كشف استطلاع "رأي الشباب العربي" الذي تقوم به سنويا شركة "أصداء بي سي دبليو" الشرق الأوسط، أن غالبية الشباب العربي يرى أن أفضل أيامه هي القادمة، وأن الأفضل لم يأت بعد.
وشمل الاستطلاع 3400 شاب عربي من 50 مدينة بـ 17 دولة، وكانت تترواح أعمارهم بين 18 و24 عاما، في الفترة الممتدة من 6 إلى 30 يونيو، ويوضح استشاري بالصحة النفسية أن هذه النتيجة وصلنا إليها بعد جهد كبير، حيث أن الاستقرار السياسي يمثل حجر الأساس في عودة روح الشباب للارتفاع.
ورغم تأثر العالم بجائحة كورونا إلا أن 60% من الشباب أعربوا عن تفاؤلهم بالمستقبل، ويعد هذا هو أعلى مستوى في التفاؤل منذ 5 سنوات، وقال 48% من الشباب المشاركين بالاستطلاع إنهم يتوقعون حياة أفضل من التي عاشها آباءهم، حيث يرى أغلب الشباب أن حكومات البلاد تسير في الطريق الصحيح، كما يتوقعون انتعاشا اقتصاديا في عام 2022م.
وقد أوضح تقرير الاستطلاع أن هذه النتائج مهمة جدا للعالم العربي، لأن 60% من سكان العالم العربي من الشباب دون سن الخامسة والعشرين، ويبلغ عدد الشباب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حوالي 200 مليون شاب، وتعد نتائج الاستطلاع على درجة عالية من الأهمية لأن العالم العربي قد مر بعقد من الانتفاضات النابعة من عدم رضا الشباب.
ويواجه الشباب الآن العديد من التحديات، وتعد جائحة الكورونا هي التحدي الأكبر أمامهم الآن، فهي تمثل عائق كبير أمام الازدهار الإقليمي، وحتى الآن قتلت الكورونا ما يقرب من 200 ألف إنسان في المنطقة، وتكلفت اقتصادات المنطقة العربية ما يقرب من 230 مليار دولار بسبب الجائحة، حيث فقد واحد من كل ثلاثة شباب عمله، وقال 90% من المشاركين بالاستطلاع إن الوباء يمثل مصدر قلق رئيسي للمستقبل.
وبخلاف التوقعات فإن الوضع السائد بين الشباب هو التفاؤل، وهذا التفاؤل هو الأعلى في منطقة الخليج، حيث تأتي دولة الكويت في المرحلة الأولى بنسبة 92% من الشباب متفائلين، وتليها الإمارات العربية المتحدة بنسبة 90%، والمفاجئ هذا العام هو تفاؤل في الدول غير المستقرة، حيث أظهر الاستطلاع أن 36% من الشباب متفائلين في سوريا، وكانت العام الماضي نسبة 12% فقط، كما تم تسجيل زيادات أخرى في لبنان وفلسطين واليمن، ووصلت نسبة الشباب المتفائلين في مصر إلى 70%، وهو ما يعكس قدرة مصر على التعامل مع جائحة الكورونا.
ومن الجدير بالذكر إن الشباب العربي لا يتفائل لمجرد أن يخدع نفسه بعيدا عن تحديات الواقع، فالشباب العربي على إدارك بالتحديات الحالية، حيث أعرب 89% من الشباب عن قلقهم البالغ من ارتفاع تكاليف المعيشة.
كما أكد 8 من كل 10 شباب أن البطالة وجودة التعليم من أهم الأزمات التي نواجهها الآن، كما أن ثلث الشباب تقريبا يكافحون لتغطية نفقاتهم.
ويرى أغلب الشباب أن اقتصاد بلادهم يسير في المسار الصحيح، وأشارت نتائج الاستطلاع إلى ازدياد نسبة الشباب العرب الذين يثقون في حكوماتهم لمعالجة مشكلاتهم، حيث يعتقد نحو ثلاثة أرباع الشباب العربي (72%) أن حكوماتهم تهتم بآرائهم، وتزداد النسبة من الشباب في دول الخليج لتصل إلى 88%.
أسباب ارتفاع معدلات التفاؤل
قال الدكتور وليد هندي استشاري الصحة النفسية في تصريحات لـ"دار الهلال"، التفاؤل له العديد من الآثار النفسية على الإنسان، أهمها رفع معدل الصحة النفسية، الاعتدال في جميع سلوكيات الحياة، ورفع مستوى الإنجاز والطموح، ويجعل الإنسان أقل عرضة للأمراض النفسية مثل الاكتئاب والقلق، واليأس.
وأشار إلى أن البيئة العربية ثلث سكانها من الشباب، وقد ارتفعت معدلات التفاؤل بشدة عند الشباب العربي في السنوات الستة الأخيرة، بسبب عودة الاستقرار السياسي من بعد ثورات الربيع العربي، التي شهدت خراب، وتبديل أنظمة سياسية وتنفيذ أجندات دولية، وهو ما أحدث حالة من التشاؤم عند الشباب.
وتابع بعد انقضاء ثورات الربيع العربي عاد للشباب الأمل بسبب وجود حكومات وطنية، تهتم بصالح الوطن، وترعى الشباب، وهو ما أحدث شعور بطمأنينة نفسية، وهي ما رفعت معدل التفاؤل، وكذلك الشعور بالأمن النفسي بعد ما حدث في الثورات من انفلات أمني، أدى إلى انتشار القتل والاغتصاب والسرقة، وكثرة الاحتجاجات التي أرهقت الشباب.
الجهود الوطنية للنهوض بالشباب
ومن جانب آخر، قال إن الاهتمام بالصحة العامة جعل الشباب متفائل، فقد تم التعامل مع عدة أمراض، مثل فيرس الكبد الوبائي، والكشف المبكر عن أمراض السمنة والنحافة، وفقر الدم، وقصر القامة، وكذلك الاهتمام بالصحة الإنجابية والجنسية والصحة النفسية عند الشباب, والذي كان أمر ضروري لرفع روح التفاؤل عند الشباب.
وأكد أن الكشف على المخدرات في المدن الجامعية ساعد في القضاء على الإدمان والتعاطي والتدخين، وهو ما جعل الشباب أكثر تفاؤلا، مضيفا المشروعات الواعدة لها دور كبير أيضا، فإنها تعطي أمل بأن الغد مشرق، وقد قامت في مصر العديد من المشروعات سواء في المجال الزراعة، أو الثروة السمكية، والإنتاج الحيواني، وإقامة المساكن للشباب.
وأشار إلى انخفاض معدلات البطالة، حيث أن قيام العديد من المشروعات أدي إلى توفير فرص عمل كثيرة للشباب، وزادت مساحة الأراضي المستغلة في مصر، فقد كانت مصر تستغل 7% فقط، والآن وصلت هذه النسبة إلى 14%، وإقامة مدن جديدة مثل الجلالة العلمين، وكذلك مشروعات الطرق وتنشيط السياحة.
كما انخفضت نسبة العنوسة بشكل واضح، ومن جانب آخر زيادة نسبة المشاركة السياسية وهو ما زاد من شعور الشاب بتحقيق الذات، والذي تمثل في وجود الشباب في المؤتمرات الرئاسية ومجلس النواب والعديد من الهيئات، وكذلك المجالات الجديدة الواعدة في التعليم الجامعي.
وأشاد بما قدمته الحكومات العربية في تعاملها مع جائحة كورونا، حيث أنها تخطت الأزمة بأقل خسائر ممكنة، وهو ما زاد من ثقة الشباب بحكومتهم، مؤكدا على أن تمكين الشباب أضاف من ثقتهم بحكومتهم، كما ارتفعت جودة الحياة، كل هذه العوامل رفعت من معدلات التفاؤل عند الشباب، والثقة بأن القادم أفضل، وأننا نسير في الاتجاه الصحيح.