رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

لحماية الأمن القومى من أى تهديد.. دبلوماسية «الخط الأحمر»


16-2-2025 | 18:17

لحماية الأمن القومى من أى تهديد.. دبلوماسية الخط الأحمر

طباعة
تقرير يكتبه: وليد عبدالرحمن

«خط أحمر» عبارة مصر القوية التى عادت من جديد مع اعتبار مصر أن أمن السعودية «خط أحمر». فدائمًا ما تستخدم مصر والرئيس عبدالفتاح السيسى العبارة، وهى دليل على «القوة والردع فى المواقف التى تتطلب ذلك».

 

مصر كررت «خط أحمر» فى عدد من المواضع، أبرزها، فى رفض المساس بالقضية الفلسطينية والتصدى لمحاولات «تهجير الفلسطينيين»، وفى المسألة الليبية «سرت - الجفرة»، وكذا فى الحرب السودانية وذلك لردع «قوات الدعم السريع» التى تسببت فى حرب دموية مازالت مستمرة حتى الآن، وفى التأكيد على أن أمن مصر المائى «ممنوع الاقتراب» منه.

فمصر عندما تستخدم العبارة يكون من ورائها مقصد، وهو حماية أمنها القومى على كافة المحاور والاتجاهات الاستراتيجية، وشهدنا ذلك خلال السنوات الماضية، وبحسب خبراء فإن «دلالة (خط أحمر) تشير إلى ممنوع تجاوز ما تعتبره مصر (خطًا أحمر) وأنه على الطرف الآخر عدم تخطى ذلك الخط وتلك الحدود».

 

ففى القضية الفلسطينية، أعلنت مصر مرارًا، رفضها «تهجير الفلسطينيين» خارج أراضيهم، وعدته «تصفية للقضية». وذلك عقب دعوات متكررة على فترات متزامنة للرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، بأن تستقبل مصر والأردن لاجئين من غزة، لكن الرئيس السيسى، قالها بكل وضوح إن «ترحيل وتهجير الشعب الفلسطينى ظلم لا يمكن أن نشارك فيه».

 

فمصر تؤكد فى جميع مواقفها واتصالاتها ومشاوراتها، دعمها الثابت للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ولا سيما حقه فى تقرير المصير واستقلال دولته على خطوط الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

 

السفير رخا أحمد حسن، عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، يرى أن «خط أحمر» هى رسالة مصرية للطرف الآخر، أن هذا يُعد تعديًا على مناطق تمس الأمن القومى المصرى بدرجات متفاوتة، مثل تحذير مصر من «تهجير الفلسطينيين» إليها، أو تحذيرها لكل ما يمس أمن الخليج العربى، مثل تحذير القاهرة الأخير من «المساس بأمن المملكة العربية السعودية».

 

ووفق تقدير «حسن» فإن «خط أحمر» معناه أن من يتعداه سيؤدى إلى تغيير مصرى تجاه من يتخطاها، وهو تعبير مجازى، يُشير إلى ممنوع تجاوز ما تعتبره مصر «خطًا أحمر»، كما حدث فى تحذير مصر من تجاوز «خط الجفرة-سرت» فى ليبيا، بأنه من يتجاوزه، فمصر لن تسمح بذلك، فتوقف العمل من الطرف الآخر فى هذا الشأن.

 

ووجه الرئيس السيسى خلال تفقده عناصر المنطقة الغربية العسكرية، فى يونيو 2020 رسالة قوية بأن الجيش المصرى قادر على الدفاع عن مصر داخل وخارج حدودها، محذرًا من أنه لن يسمح بأى تهديد لأمن حدود مصر الغربية، مشددًا على أن «مدينتى سرت والجفرة فى ليبيا خط أحمر بالنسبة لمصر».

 

وفى رأى السفير حسين هريدى، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أنه عندما قال الرئيس السيسى عام 2020 «الجفرة-سرت-خط أحمر»، كانت هذه رسالة من الرئيس، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهى إشارة واضحة أنه «إذا طرف ما، الذى كان مقصودًا وقتها، تخطى حدوده، فإن مصر سوف يكون لها موقف آخر، لذا فعلى الطرف الثانى عدم تخطى هذا الخط».

 

الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية، أكد أن عبارة «خط أحمر» تعنى أن مصر لها رؤيتها ومواقفها، فالعبارة تحدد مدى ارتباط مصر الوثيق بهذه الدول، خاصة فيما يتعلق بأمنها القومى، الذى يرتبط بأمن العديد من الدول المجاورة، و«خط أحمر» فى ظل هذا التوقيت، أمر مهم جدًا.

 

وأخيرًا، رفضت مصر بشكل كامل تصريحات إسرائيلية غير مسئولة ومتهورة، مست أمن السعودية وسيادتها. وأكدت أن أمن المملكة الشقيقة واحترام سيادتها هو «خط أحمر» لن تسمح القاهرة بالمساس به، ويعد استقرار وأمن السعودية القومى، من صميم أمن واستقرار مصر والدول العربية الذى لا تهاون فيه. وأدانت القاهرة التحريض الإسرائيلى ضد المملكة والذى طالب ببناء دولة فلسطينية بالأراضى السعودية.

 

«فهمى» أوضح أن مصر حريصة على تطوير وتعزيز منظومة علاقتها مع الأشقاء فى السعودية، فالعلاقات المصرية السعودية، قوية جدًا، ويربطنا بالأشقاء السعوديين كثير من المقاربات الوطنية والقومية، وليست فى القضية الفلسطينية فقط، لكن وفى مسألة أمن الخليج، حيث ارتباط الأمن القومى المصرى بالأمن القومى فى الخليج، فضلًا عن التنسيق المصرى فى مواجهة التحديات والمخاطر فى البحر الأحمر، وفى ملفات أخرى مثل الملف السورى، وبعض الملفات الإقليمية، لذا جاءت عبارة «خط أحمر» مهمة جدًا فى هذا الإطار.

 

وأعادت مصر أخيرًا الـتأكيد على ثوابت الموقف العربى إزاء القضية الفلسطينية، الرافض لأية إجراءات تستهدف تهجير الشعب الفلسطينى من أرضه، أو تشجيع نقلهم إلى دول أخرى خارج الأراضى الفلسطينية، على ضوء ما تمثله هذه التصورات والأفكار من انتهاك صارخ للقانون الدولى، وتعديًا على الحقوق الفلسطينية وتهدد الأمن والاستقرار فى المنطقة وتقوض فرص السلام والتعايش بين شعوبها. والتأكيد المصرى المتكرر يأتى وسط تنديد إقليمى وعالمى واسع النطاق باقتراح جديد لترامب «السيطرة على غزة».

 

«خط أحمر» كانت حاضرة بقوة فى رفض «التهجير»، فالرئيس السيسى قال فى نوفمبر 2023 إن «تهجير الفلسطينيين (خط أحمر) بالنسبة لمصر، وإنها لن تقبل به ولن تقبل أيضًا بتصفية القضية الفلسطينية». وكرر نفس العبارة فى نهاية الشهر الماضي.

 

اللواء خالد مجاور، محافظ شمال سيناء، تحدث عن أن الرئيس السيسى منذ أول أيام «حرب غزة» أكد أن تهجير الشعب الفلسطينى إلى مصر «خط أحمر». و«الخط الأحمر» الذى رسمه الرئيس السيسى فى رفض تهجير سكان غزة أفشل مخططات الاحتلال الإسرائيلى.

 

وفى مارس عام 2021 أكد السيسى أن أحدًا لا يستطيع المساس بحق مصر فى مياه النيل، محذرًا من أن المساس بها «خط أحمر» وسيكون له تأثير على استقرار المنطقة بكاملها. كما قال الرئيس السيسى، فى يونيو 2021 أن المساس بأمن مصر القومى «خط أحمر»، ولا يمكن اجتيازه «شاء من شاء وأبى من أبى».

 

ويرى «هريدى» أن استخدام الرئيس السيسى عبارة «خط أحمر» فى المواقف السابقة، وغيرها، هى رسالة واضحة جدًا وتعبير له مصداقيته وقوته.

 

أما «فهمى» فيُشير إلى أن استخدام الرئيس السيسى عبارة «خط أحمر» وكذا استخدام وزارة الخارجية لها فى موضعها الدبلوماسى، يؤكد عمق علاقة مصر مع هذه الدول، التى حذرت القاهرة من المساس بأمنها، خلال هذا التوقيت الذى قيلت فيه».

 

كذلك ذكر الرئيس السيسى، خلال كلمته فى فعاليات المؤتمر الأول للمشروع القومى «حياة كريمة»، أن ممارسة مصر للحكمة والجنوح إلى السلام لا يعنى بأى شكل من الأشكال السماح بالمساس بمقدرات الوطن، مشددًا على أنه لن يتم السماح لأى من كان أن يقترب منه «الخط الأحمر».

 

وأوضح السيسي، حينها، أن مصر تُدير علاقاتها الخارجية إقليميًا ودوليًا بثوابت راسخة قائمة على الاحترام المتبادل، والجنوح للسلام وإعلاء قواعد القانون الدولى، و«أصبحت تمتلك ما يعزز من إنفاذ إرادتنا وحماية مقدراتنا».

 

حول الدلالات المصرية من استخدام «خط أحمر». قال «رخا أحمد حسن» إنه فى كل مرة استخدمت فيها مصر أو الرئيس السيسى «خط أحمر» عاد الطرف الثانى وتوقف عما كان يفعله ولم يتخط التهديد المصرى.

 

وعدّ «حسن» المواقف التى استخدمت فيها مصر «خط أحمر» سواء فى ليبيا أو السودان أو فلسطين وفى قضية الأمن المائى المصرى، جميعها تمثل تهديدًا للحدود الاستراتيجية لمصر، وكان استخدام العبارة للفت الانتباه بقوة إلى منطقة أو خط لا يجب تخطيه.

 

عبارة «خط أحمر» لم تكن فقط فى التصريحات الرسمية التى تركت صدى واسعًا إلى الآن، بل كانت فى عرض مسرحى بعنوان «مصر خط أحمر»، انتجه قطاع العلاقات والإعلام بوزارة الداخلية خلال الاحتفال بعيد الشرطة، وحضره الرئيس السيسى الشهر الماضى. وتحدث العرض عن بطولة رجال الشرطة فى معركة الإسماعيلية أمام المحتل الإنجليزى، وجسد العرض صمود رجال الشرطة جنبًا إلى جنب مع كافة أطياف الشعب.

 

المواقف المصرية فى كثير من القضايا الإقليمية والعربية والتى برزت فيها قوة الكلمة المصرية، والحكمة فى كثير من الأديان، دفعت مصر لاستضافة «قمة عربية» طارئة نهاية الشهر الجارى، بهدف «صياغة موقف عربى موحَّد ضد تهجير الفلسطينيين»، وبحث التطورات «المستجدة والخطيرة» للقضية الفلسطينية.

 

القاهرة تشاورت ونسقت مع الدول العربية الشقيقة خلال الأيام الأخيرة بشأن «القمة» بما فى ذلك دولة فلسطين. وستعكس «القمة المرتقبة» وحدة الموقف العربى وتبعث برسالة عربية موحدة للعالم كله برفض «مخطط التهجير وإعادة التأكيد على ثوابت (القضية) والحقوق الفلسطينية».

 

فالأحداث المتسارعة فى المنطقة تؤكد أهمية عقد «قمة عربية طارئة» لمواجهة ووقف التصعيد المستمر والانتهاكات الإسرائيلية. ومصر، القوة الإقليمية الكبيرة قادرة على قيادة هذا الحراك العربى لتقديم حلول عملية تخدم القضية الفلسطينية وتعزز التضامن العربى فى هذا الملف الحيوى.

 

وعلى مدار الأيام الماضية، أجرت مصر اتصالات مكثفة فى إطار تنسيق المواقف العربية، والتشاور بشأن مستجدات القضية الفلسطينية والأوضاع الكارثية فى القطاع والضفة الغربية.

 

وقام الدكتور بدر عبدالعاطي، وزير الخارجية، باتصالات مكثفة بتوجيهات من الرئيس السيسى مع عدد من نظرائه العرب، فى السعودية، والإمارات، والكويت، وسلطنة عمان، والبحرين (الرئيس الحالى للقمة العربية)، والأردن، والعراق، والجزائر، وتونس، وموريتانيا، والسودان.

 

الاتصالات، وفق وزارة الخارجية، أكدت على «ثوابت الموقف العربى، إزاء القضية الفلسطينية، الرافض لأى إجراءات تستهدف تهجير الشعب الفلسطينى من أرضه، أو تشجيع نقل الفلسطينيين إلى دول أخرى خارج الأراضى الفلسطينية، على ضوء ما تمثله هذه التصورات والأفكار من انتهاك صارخ للقانون الدولى، وتعدٍّ على الحقوق الفلسطينية، وتهديد للأمن والاستقرار فى المنطقة، وتقويض لفرص السلام والتعايش بين شعوبها».

 

فانعقاد «القمة العربية» بحسب الخبراء «يبعث برسالة قوية للمجتمع الدولى بأن الدول العربية تقف صفًا واحدًا فى مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، وضرورة التسريع بحل عادل للقضية الفلسطينية».