مع الأسطورة التى وُلدت نغمًا وعاشت نغمًا وستظل نغمًا.. مع كوكب الشرق.. أم كلثوم.. وعلى مدى ساعة ونصف الساعة أجرى الصحفى سمير عبدالمجيد معها هذا الحديث.
سأل سيدة الغناء العربي:
مع أننى أعلم مثلما يعلم الجميع أن دورك لم يقف عند حد ما قدمتِ من تبرع شخصي، بل تعداه إلى جولاتك الفنية فى المحافظات، فإننى أود أن أسألك ما هو شعورك إزاء هذا العمل الوطنى الكبير الذى تقومين به، والذى أصبح مفخرة للأمة العربية كلها؟
وأجابت أم كلثوم:
الواقع أننى ما قمت بشيء أكثر من أداء واجبى نحو بلدى وأبناء هذا البلد العريق.. وكل أبنائنا فى الوطن العربى الكبير.. وأى جهد أو تضحية يبذلها مواطن أو مواطنة من أجل عزة بلده واجبٌ لا يقف الإنسان بعده لينتظر الجزاء أو الثناء، إنما التحية أوجهها أنا إلى كل سيدة أسهمت وتسهم فى العمل الوطنى الذى نسعى لتحقيقه، وإذا كان لى الشرف أن يُعلن دورى فى هذا العمل، فإننى أحيى مئات من سيداتنا العاملات اللائى قمن ويقمن بدور كبير فى هذا المجال دون أن تعرف الأضواء طريقها إليهن.
وسألت كوكب الشرق:
“التجمع الوطنى للمرأة» هو الاسم الذى أُطلق على المجموعة التى تشرفين عليها من سيداتنا وآنساتنا العاملات فى مجال الخدمة الوطنية.. هل لنا أن نسألك تعريفًا لهذا التجمع؟
وأجابت أم كلثوم:
أحب أن أوضح أن التجمع الوطنى للمرأة لا يدخل تحت إشراف جمعية أو اتحاد، بل هو تجمع لسيدات الجمهورية العربية المتحدة، ويدخل فى نطاقه كل جهد لكل أخت ومواطنة ترغب فى الانضمام إليه سواء من الجمهورية العربية المتحدة أو من الدول العربية الشقيقة. وعندما فكرت فى أن أسهم بنصيب فى خدمة وطني، فلقد تصورت أن أنجح الأعمال هو العمل الجماعي، ومن هنا عملت مع زميلاتى على تجميع أكبر عدد من سيداتنا، وفى هذا السبيل أجريت عدة اتصالات مع الجمعيات الخيرية والهيئات النسائية لا بصفتها هيئات لها شخصية معنوية، بل باعتبارها مراكز تجمع للسيدات العاملات فى مجال الخدمة العامة. كما تطوع معنا فى هذا الواجب الوطنى والإنسانى عدد كبير من السيدات من خارج نطاق الجمعيات، كربات البيوت والموظفات والعاملات وطالبات الجامعة. وقد وضعنا تخطيطًا وبرنامجًا لعملنا يتم على مرحلتين:
المرحلة الأولى يتم تنفيذها سريعًا كجمع التبرعات المادية والحُلى وإقامة المعارض التى تسهم فيها الجمعيات الخيرية والسيدات بمنتجاتهن اليدوية لبيعها فى الأسواق الحرة والمناطق السياحية فى بلدنا، وتصدير بعضها إلى الدول الصديقة للحصول على عملات صعبة من أجل المجهود الحربي. كذلك القيام بخدمة أسر الشهداء والجنود فى الميدان حتى يطمئن كل جندى على أسرته من حيث حل مشاكلها أو رعايتها، كما نقوم بالدعاية بالخارج عن طريق المطبوعات التى نوفرها للمواطنين لإرسالها لأصدقائهم فى جميع دول العالم.
والمرحلة الثانية من رسالة التجمع الوطنى يتم تنفيذها تدريجيًا وسوف تستمر هذه المرحلة حتى بعد أن نحقق النصر بإذن الله، وذلك مثل التوعية بدور المرأة العربية فى هذه المعركة المصيرية، ونشر الوعى القومى والادخارى وخاصة بين السيدات والعائلات ومناشدتهن الاقتصاد بقدر الإمكان ومحاربة الإسراف والعمل على مضاعفة الإنتاج، حتى ترتفع المرأة إلى مستوى المعركة وتؤدى واجبها خير أداء.
أما لماذا أطلقنا على عملنا اسم «التجمع الوطنى للمرأة»، فذلك حتى نبتعد بعملنا عن الروتين الحكومى لنوفّر الوقت والجهد، فمثلا قامت سيدات التجمع الوطنى بعمل أشغال يدوية ومنتجات جميلة صُدّرت للخارج وبيعت بالعملات الصعبة. فلو كان عملنا يتبع هيئة معينة لتعطل بعض الوقت لتعدد الاختصاصات وتعقيد الإجراءات الروتينية التى لا داعى لها لمثل هذا العمل الخيرى وخاصة فى هذه الظروف.
وقلت لأم كلثوم:
رغم التغيير الكبير الذى طرأ على مجتمعنا، فما زالت بعض العادات والتقاليد القديمة تتحكم فى كثير من تصرفات «ست البيت» وترهق حياتها وميزانيتها؟
وأجابت أم كلثوم:
الحقيقة أن «النفخة الكدابة» والمظاهر والتقليد الأعمى.. عُقد تتحكم فى كثير من تصرفاتنا. فمثلًا ما زال كثير من الأمهات والفتيات يتمسكن بشراء فستان زفاف غالى الثمن من أجل ارتدائه ليلة واحدة، والإسراف الكبير فى ميزانية الأب والزوج على السواء. فلماذا لا يقوم الزواج على أسس من التفاهم والتعاون المشترك بين العريس وعروسه لتأثيث بيت الزوجية بالتدريج حسب إمكانياتهما؟ وبالله عليك أيهما أفضل: أسرة جديدة ترهقها المشاكل وديون الزواج قبل أن ينتهى شهر العسل، أم أسرة سعيدة متعاونة تبنى عشها بالتدريج قطعة قطعة؟
وأمثلة أخرى من التقاليد التى يجب أن نتخلص منها: الكرم الحاتمى الزائد على الحد فى إقامة الولائم والعزائم بمناسبة وبدون مناسبة من أجل المظاهر الكدابة، والإسراف فى المناسبات كشهر رمضان والأعياد مثلا.
إن كلمة العيد ترتبط ارتباطًا وثيقًا بكلمة السعادة، والسعادة لا تتفق مع الاستدانة. فليس من المعقول إذن أن تلح ست البيت على رب الأسرة فى الاستدانة لشراء كل جديد للصغير والكبير. ليس عيبًا أن تدبر ست البيت فستانًا جديدًا لابنتها الصغيرة من فستان ضاق عليها هي، فتعيد تفصيله على أحدث موديل، وإنما العيب كل العيب أن «تنكد» حياتها وحياة الأسرة بطلبات كثيرة وتحرض الزوج على الاستدانة بدعوى كلمات عجيبة منتشرة بين كثير من الأسر: «اشمعنى فلانة»، «طيب وأنا مالي». وليس معنى ذلك أن تحرم أطفالها من ارتداء الجديد، ولكن عليها أن تدبر أمرها فى حدود إمكانيات زوجها. وعلى هذا الأساس فإن الست العاقلة – وخاصة ذات الإمكانيات المحدودة – يجب أن تصرف النظر عن الحكاية القديمة «خروف العيد». مش معقول خروف كامل لها ولأولادها الصغار وفى البلد أزمة فى الثروة الحيوانية.
فساتين فوق الركبة!
وكان طبيعيًا أن أسأل السيدة أم كلثوم بعد ذلك عن رأيها فى مشكلة هامة، على الرغم من كل المحاولات التى بذلت للوصول إلى حل لها، فإنها لا تزال بغير حل.. وأعنى بها مشكلة تنظيم النسل. وقلت للفنانة العظيمة:
ما رأيك فى الرقم القياسى الذى يفخر به بلدنا فى إنجاب الذرية الصالحة؟
وضحكت أم كلثوم.. كما ضحك ابن شقيقتها المهندس رفعت الدسوقى وقالت:
الذرية الصالحة مشكلة فعلا، لا من حيث هى «صالحة»، ولكن من حيث هى «ذرية» وكثيرة. فلقد قفزت خلال الأعوام الأخيرة أرقام زيادة السكان فى بلادنا إلى درجة تكاد تكون مذهلة. فالمواد الغذائية والمواد الضرورية يبتلعها أولا بأول ذلك الغول الرهيب الذى نطلق عليه «زيادة السكان». ومهما بذلت الدولة من جهود لزيادة مساحة الأراضى الزراعية التى تمدنا بالغذاء، ومهما استوردنا من مواد تموينية وغذائية، فلن نتمكن من سد احتياجاتنا المتزايدة كل عام نتيجة لاتساع «فم» هذا الغول.. أو بمعنى أدق لزيادة عدد السكان. إن نسبة كبيرة من المواطنين، رجالا ونساءً، لا تكتفى بطفلين مثلًا حتى يمكن تربيتهما تربية سليمة، بل يتباهى كثير من الرجال والنساء فى القرية والمدينة بعدد الأطفال!
وسألت أم كلثوم:
من المسؤل عن ميزانية البيت.. الرجل أم المرأة؟!
فأجابت:
الست طبعًا هى المسؤلة عن الميزانية.. هى فى نظرى وزيرة اقتصاد، والرجل رئيس وزارة فى البيت وله فقط حق الإشراف، وأن يحتفظ بالطبع بمصروفه الشهرى الذى يكفيه مع مراعاة تنازله عن كل ما يزيد على احتياجه الفعلي. والمهمة بعد ذلك مهمة الزوجة، فهى المسئولة الأولى عن إدارة شئون الأسرة. ولكى تستطيع ذلك ولكى توفر السعادة لنفسها ولأولادها، يجب أن تبدأ على الفور فى وضع تخطيط كامل كل شهر حسب الاحتياجات الضرورية لأفراد الأسرة، وفى حدود هذه الميزانية تدبر أمرها وتوازن بين دخل زوجها وبين المصروفات وتفرق بين ما هو ضرورى وبين ما هو كمالي، وتضغط بقدر الإمكان على البنود غير اللازمة وتعمل على صرفها فى مكانها الصحيح. ومعنى ذلك أن الزوجة التى تنفق نصف مرتب زوجها على فساتينها وزينتها وحفلاتها لا تراعى ضميرها أو مستقبل أولادها.
وقلت للسيدة أم كلثوم:
ما رأيك فى «المينى جيب» موضة تعرية الركبتين وفورمات الشعر العجيبة.. التى تغطى الوجه؟!
مثل هذه التقاليد عرفت طريقها إلى بعض السيدات والفتيات من خلال الأفلام السينمائية الأجنبية ومحلات الموضة المستوردة. ولو سألت أى سيدة نفسها هذا السؤال: «هل هذه الموضة تتناسب معى ومع مجتمعنا؟» لما تورطت فى ارتداء فساتين فوق الركبة والمينى جيب. ثم ما الهدف من موضة «المينى جيب»؟! بصرف النظر عن أنه لا يتناسب مع تقاليدنا.. فإن شكل الركبة «بايخ وقبيح!» وهو منظر غير مستساغ ومدعاة لعدم احترام المرأة أو الغناء.. وهو بمثابة حكم الإعدام على الأخلاق والوقار. ثم كيف يمكن أن تتصور سيدة أو فتاة ما تحترم نفسها وأسرتها وتعتز بكرامتها ثم تظهر فى الطريق العام وتركب المواصلات المزدحمة وتجلس بين زملائها فى العمل.. والفستان الذى ترتديه سواء فوق الركبة أو المينى جيب أو الديكولتيه.. يكشف أكثر مما يخفي؟! أين زوج مثل هذه السيدة؟ وأين والد وأشقاء هذه الفتاة؟! إن مثل هذه الموضات تتسم بالإباحية والاستهتار بالقيم والمثل والأخلاق. ثم التسريحات العجيبة التى نلاحظها هذه الأيام التى تغطى العينين وتضر بهما، لقد صمم هذه التسريحات بعض مجانين أوروبا الذين يستخفون بعقول كثير من النساء. الموضة الحقيقية هى التى تتفق مع تقاليدنا ومجتمعنا.. هى الذوق السليم والبساطة والرقة.. لا مانع من أن نأخذ من خطوط الموضة ما يناسبنا ونترك ما لا يناسبنا.
مطلوب من الست العاقلة
وقلت لأم كلثوم:
لماذا نلمس اهتزازًا فى القيم الروحية والأخلاقية والمثل العليا لدى بعض السيدات والفتيات فى مجتمعنا.. مع أن المفروض أن آفاق هذا المجتمع الجديد تقوم أبعادها على القيم قبل كل شيء؟!
وأجابتنى أم كلثوم:
فى رأيى أن المسئولية الأولى تقع على عاتق الوالدين.. فالأم مدرسة لدعم المثل والقيم الروحية والدينية، والوالد هو الراعى والمسئول عن زوجته وبناته.. ولا شك أن التمسك بتعاليم الدين (الإسلامى أو المسيحي) يخلق الوازع الدينى لدى الفتى والفتاة. فيجب أن يرشد الوالدان الأولاد والبنات إلى التصرف السليم وغير السليم.. إلى العيب والحرام.. ويغرسا فى نفوسهم منذ الصغر حب الله والوطن.
وقلت لأم كلثوم:
هل باستطاعتنا أن نصدر للخارج جانبًا من المنتجات والأشغال التى عرضت فى معرض القاهرة والإسكندرية؟
وأجابت سيدة الغناء العربي:
إن ما شاهدته كان فى الواقع إنتاجا مشرفًا لسيدات الجمعيات الخيرية وربات البيوت بالقاهرة والإسكندرية.. وسوف تعرض منتجات الإسكندرية فى السوق الحرة بمحطة الركاب البحرية، وقد طلب من الجمعيات الخيرية التوسع فى المنتجات التى تبرز فيها الرسومات الفرعونية والطابع المحلى وسنصدر جانبًا من منتجات سيدات التجمع الوطنى للخارج. ونحن نرحب بمنتجات الهيئات والسيدات فى كل مكان من الوطن العربى الكبير.
وقلت لسيدة الغناء والنغم:
مطلوب من ربة البيت الكثير من المشاركة الإيجابية للتغلب على الظروف التى تمر بها بلادنا، فما هى بعض متطلبات هذه الظروف؟!
وأجابت تقول:
لا شك أن هناك عبئًا كبيرًا يقع على ربة البيت.. فهى بجهودها ووعيها وإخلاصها تستطيع أن تسهم مساهمة إيجابية فى التخفيف من آثار العدوان. والخدمة الجليلة التى يمكن أن تؤديها ربة البيت من أجل وطنها ومستقبلها ومستقبل أولادها، هى التحكم فى ميزانية الأسرة مع مراعاة مبادئ: محاربة الإسراف والحد من الاستهلاك وزيادة الإنتاج والاهتمام بالادخار. فمثلا بالنسبة لمحاربة الإسراف.. يجب ألا تنفق ربة البيت قرشًا فى غير مكانه ولا تلهث وراء التقاليع والموضات و»تربك» الميزانية فى شراء الفساتين والكماليات والتهام ما فى الأوكازيونات دون تفرقة بين ما يلزمها وما لا يلزمها. وحرام أن تحمل الست العاقلة ميزانية البيت هذه جنيهات شهريًا دون مبرر نتيجة للإسراف فى استعمال النور والمياه والمكالمات التليفونية.
وبالنسبة للإسراف فى المياه فإن الضرر ليس مجرد عبء مالى على الأسرة بل يمتد أثره على الدولة ذاتها فيزيد من أعبائها بما تدفعه من عملات صعبة لتوفير المواد الكيميائية اللازمة لتكرير المياه، والآلات التى تستعمل فى تنقيتها. ثم غير ذلك من مظاهر الإسراف.. مثل الإسراف فى تناول الشاى والقهوة، فنحن نستورد بما قيمته 18 مليونًا من الجنيهات شايًا بالعملات الصعبة، وبقليل من حكمة ربة البيت بتقليل عدد كوبات الشاى يوميًا، يمكن أن نوفر للدولة حوالى 10 ملايين جنيه سنويًا. وما يحدث بالنسبة للشاى يحدث بالنسبة للقهوة. ويمكن أن نستعيض عن الشاى والقهوة بالكركديه والحلبة والينسون.
على الأقل يجب أن ينتهز رب الأسرة فرصة شهر رمضان مثلا ويقلل من كمية السجائر التى يدخنها إن لم يتمكن من الإقلاع عنها.
بصفة عامة يجب على ست البيت الحد من الاستهلاك والاكتفاء بالضروريات. ولا سبيل إلى مضاعفة دخلنا إلا بمضاعفة الإنتاج. فلماذا لا تقوم المرأة بحياكة ملابسها وملابس أطفالها بنفسها وتشتغل التريكو، والبُرودريه؟ ولماذا لا يعاون رب الأسرة أبناءه فى دروسهم بدلا من الجلوس على المقاهى طوال الليل؟.. وبمثل هذه الوسائل وغيرها يمكن للأسرة أن تزيد دخلها بالحد من الإسراف. بالإضافة إلى ذلك فإن واجب ربة البيت، باعتبارها مسئولة عن ميزانية المنزل، ادخار جزء صغير من ميزانية المنزل والاحتفاظ به فى بند الطوارئ لعلاج أحد الأبناء أو لموسم المدارس.
ومن جديد عدت أسألها:
ما رأيك فى الأغنية العاطفية؟!
وبهدوء أجابت سيدة الغناء العربي:
لا يوجد فى الدنيا شعب ينزع العاطفة من قلبه.. وليس من المعقول أن نلغى العاطفة من أغانينا.. فالعاطفة موجودة والحب موجود.
وعن آخر أخبارها الفنية، قالت السيدة أم كلثوم:
سأسافر إلى باريس لإحياء حفلين كبيرين على مسرح الأولمبيك لصالح المجهود الحربي.. ثم بعد عودتى سأبدأ جولتى بالمحافظات الكبرى كمحافظة القاهرة والغربية.. من أجل بلدى وأبناء بلدي.