بعد اشتعال الحرب التجارية بين أكبر قوتين اقتصاديتين فى العالم الولايات المتحدة والصين، خاصة بعدما فرضتِ بكين رسومًا جمركية مماثلة على وارداتها من الولايات المتحدة، ردًّا على الرسوم الأمريكية على السلع الصينية، يبدو أننا على شفا حرب تجارية. ويبقى السؤال هل تستطيع الصين والولايات المتحدة تجنب التصعيد؟
أبلغ ترامب الصحفيين أنه يعتقد أن التوصل إلى اتفاق تجارى بين الولايات المتحدة والصين «ممكن»، وأكد أيضًا على «علاقته الجيدة جدًا» بالرئيس الصينى شى جين بينج. من جهتها ردت الصين على ترامب، داعية بلاده إلى حل القضايا من خلال الحوار والتشاور وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية قوه جيا كون إن الحروب التجارية وحروب التعريفات الجمركية ليس لها فائزون وستضر بمصالح شعبى البلدين. وأضاف إن «الصين تعارض بشدة زيادات الرسوم الجمركية الأحادية الجانب التى فرضها الجانب الأمريكى».
تأتى التقارير بعد أن أعلن ترامب فى الأول من فبراير أنه سيفرض تعريفات جمركية بنسبة 10 فى المائة على واردات السلع الصينية بعد أيام من التحذير من التدابير المضادة وحث واشنطن على الدخول فى مفاوضات و«الالتقاء بالصين فى منتصف الطريق». وقررت بكين الرد على التهديد برسوم جمركية خاصة بها، وإنها ستنفذ تعريفة جمركية بنسبة 15 فى المائة على منتجات الفحم والغاز الطبيعى المسال، بالإضافة إلى تعريفة جمركية بنسبة 10 فى المائة على النفط الخام والآلات الزراعية والسيارات ذات المحركات الكبيرة المستوردة من الولايات المتحدة اعتبارًا من 10 فبراير. ونددت الصين لدى منظمة التجارة العالمية بما أسمته «صدمات الرسوم الجمركية» التى ينتهجها ترامب مما قد يؤدى إلى «انكماش عالمى».
خلال رئاسته الأولى، فرض ترامب قيودًا تجارية صارمة على واردات السلع الصينية المختلفة مما أثار نزاعًا تجاريًا بين الولايات المتحدة والصين، ومنذ بداية ولايته الثانية جعل ترامب من الرسوم الجمركية الأداة الرئيسية لسياسته الرامية إلى خفض العجز التجارى الأمريكى الكبير. لذلك يرى الخبراء أن التدابير المضادة التى اتخذتها الصين محدودة النطاق مقارنة بالضريبة التى فرضها دونالد ترامب، لأن أمريكا هى أكبر مصدر للغاز الطبيعى المسال فى جميع أنحاء العالم، ولكن الصين لا تمثل سوى حوالى 2.3 فى المائة من تلك الصادرات، وتأتى وارداتها الرئيسية من السيارات من أوروبا واليابان. وقد يكون هذا الاستهداف المحسوب والانتقائى للسلع مجرد طلقة افتتاحية من جانب بكين ووسيلة لكسب بعض القوة التفاوضية والنفوذ قبل أى محادثات. وسوف يكون من الصعب على ترامب أن يعقد صفقة مع الصين أكبر من المكسيك وكندا، حيث الصين هى المنافس الاقتصادى الرئيسى لواشنطن، وكان قطع البلاد عن سلاسل التوريد الرئيسية هدفًا لإدارة ترامب، حيث وسعت بكين من بصمتها العالمية، وهى الآن الشريك التجارى الرئيسى لأكثر من 120 دولة.
حاولت الصين على مدى العقدين الماضيين بشكل مطرد تقليل أهمية التجارة لاقتصادها وتكثيف الإنتاج المحلى. واليوم، تمثل الواردات والصادرات حوالى 37 فى المائة من الناتج المحلى الإجمالى للصين، مقارنة بأكثر من 60 فى المائة فى أوائل العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، وفقًا لمجلس العلاقات الخارجية. كما إن الرسوم الجمركية ستكون مؤلمة، ولكن بكين ربما تشعر أنها قادرة على امتصاص الضربة فى الوقت الحالى. ويتمثل الخوف فى أن يكون الرئيس ترامب جادًا فى زيادة هذه النسبة إلى 60 فى المائة التى تعهد بها خلال حملته الانتخابية أو أنه سيستمر فى استخدام التهديد بالرسوم الجمركية كأداة دبلوماسية متكررة للسيطرة على الرئيس «شى جين بينج». إذا حدث ذلك، فسوف ترغب بكين فى الاستعداد وهذا يعنى وجود استراتيجية واضحة فى حالة تصعيد الأمر.
فى المرة الأخيرة التى وقع فيها الزعماء على اتفاق لم تنته الأمور على خير، حيث فرضت الدولتان رسومًا جمركية متبادلة على سلع بقيمة مئات المليارات من الدولارات منذ عام 2018، استمرت لأكثر من عامين حتى وافقت الصين فى النهاية على إنفاق 200 مليار دولار إضافية سنويًا على السلع الأمريكية فى عام 2020. كانت واشنطن تأمل أن تؤدى الصفقة إلى خفض العجز التجارى الضخم بين الصين والولايات المتحدة، لكن الخطة خرجت عن مسارها بسبب جائحة كوفيد-19، ويبلغ هذا العجز الآن 361 مليار دولار، وفقًا لبيانات الجمارك الصينية. لا تزال بكين تبيع للولايات المتحدة ما يقرب من أربعة أضعاف ما تشتريه من سلع. هناك أيضًا تحديات رئيسية للصين، حيث تفكر فى عدة خطوات للأمام فى أى مفاوضات.
تحدث الدكتور أشرف سنجر خبير السياسات الدولية «للمصور» أن هناك سعيًا بين الطرفين لتجنب الحرب التجارية لأنها ستكون مكلفة بالنسبة للبلدين، وبالتالى ليس من مصلحة ترامب ارتفاع الأسعار فى الولايات المتحدة الأمريكية بسبب هذه الحرب مع الصين. ويبدو أن حالة ترامب التى بدأت منذ 20 يناير فى كثير من التهديدات للحلفاء والصين لن تستمر وستعود الأمور إلى طبيعتها بأسرع مما نتصور. ويعتقد الدكتور سنجر أن التبادل التجارى بين الدولتين يتجاوز 600 مليار دولار، وهذا أكبر تبادل تجارى بين دولتين فى العالم، ولذلك استمرار حرب تجارية بينهما سيؤثر بالتأكيد على رفاهية المواطن الأمريكى قبل رفاهية المواطن الصينى، وهنا ستكون واشنطن فى موقف أصعب لأن ذلك يضر بترامب ومجموعة «ميجا» الذين يعتقدون أن مع ترامب أوضاعهم تتحسن عما كانت عليه مع الرئيس السابق جو بايدن.
يؤكد الدكتور سنجر أن هناك سعيًا دءوبًا إلى تجنب الحرب التجارية ولكن سيكون هناك بعض السلع التى سيكون عليها تعريفية جمركية بشكل كبير وستكون تحديدًا على السيارات الكهربائية أو أى محاولة من الصين لدخول السوق الأمريكى أو أى سلعة مرتبطة بمجموعة رجال الأعمال الذين حول ترامب. ويعتقد الدكتور سنجر أنها ستكون مسارًا لحرب تجارية بجانب اتفاقية مجموعة «البريكس» لأن أى دولة من الدول لها تواصل مع الصين ستكون فى مرمى نيران ترامب. ولكن الصين وأمريكا لن يدخلا فى حرب سواء حربًا عسكرية أو تجارية.