى القيام بأكبر عمليات لمواجهة الإرهاب فى سيناء بنجاح وشجاعة ولاسيما عمليات تدمير الأنفاق واقتحام كافة البؤر الإرهابية فى كل سيناء, ومن المؤكد أنه لولا هذا الجهد الشاق الذى قام به أبناؤنا الأبطال لم يكن يتسنى لنا استرجاع سيناء إلى حض الوطن الأم وتحريرها من الإرهاب بشكل كبير بعد تحريرها من الاحتلال الإسرائيلى عام ١٩٨٢ رغم الثمن الذى ندفعه وسقوط العديد من الشهداء دفاعاً عن الأرض.

وفى النهاية لابد أن نشير إلى أن معركتنا مع الإرهاب متواصلة حققنا فيها نجاحات غير مسبوقة وخاصة فى سيناء وهو أمر شهد له الجميع فى الداخل والخارج, وفى رأيى فقد أصبح من الواجب علينا الاستمرار والتركيز فى حركتنا وجهودنا لمواجهة الإرهاب أن نسير فى مسارين متوازيين وهما الأمن والتنمية الاقتصادية، وهو ما يتم حالياً بصورة واضحة مع مواصلة التأكيد وتفعيل مبدأ أن الأمن القومى المصرى يعد خطاً أحمر لن نسمح لأى قوى مهما كانت أن تحاول العبث به, مع التحرك خلال الفترة القادمة لحل القضية الفلسطينية باعتبار أن حلها سيكون له آثار إيجابية على تحقيق الاستقرار فى المنطقة بصفة عامة وقطاع غزة بصفة خاصة.

    الاكثر قراءة