تبقى القضية الفلسطينية قضية كل العرب، رغم كل محاولات الغرب لإحداث تفرقة أو شقاق، يواصل العرب، تأكيدهم على رفض تصفية القضية الفلسطينية وتهجير أهل غزة قسرًا، لتقف الدول العربية كافة مصطفة خلف الطرح والرؤية المصرية التى أثبتت خلال الفترة الماضية إخلاص سعيها وتأثير خطواتها، فمصر أعلنتها مرارا وتكرارا، وأكدها الرئيس عبدالفتاح السيسى :«لا تهجير، ولا تصفية، ولن نشارك فى ظلم»، وقد نجحت القاهرة بجدارة فى تعطيل مخطط الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، فى الاستفراد بغزة، وليست تصريحات العاهل الأردنى، الملك عبدالله ببعيدة عنا، ومثله قرر العرب.
الجميع خلف مصر، ينتظر رؤيتها وحلولها، وليست القمة الخماسية المنعقدة بالسعودية إلا خطوة تحضيرية للقمة العربية «الطارئة» فى القاهرة، والتى يراها البعض تجسيدا حقيقيا لوحدة الصف العربى الذى غابت وحدته طويلا خلال السنوات الماضية، وينتظر آخرون أن ترسم طريقا جديدا للسلام فى المنطقة بتغير عناصر معادلة القوة، إذا استمرت وحدة الناطقين بالضاد، والقضاء على مخططات العم سام وأطماعه غير المشروعة بشأن غزة والقضية الفلسطينية.
السفير محمد حجازي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، أوضح أن «الخطة المصرية بشأن غزة تقوم على العمل الفورى لإعادة إعمار غزة فى ضوء ما تعرض له القطاع من دمار هائل وغير مسبوق، الأمر الذى تطلب تكاتف المجتمع الدولى لنفاذ المساعدات الإنسانية العاجلة بشكل فورى ومستدام»، مضيفًا أن «مصر تسعى أيضا لتنفيذ خطط للتعافى المبكر من آثار العدوان وتلبية الاحتياجات الرئيسية للقطاع وإصلاح البنية التحتية التى دمرت بالكامل، وكذلك إعادة إحياء الاقتصاد المحلى لتصبح غزة مكانا قابلا للحياة».
وأشار «حجازى»، إلى المؤتمر الدولى الذى عقدته مصر منذ أسابيع لإعادة إعمار غزة وتمكين أهلها على أرضهم، قائلا إنها «كانت فرصة لتأكيد ومساندة الأسرة الدولية وتقديمها للتعهدات المالية والمادية المطلوبة للتنفيذ الفورى لإعادة الإعمار».
وعن أهمية الدور المصرى قال محمد حجازى: لعبت مصر دورا مهما ورئيسيا منذ اندلاع الأحداث فى السابع من أكتوبر قبل الماضى من خلال جهد متواصل، سواء فى مؤتمر القاهرة للسلام الذى استضافته القاهرة بعد أيام قليلة من اندلاع الأحداث، واستمر الجهد الماراثونى لأجل التوصل لاتفاق الهدنة وتبادل الأسرى والذى ترعاه مصر مع الوسطاء من دولة قطر والولايات المتحدة الأمريكية.. وتتصدى مصر لأى محاولات من الجانب الإسرائيلى للإخلال باتفاق الهدنة وتبادل الأسرى، وكذلك المحاولات من جانب حركة حماس، التصدى والموقف المصرى ضرورى للغاية حيث يعيد الاتفاق لمساره الصحيح المنصوص عليه. كما نشهد الآن من خلال فك الأزمة التى يتعرض لها هذا المسار المهم والضروري.
وأضاف: الأخطر والأهم فى الموقف المصرى الصلب تجاه قضية الفلسطينية هو الرفض البات للتهجير القسرى سواء من خلال إحباط المخططات الإسرائيلية منذ اليوم الأول، وأيضا من خلال التصدى لتصريحات الرئيس الأمريكى ترامب، التى جاءت لتفرض تحديا إنسانيا وأخلاقيا وسياسيا وأمنيا على المنطقة، وفى القلب منها مصر التى تقود الآن جهود التقدم بخطة إعادة إعمار غزة مع وجود أهلها للقضاء على مخطط التهجير القسرى ورفع هذه المبادرة والخطة الهامة إلى الاجتماع الخماسى يوم الثلاثاء فى المملكة العربية السعودية بحضور الأردن والإمارات وقطر والبحرين بحكم كونها رئيسة القمة العربية الراهنة.
وحول نتائج الموقف العربى ، ذكر «حجازي»، أنه «بعد الاصطفاف العربى فى الرياض سيتم رفع الأمر لقمة القاهرة والتى ستكون قمة للتوافق العربى وتشكيل حائط صد ضد مخططات التهجير القسرى ولتثبيت أبنائنا وأشقائنا على أرضهم فى غزة»، مؤكدًا أنه لاستكمال المشهد تعمل مصر على الأرض من خلال إدخال مساعدات إنسانية وإلزام الجانب الإسرائيلي، بعد التدخل مع الوسطاء، ببروتوكول إنسانى يسهم فى دخول المساعدات الإنسانية العاجلة والطارئة والوقود ومعدات الكهرباء والمياه والصرف الصحى، بالإضافة إلى ما تحتاجه المستشفيات وكذلك عملية إدخال المعدات الثقيلة والكرافانات، وذلك كى يتم إزالة الركام وإعادة البناء تمهيدا لتقديم رؤية متكاملة بعد القمة العربية لتقديمها للرئاسة الأمريكية والانطلاق بعدها نحو إمكانية إطلاق حل سياسي.
وبشأن كيفية الإعمار، أوضح «حجازى»، أن «مصر أسست بالتعاون مع الأشقاء الفلسطينيين لجنة الإسناد المجتمعى والتى سيكون لها دور خلال المرحلة القادمة فى الإشراف على عملية إدارة الحياة المدنية فى قطاع غزة، وهو أمر سيكون بالتوافق بين حركتى فتح وحماس وتحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، وبالتالى تكون الرؤية المصرية هى الكفيلة بتحقيق مصالح كل شعوب المنطقة ووضع حد لأطماع اليمين المتطرف الإسرائيلى وإنهاء مخططات التقسيم والتهجير القسرى والنهوض بالقطاع بشكل يعيد الأمل والحياة لأبنائه الذين تعرضوا لأسوأ مشهد تخلى فيه المجتمع الدولى عن إنسانيته، ناهيك عن الوحشية وجرائم الحرب التى ارتكبت والتى يجب أن يعاقب أصحابها على غرار ما صدر عن المحكمة الجنائية الدولية بمذكرات توقيف أعتقد أنها يجب أن تنال الكثيرين وليس فقط رئيس الوزراء الإسرائيلى ووزير دفاعه السابق، ولكن ستفتح صفحات التاريخ والمحكمة الجنائية أبوابها للكثيرين للمثول أمامها بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ونحن فى انتظار حكم محكمة العدل الدولية بشأن ارتكاب إسرائيل جريمة الإبادة الجماعية فيدان الأشخاص أمام المحكمة الجنائية الدولية وتدان الدول أمام محكمة العدل الدولية وحق الشعب الفلسطينى سيظل شامخا ولم يضيع طالما مصر تقف إلى جواره قيادة وحكومة وشعبًا».
بدوره، أكد السفير عصام كرار، سفير السودان بدولة جنوب السودان، أن توحد الصف العربى أصبح الخيار الأمثل فى ما تواجهه دول المنطقة من تحديات، كما يتوقع أن تشمل القمة العربية تعزيز التعاون العربى فى مواجهة التحديات الإقليمية والدولية وتأكيد دعم القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره، ومواجهة التهديدات الإقليمية، بما فى ذلك التهديد الإيرانى والتهديدات الإرهابية، بالإضافة إلى العمل على تعزيز الاستقرار فى المنطقة من خلال تعزيز التعاون العربى وتعزيز دور الجامعة العربية.
وعن رؤيته للدور المصرى، قال السفير «كرار»، إن «الدور المصرى ضرورى وحاسم فى مواجهة المخططات الغربية الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية، حيث يشمل الدور المصرى عدة نقاط أبرزها الدعم السياسي، حيث دعمت مصر القضية الفلسطينية فى المحافل الدولية وعززت دورها فى الجامعة العربية والمنظمات الدولية الأخرى كما دعمت مصر الفلسطينيين فى نضالهم من أجل حقوقهم، ولدينا أيضا الدعم الاقتصادي، فقد قدمت مصر دعما اقتصاديا كبيرا للفلسطينيين وعاونتها دائما لإيجاد أفضل سبل التنمية الاقتصادية.. هذا بخلاف الدعم الأمنى عبر تعزيز التعاون الأمنى بين مصر وفلسطين خلال سنوات طوال، ويمكن القول إن مصر لها الدور الأكبر فى الحفاظ على الاستقرار فى المنطقة كلها، كما دعمت القاهرة فلسطين بسبل أخرى من خلال تعزيز التعاون الثقافى بين مصر والفلسطينيين، ودعم الفنون والثقافة الفلسطينية، كما ساهمت مصر بشكل كبير فى الحفاظ على التراث الثقافى الفلسطيني».
وأضاف: الدعم المصرى للجهود الدولية من أجل حل القضية الفلسطينية هو العامل الأهم وراء انتباه دول العالم لما يحدث فى غزة، حيث سخرت مصر كل طاقاتها فى المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة من أجل دعم القضية الفلسطينية فى المحافل الدولية.. كما عززت مصر دورها فى الجامعة العربية من أجل إيجاد حل للقضية الفلسطينية، ولا ننسى التحرك الشعبى المصرى ودور المصريين فى تقديم دعم مادى ومعنوى للفلسطينيين وتعزيز الوعى الشعبى العربى بالقضية الفلسطينية.
من جهته، أكد اللواء تامر الشهاوى، الخبير العسكري، عضو لجنة الدفاع والأمن القومى سابقا، أن «ما يحدث من الغرب أمر متوقع»، قائلا إن الانتخابات الأمريكية دائمًا ما يطرح متنافسوها أمرًا ووعدًا وعهدًا يخص إسرائيل وهو أمر اعتدناه فى الانتخابات الأمريكية لجذب الكتلة التصويتية اليهودية والتفاعل مع اللوبى اليهودى المتحكم فى الآلة الإعلامية والاقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية، فلا شك أن ترامب قدم نفسه فى فتره رئاسته الأولى كداعم كبير لإسرائيل إلا أن خطته للفلسطينيين خلال دورته الرئاسية الحالية أشعلت جبهة عربية موحدة غاضبة، ورغم أنها ليست فكرة جديدة ولا مبتكرة، إلا أنها تعكس نمطًا متكررًا فى التعامل مع القضية الفلسطينية من جانب الإدارة الأمريكية.
وأضاف «الشهاوى»: على الجانب الآخر تظل الحالة العربية رغم أنها تبدو متماسكة فى الظاهر إلا أن باطنها يحمل كل علامات التمزق ورغم وضعها القضية الفلسطينية فى صدارة خطابها السياسى دائمًا إلا أنها لطالما تعاملت مع الفلسطينيين كأداة سياسية دون التزام عملى حقيقى، وهذا حديث لا يشمل بالطبع دول المواجهة أو دول «الطوق» والمتمثلة فى مصر والأردن وسوريا ولبنان ولا شك أن ميزان القوى فى المنطقة قد اختل كثيرًا مؤخرًا لصالح إسرائيل.
وحول الموقف العربى من الأطماع الغربية الحالية، قال «الشهاوى»، إنه «من المؤكد أن خطة ترامب سرعان ما قوبلت برفض عربى واسع، حيث أصدرت كل من السعودية، والإمارات، وقطر، ومصر، والأردن، والسلطة الفلسطينية بيانًا مشتركًا يعارض بقوة هذا الطرح وأن ذلك يعكس نقصًا فى الفهم السياسى والواقع الجيوسياسى للمنطقة، فالنتيجة الحقيقية لهذه الخطة لم تكن سوى توحيد الموقف العربى ضد أى فكرة لاستيعاب الفلسطينيين فى الدول المجاورة».
وأوضح : لا شك أن الأردن ومصر هما الأكثر قلقًا من تبعات هذه الخطة، نظرًا لما قد يترتب عليهما من ضغوط سياسية واقتصادية خطيرة، بينما قد تكون السعودية الأكثر تأثرًا بالجدل حول خطة ترامب، خاصة عقب اقتراح رئيس الوزراء الإسرائيلى بإنشاء دولة فلسطينية على أراضٍ سعودية وهو ما زاد الأمور تعقيدًا، والرياض لن تتخلى بالكامل عن الفلسطينيين، نظرًا لمكانتها كحاضنة لأقدس المواقع الإسلامية.. لذا فالموقف الآن أصبح تكتلاً عربياً موحداً.