تراشق بالألفاظ وتغير فى السياسة، هذا ما أصبح عليه الحال بين الولايات المتحدة وأوكرانيا بعد أن كانا حليفين فى الأمس فى عهد بايدن، لكن السيناريو تغير الآن بعدما وصف ترامب زيلينسكى بأنه ديكتاتور يحكم بلا انتخابات، أما زيلينسكى فقال عن ترامب إنه ينساق وراء معلومات مضللة من الروس.
تصاعدت التوترات بين البلدين على مدار الأسبوع الماضى وسط أحاديث بعزم الولايات المتحدة على إنهاء الحرب فى أوكرانيا، وانطلقت شرارة تبادل الاتهامات بين ترامب ونظيره الأوكرانى على خلفية اجتماع بين مسئولين روس وأمريكان فى المملكة العربية السعودية، وتم استبعاد الحكومة الأوكرانية، حيث صرح ترامب بعد هذا الاجتماع بأن أوكرانيا هى التى بدأت بالحرب، وهو التعليق الذى دفع زيلينسكى لاتهامه بأنه ينساق وراء معلومات مضللة من الروس، وأنه يعيش فى شبكة من المعلومات المضللة وذلك بعدما استدعى الصحفيين إلى مكتبه الرئاسى فى كييف، وهو المبنى الذى لا يزال محصنًا بأكياس من الرمل حتى الآن.
الأمر الذى دفع ترامب هو الآخر بتوجيه انتقاد لاذع لزيلينسكى على حسابه على موقع التواصل «تروث سوشيال»، وقال إن هذا الممثل الكوميدى أقنع الولايات المتحدة بإنفاق 350 مليار دولار للدخول فى حرب لا يمكن الفوز بها، ولم يكن من الضرورى أن تبدأ أبدًا، وأكد أنها حرب لن يتمكن هو –من دون الولايات المتحدة- وترامب من تسويتها أبدا، فى تحدٍّ صريح لزيلينسكى.
والأمر لم يقف عند زيلينسكى فحسب، بل امتد الأمر بطريقة غير مباشرة إلى الدول الأوروبية، وكتب أن الأمن المستقبلى لأوكرانيا لن يكون عائقا للولايات المتحدة على عكس الدول الأوروبية التى تعتبر الحرب فى أوكرانيا تحديد مصير لها، بل قال ترامب: «لدينا محيط كبير وجميل يفصل بيننا»، إشارة إلى أن الحرب فى أوكرانيا لا تمثل تهديدا مباشرا للولايات المتحدة –وذلك من ناحية البعد الجغرافى، ليؤكد بذلك ترامب على سياسة أمريكا أولا التى اتبعها خلال فترة حكمه الأولى، وبالتالى إمكانية التخلى عن أوروبا فى هذه الحرب أمر وارد جدا.
وما أكد ذلك هو باقى حديث ترامب الذى ذكر فيه أن الخلاف المتفاقم يهدد بتقويض جهود أوكرانيا الحربية ويزيد من إضعاف موقفها فى محادثات السلام التى بدأت بالفعل بين الولايات المتحدة وروسيا وخاصة بدون مشاركة كييف.
هذه التصريحات أثارت قلق الكثيرين فى أوروبا وأوكرانيا، لا سيما أن سياسة ترامب بتفضيل الولايات المتحدة على الجميع معروفة، وأن نية ترامب بتعويض الولايات المتحدة عن المساعدات العسكرية والمالية التى توجهت لأوكرانيا على مدار ثلاث سنوات من الحرب قد تؤدى إلى وقف أى حزمة مساعدات مستقبلية لأوكرانيا، والتى كانت تعتمد بشكل كبير على المساعدات الأمريكية المنتظمة لأسلحة الدفاع الجوى والقذائف وأنواع أخرى من الذخيرة لدعم قتالها ضد روسيا، وهذا ما أكده الجنرال كيريلو بودانوف رئيس وكالة الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، الذى صرح بأن الأمر سيكون صعبا دون الولايات المتحدة.
وما يزيد الأمر سوءًا بالنسبة للأوكرانيين هو تهميش ترامب لزيلينسكى وعدم إدراجه فى محادثات السلام، وقد هدد ترامب زيلينسكى فى منشوره بأنه إذا لم يتحرك بسرعة فلن يجد له مقعدا فى محادثات السلام ولن يتبقى له بلد، ويبدو أن ترامب بذلك يؤيد موقف روسيا التى تعتبر زيلينسكى رئيسا غير شرعى، وتطالب بانتخابات رئاسية كشرط لمحادثات السلام، ويذكر أنه تم تعليق الانتخابات بموجب الأحكام العرفية بعد دخول روسيا أوكرانيا فى فبراير 2022.
ورد زيلينسكى على ذلك، قائلا: «إذا أراد أى شخص أن يحل محلى الآن فلن يحدث ذلك»، ورفض بشكل صارخ قبول الشروط التى تم التفاوض عليها دون مشاركة أوكرانيا، وقال إن ما يحدث ما هو إلا محاولة لإخراج بوتين من العزلة، وكرر زيلينسكى أن أحد الخيارات لضمان التسوية هو الحصول على العضوية فى حلف شمال الأطلسى، وهو السبب الأكبر الذى قامت عليه الحرب من الأساس، وأضاف زيلينسكى ضرورة الحفاظ على جيش البلد النظامى الذى يبلغ نحو مليون جندى بالإضافة لقوات حفظ السلام من الدول الأوروبية، وأوصى بأن يتم الضغط على روسيا فى ذلك بالخسائر التى تتحملها من الحرب والتى تصل وفقا لتقديرات بعض المحللين العسكريين إلى 1000 جندى أو أكثر يوميا، بالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية.