تتحرك الجرافات والمركبات العسكرية الإسرائيلية فى كل أنحاء الضفة الغربية، بينما تستهدف التوغلات وعمليات التدمير والاعتداءات المستمرة فرض واقع جديد فى الأراضى المحتلة، وبشكل خاص بمخيمات جنين وطولكرم ونابلس. وفى الوقت الذى يجبر فيه الاحتلال السكان على مغادرة المخيمات، يعتقد الخبراء السياسيون بأن إسرائيل تحاول إعادة رسم الخارطة الأمنية، تمهيدًا للحلم الصهيونى لحكومة بنيامين نتنياهو، لضم الضفة الغربية. ويبقى السؤال هل نحن على مشارف الضم أم الانتفاضة؟!!
أبلغ سكان مخيم جنين بأن ما يحدث فى المنطقة الآن مثلما حدث فى قطاع غزة خلال الحرب التى استمرت لما يقرب من خمسة عشر شهرًا، فلم يعد أى من المنازل فى المخيم صالحًا للسكن، فى هدف واضح من الاحتلال لإجبار السكان على الرحيل. وبحسب الإحصائيات الواردة من الضفة، فإن حوالى عشرين ألف فلسطينى نزحوا قسرًا من منازلهم فى مخيم جنين فى الأسابيع الأخيرة نتيجة للعملية العسكرية الإسرائيلية المستمرة فى المنطقة، والذى أطلق عليها الاحتلال اسم «عملية الجدار الحديدي» والتى دخلت أسبوعها السادس وامتدت إلى ثلاثة مخيمات أخرى للاجئين فى شمال الضفة الغربية، مما أدى إلى نزوح عشرين ألف شخص إضافى من مخيم طولكرم ومخيم نور شمس ومخيم الفارعة. وفى الأيام الأولى للغزو الإسرائيلي، حملت الأسر ما استطاعت حمله، وفرت سيرًا على الأقدام على طول طريق ترابى مزقته الجرافات الإسرائيلية، بينما خنق الجنود الحركة داخل وخارج المخيم، وفقًا لشهادة السكان العائدين والذين لم يتعرفوا على منازلهم فى مشهد الدمار الشامل الذى صنعه الاحتلال بعد تدمير أغلب الطرق وطرق الوصول الرئيسية إلى مستشفى جنين الحكومي، والبنية الأساسية للمياه والصرف الصحى والاتصالات. وبينما تزعم القوات العسكرية الإسرائيلية أنها تستهدف جماعات المقاومة المسلحة فى هذه المناطق، إلا أنها لم تقدم سوى أدلة هزيلة على إنجازاتها فى هذا الصدد، وهو ما يطرح سؤالا حول هدف الاحتلال من نقل الحرب إلى الضفة وما سيؤول إليه الوضع ما بين توقعات بالضم أو الانتفاضة!
وفى تحليل خاص لـ«المصور»، تحدث من رام الله- الدكتور خليل أبو كرش، الباحث الفلسطينى والمختص فى الشؤون الإسرائيلية، بأن الحرب بالأساس كانت على الضفة الغربية وقبل الحرب على غزة، وكلها محاولات محمومة من الجانب الإسرائيلى للدفع ببرنامج الضم، وهذا ما كشفت عنه خطة وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش، بما أسماه «خطة الحسم»، والذى وصفها بأنها «أرض يهودا والسامرة» وفقًا للرواية التوراتية، وهى أرض يهودية خالصة، وبالتالى يجب على إسرائيل الدفع بمزيد من سياسة الاستيطان وبناء المزيد من المستوطنات وأضاف أبوكرش، قائلًا: «على الجانب الآخر، هم ينظرون إلى الضفة بأنه يجب أن تصبح أرض أكثر سكان أقل، وفقًا لرواياتهم.. وهذه العناوين والشعارات طُرحت بالنقاش السياسى الإسرائيلي، والحكومة الحالية هى حكومة ضم للأراضى الفلسطينية، فهذه الحكومة لا تريد أى حل سياسى وإحباط أى محاولة لإقامة دولة فلسطينية»، مشيرًا إلى استخدام حكومة نتنياهو، المتطرفة أدوات إسرائيلية لفرض رؤيتها الاستيطانية كالمؤسسة القضائية والعسكرية وميليشيات المستوطنين التى تم تسليحها من قبل الوزارة التى تُعرف بأنها «وزارة الأمن القومى»، التى كان يتزعمها الوزير اليمينى المتطرف إيتمار بن غفير.
ويرى أبو كرش، فى تحليله للموقف، أن ما كان يؤجل تلك الخطوة هى حكومة الرئيس الأمريكى السابق جو بايدن، إلا أنه مع وجود إدارة ترامب فى البيت الأبيض، والتى لا تعارض الخطوات الإسرائيلية بالضفة الغربية، وتميل إلى النظر لمنطقة الشرق الأوسط بعيون إسرائيلية، وهو ما اتضح فى حديث الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، حينما تم سؤاله عن الضفة، إذ صرح بأنه يمكن أن يكون هناك «ضم لأجزاء من الضفة أو ضم كل الضفة الغربية وفرض السيادة الإسرائيلية عليها». بالإضافة إلى دعم واشنطن للرؤية الإسرائيلية، يعتقد المحلل الفلسطينى أنه لا يمكن التغافل عن «دولة المستوطنين» بالضفة، والتى لا يمكن اعتبارها بأنها مجرد ميليشيات كونها عبارة عن خزان من الدم والعنف يحاول فرض الأمر الواقع على سكان الأراضى المحتلة من خلال سياسات التضييق والقتل والتهجير وسياسات الحواجز والبوايات، إذ يوجد فى الضفة الآن 900 حاجز وبوابة حولت الضفة إلى جزر منفصلة ومعزولة.
وحول ما كنا على مشارف انتفاضة ثالثة، يرى المحلل الفلسطيني، بأنه قد تكون هناك انتفاضة، ولكن ليس على نفس نمط الانتفاضة الثانية، مع الأخذ فى الاعتبار أن إسرائيل تتجنب المواجهات العنيفة وتفرض السيطرة على الأرض من خلال العمل الأمنى والعسكرى المكثف والمسبق فى شمال الضفة، بمخيمات مثل جنين وطولكرم ونابلس، والواقع الذى تريد خلقه هناك هو العبث فى الديموغرافيا والجغرافيا وتغيير خارطة الضفة الغربية حيث يسهل لاحقًا السيطرة على الأرض سواء بضم أجزاء منها أو تقسيمها أو السيطرة عليها، وهنا لابد من إفراغ تلك المناطق من سكانها وهو تقوم به إسرائيل أو تحاول القيام به فى الوقت الراهن. وربما نرى فى المستقبل القريب تهجير السكان بشكل أكبر، وهى تستخدم فى ذلك بعض الأدوات منها فرض قوانين جديدة وتشريعات فى البرلمان الإسرائيلى لمنع وإحباط دولة فلسطينية، وأن السيادة هى إسرائيلية وفرض الجغرافيا اليهودية وبالطبع تستخدم العصا الغليظة وهى «القوة العسكرية».. وعلاوة على كل هذه الإجراءات، تحاول إسرائيل القضاء على مؤسسة مثل الأونروا لمنع إمكانية استمرار إغاثة اللاجئين.. وبالتالي، فهى تعمل الآن على عملية الضم بشكل جزئى وتتعامل مع كل قضية على حدة، لكى يسهل بعد ذلك إعلان ضم الضفة الغربية على الأرض وبشكل رسمى.
