أيام وتعلن مصر خطتها لإعادة تعمير غزة التى تعد فى حقيقتها خطة لحماية غزة من السلب والاستيلاء عليها بعد تهجير أهلها وتوطينهم لدينا نحن والأردن.. فهى تقطع الطريق على خطة ترامب لوضع يد أمريكا على غزة بعد إفراغها من أهلها، واستثمارها عقاريا لتحويلها إلى ريفيرا الشرق !.. أما فى الخطة المصرية لإعادة تعمير غزة فهى تنفيذ ذلك التعمير وأهلها موجودون فيها بعد إعداد ثلاث مناطق آمنة ومعدة ومجهزة للحياة فيها فى منازل متنقلة وخيام خلال ستة أشهر، وخلال هذه الفترة الزمنية تجرى إزالة ركام المنازل والمبانى المدمرة لتجهيز أراضى القطاع لبناء أبنية ومنازل جديدة.
وتستغرق عملية إعادة التعمير فترة زمنية تتراوح ما بين ثلاث إلى خمس سنوات يعيش خلالها أهل غزة فى المناطق الثلاث الآمنة، حتى يتم بناء منازل جديدة لهم بدلا من المدمرة، تتصدر شركات مقاولات مصرية الشركات العربية والعالمية للمشاركة فى إعادة بناء القطاع مجددا..
وخلال هذه السنوات ستتولى إدارة القطاع لجنة من التكنوقراط يتم التوافق عليها فلسطينيا ولا تشارك فيها حركة حماس وقد وافقت حماس على ذلك. وبعد إعادة بناء القطاع يتم إجراء انتخابات فلسطينية لتشكيل سلطة فلسطينية تدير كل الأراضى الفلسطينية فى الضفة والقطاع والقدس الشرقية.
أما تمويل عملية إعادة التعمير التى ستتكلف نحو ثلاثين مليار دولار، فإن الخطة المصرية تتضمن دعوة لعقد مؤتمر عالمى لجمع هذا التمويل وتأمل أن تنجح هذه الدعوة، خاصة أن مشروع ترامب بتهجير أهل غزة لاقى رفضا واسعا عالميا، ولذلك سيكون هناك ترحيب عالمى وإقليمى للمشاركة فى تمويل عملية التعمير، مع العلم أن تنفيذ الخطة المصرية لن يحتاج توافر كل التمويل دفعة واحدة، وإنما سيحتاج منه القدر اللازم لتنفيذ مراحل الخطة التى تستغرق خمس سنوات كحد أقصى.
ولقد ارتفعت أصوات عدد من المسؤولين الأمريكيين تطالب العرب بخطة لتعمير غزة تكون بديلة لمشروع ترامب الذى رفضوه. فتولت مصر ذلك، وعكف عدد من الخبراء بينهم عسكريون بإعداد خطة لإعادة تعمير القطاع، مع احتفاظ أهله بتواجدهم فى أراضيهم، ودون الحاجة لتهجير نحو مليونى فلسطينى يعيشون الآن فى أطلال القطاع الذى دمرت قوات الاحتلال ثلاثة أرباع مبانيه، وقررت مصر أن تتقدم بالخطة أولا للعرب ليدعموها وتصير خطة عربية تكون بديلة لخطة ترامب التى تستهدف الاستيلاء على أرض القطاع واستثمارها عقاريا وتهجير أهلها وتوطينهم فى مصر والأردن، وربما دول أخرى فى المنطقة لم يفصح ترامب عنها بعد.
وبالطبع فإن هذه الخطة المصرية ستحرج أصحاب مشروع التهجير، لأن هذا المشروع يدعى صاحبه ومخترعه أنه يستحيل إعادة تعمير القطاع فى وجود سكانه، ويدعى أنه يرأف بأهل غزة الذين يعيشون فى خرابة كبيرة واسعة تم تدمير مقومات الحياة فيها.
فالخطة المصرية لا تحتاج لأكثر من ستة أشهر لإقامةَ المناطق الآمنة الثلاث التى سيتم تطهيرها من مخلفات الحرب والألغام والقنابل التى لم تنفجر، وتزويدها بالبيوت الجاهزة المتنقلة والخيام المجهزة للإقامة الآدمية فيها، فى ظل تجهيزها وتزويدها بكل الاحتياجات الأساسية من غذاء ودواء وخدمات ضرورية مثل مياه الشرب والصرف الصحى والعلاج. واستئناف الدراسة أيضا فى هذه المناطق الثلاث الآمنة.
وبذلك تعد الخطة المصرية لإعادة تعمير قطاع غزة سلاحا لإجهاض مشروع التهجير والاستيلاء عليها من قبل أمريكا التى قال ترامب إنها سوف تتسلمه من إسرائيل.. أى أنها خطة فى الأساس لحماية أراضى القطاع من أطماع ترامب فى الاستيلاء عليها، وأيضا هى خطة للحفاظ عليها لأهلها جزءا أساسيا من دولتهم التى يتطلعون لإقامتها.
إنها خطة إنقاذ غزة من خطر الاستيلاء عليها وإفساد مشروع ترامب لطرد أهلها قسرا خارجها، وبهذا المعنى هى أساسا خطة لإنقاذ القضية الفلسطينية من التصفية التى تهددها أكثر من ذى قبل، لأن تهجير أهل غزة سوف يشجع إسرائيل على تهجير أهل الضفة الغربية والقدس الشرقية، كما يتطلع اليمين المتطرف فى إسرائيل الذى يتعجل تنفيذ هذا التهجير لضم الضفة الغربية لإسرائيل لتوسيع مساحة إسرائيل.
ويبقى القول إن هذه الخطة المصرية التى يستعد العرب لتبنيها سوف تحتاج جهدا واسعا لفرضها وبدء العمل فيها، خاصة وأن ترامب ما برح يتمسك بمشروعه رغم الرفض الواسع عالميا له..
لقد قال وزير الخارجية الأمريكى: «نحن فى انتظار خطة بديلة لخطة ترامب لدراستها، وهذا لا يعنى القبول الفورى لها، وعندما سيضطر ترامب للتنازل عن مشروع التهجير فإنه لن يفعل ذلك سريعا، وسيسعى لتعطيل الخطة المصرية من خلال إثارة العقبات لجمع التمويل اللازم لتنفيذها، وأيضاً من خلال تحريض إسرائيل على العودة إلى الحرب مجددا، ولذلك جهد تنفيذ هذه الخطة أكبر من الجهد الذى بذل فى إعدادها، ومصر مستعدة لبذل هذا الجهد الذى يحتاج أيضا لدعم عربى.