تحتفل الكويت، بداية من شهر فبراير، بأعيادها الوطنية المتمثلة فى عيد الاستقلال الرابع والستين والذكرى الرابعة والثلاثين للتحرير، ويوافقان يومى 25 و26 فبراير من كل عام، ويحلان فى ظل القيادة الرشيدة لأمير الكويت سمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، الذى تولى إدارة الإمارة فى ديسمبر 2023 خلفًا لأخيه الشيخ نواف الأحمد -طيب الله ثراه.
وتتزين الكويت لتكون فى أبهى صورها خلال الاحتفالات بالأعياد الوطنية، فتتزين مبانيها وميادينها وشوارعها التى تمتلئ بالمواطنين الذين يعبرون عن بالغ حبهم للوطن والتفافهم حول قيادتهم السياسية، وعلى رأسها الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح أمير البلاد والشيخ صباح خالد الحمد الصباح ولى العهد.
وتتمثل احتفالات الكويتيين بأعيادهم الوطنية فى عدد من الفعاليات والأنشطة، ومنها العروض العسكرية التى تعكس انطباعًا جميلًا فى ذاكرة الشعب الكويتى، وخصوصا المشاركة الواسعة لوحدات الجيش البرية والجوية والبحرية إلى جانب وزارة الداخلية والحرس الوطني.
العروض العسكرية
وجرت العادة أن تُفتتح العروض العسكرية بتحية العلم وسط حضور كبير من المواطنين، فى حين تحتشد الوحدات العسكرية فى تراص منظم لتبدأ عرضها المهيب الذى يتخلله عزف الفرق الموسيقية التابعة للجيش والمارش العسكري، راسمين لوحة فنية تتجلى فيها القيم الوطنية والاستبسال دفاعا عن الوطن.
ويشارك فى العروض مشاة من قوات المغاوير التابعة للجيش، وقوات الصاعقة من الحرس الوطنى، وطلائع الفرسان من الشرطة، وآليات وزارة الداخلية بكل قطاعاتها، والسفن البرمائية، ومقاتلات حربية كويتية مختلفة.
وبالإضافة إلى تلك القوات، يأتى العرض الجوى الذى يضم مختلف أنواع الطائرات؛ مثل: «يوروفايتر – تايفون» و«هركليز» و«توكانو» و«الهوك» و«الأباتشي» و«إف 18» لرسم تشكيلات ثلاثية ورباعية.
مظاهر احتفالية
كما تشارك أبراج الكويت، أحد أهم المعالم التاريخية والسياحية فى البلاد، فى الاحتفالات الوطنية باعتبارها مقصدًا ووجهة سياحية مهمة، وتشارك أيضا قرية صباح الأحمد التراثية فرحة الكويت فى الاحتفالات الوطنية بإقامتها العديد من الفعاليات والأنشطة، والمتمثلة فى مسابقات وتوزيع جوائز وفقرات الألعاب النارية والفرق الشعبية الغنائية وغيرها، كما تشارك العديد من المؤسسات الأخرى، مثل حديقة الشهيد التى تضم عددًا من الأماكن التراثية والمتاحف، وتحظى بزيارة حشد ضخم من المواطنين والمقيمين.
ومن أهم مظاهر احتفالات الكويت بأعيادها الوطنية انطلاق مهرجان «هلا فبراير» الذى يأتى كل عام فى شهر فبراير، لتقيم فيه الكويت عددًا كبيرًا من الاحتفالات، ويتميز المهرجان بتقديم مجموعة واسعة من الفعاليات والأنشطة التى تلبى اهتمامات مختلف الفئات العمرية والثقافية من خلال الحفلات الموسيقية والغنائية التى تستقطب كبار الفنانين المحليين والعرب، مما يجعله من أهم محطات الجذب للجمهور، كما تعد الأمسيات الشعرية والندوات الثقافية جزءًا لا يتجزأ من البرنامج، إذ توفر منصة للشعراء والمثقفين لعرض أعمالهم ومشاركة أفكارهم، وبالإضافة إلى الجانب الفنى والثقافي، يشمل المهرجان العديد من الأنشطة الترفيهية مثل المسرحيات وعروض الأزياء التى تعكس التقاليد والحداثة فى الكويت، تُقام أيضًا مباريات رياضية ودية تجمع بين الأندية المحلية والدولية، مما يضفى جوًّا من الحماس والمنافسة.
ولا يقتصر المهرجان على الأنشطة الثقافية والترفيهية فحسب، بل يشمل أيضًا مجموعة متنوعة من الفعاليات التسويقية، حيث يشارك عدد كبير من المحال التجارية والسلاسل فى الفعاليات بتقديم خصومات وعروض خاصة، مما يجعله وقتًا مثاليًا للتسوق والاستفادة من الصفقات الرائعة، ويتواكب مهرجان هذا العام مع انطلاق فعاليات الكويت عاصمة للثقافة والإعلام العربى للعام 2025 التى تتواصل على مدار العام فى ملمح جديد يشهد على حالة الازدهار الثقافى والزخم الإعلامى الذى تشهده الكويت فى هذا العهد المبارك.
تاريخ حافل
ولم تأتِ مظاهر الاحتفال بالأعياد الوطنية الكويتية من فراغ، بل صنعها تاريخ حافل بالأحداث، فالكويت دخلت مرحلة جديدة من تاريخها يوم 19 يونيو 1961، حين وقّع الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح وثيقة الاستقلال مع المندوب البريطانى بالخليج العربى نيابة عن حكومته.
وبموجب هذه الوثيقة أُلغيت اتفاقية 23 يناير 1899 التى وقّعها الشيخ مبارك الصباح مع بريطانيا فى ذلك الوقت لحماية الكويت من الأطماع الخارجية، وبإلغاء تلك الوثيقة أعلنت الكويت دولة مستقلة ذات سيادة.
وألقى المغفور له الشيخ عبدالله السالم فى هذه المناسبة، كلمة، قال فيها: «فى هذا اليوم الذى ننتقل فيه من مرحلة إلى مرحلة أخرى من مراحل التاريخ ونطوى صفحة من الماضى بكل ما تحمله وما انطوت عليه، نفتح صفحة جديدة تتمثل فى هذه الاتفاقية التى نالت بموجبها الكويت استقلالها التام وسيادتها الكاملة».
ونصت المذكرة البريطانية على أن حكومة الكويت تنفرد بمسؤولية إدارة شؤونها الداخلية والخارجية، على أن تظل العلاقات بين البلدين وطيدة تسودها روح الصداقة المتينة.
ولم يكن النجاح فى إصدار مثل هذه المذكرة البريطانية عملًا سهلًا على الإطلاق، بل كان عملًا شاقًا، لا يقدر عليه إلا رجل محنك متمكن سياسيًّا، ويستند إلى دعم شعبى غير عادي، وكلها كانت بعض صفات أمير الاستقلال الشيخ عبدالله السالم الصباح.
وإذا كانت معاهدة الحماية بداية للعلاقات الكويتية - البريطانية وخطوة من خطوات الحماية للكويت ضد القوى الخارجية، فإن عهد الشيخ عبدالله السالم «1950 - 1965» هو عهد إلغاء هذه المعاهدة، وإعلان دولة الاستقلال على يد «أبو الاستقلال».
وفى 25 فبراير 1950 أعلن الشيخ عبدالله السالم فور توليه الحكم عن عزمه على اتباع سياسية ترمى إلى تحقيق الوحدة الوطنية أو إشاعة جو ديمقراطى ومقاومة أى تدخل فى الشؤون الداخلية للبلاد، وهو التاريخ الذى اُختير عيدًا وطنيًّا للكويت يحتفل به المواطنون كل عام.
وقام الأمير الراحل بإجراء إصلاحات جوهرية ضمن مخططه للتنمية الاقتصادية، ودخل فى مفاوضات شاقة طويلة مع شركة نفط الكويت، نتج عنها فى أواخر عام 1951 الاتفاق على رفع نسبة العوائد النفطية إلى 50 فى المائة من الأرباح الصافية.
مساهمات عربية ودولية
وبمجرد أن نالت الكويت استقلالها وسيادتها سارعت إلى الانضمام للجامعة العربية فى 20 يوليو 1961 وسعى الأمير الراحل إلى دعم الدول العربية، والخطوة الثانية إنشاء الصندوق الكويتى للتنمية الاقتصادية العربية ليكون دعمًا وعونًا للدول العربية فى بناء مشاريعها المختلفة، وزاد ارتباط الكويت بشقيقاتها العربيات، بل وأصبحت تعيش كل قضايا العرب قولا وفعلا على المستويين الرسمى والشعبي.
وأكملت الكويت وجودها السياسى بالانضمام إلى الأمم المتحدة فى 14 مايو 1963 والمنظمات التابعة لها؛ لتكون بذلك عضوًا فاعلًا فى المجتمع الدولى تسعى نحو السلام مع الدول المحبة للسلام والاستقرار.
السياسة الخارجية
ولتعزيز دور الكويت وسياستها؛ صدر المرسوم الأميرى فى 19 أغسطس عام 1961 الذى يقضى بإنشاء «دائرة الخارجية» على أن تختص دون غيرها بالشؤون الخارجية للدولة وتعمل على تعزيز الروابط مع دول العالم المختلفة.
وصدر مرسوم أميرى بتعيين أول رئيس لدائرة الخارجية فى تاريخ الكويت وذلك فى 3 أكتوبر 1961م، حيث تم تعيين الشيخ صباح السالم الصباح رئيسًا لدائرة الخارجية، وأعقبه الشيخ صباح الأحمد الذى أصبح وزيرًا للخارجية بالتشكيل الوزارى الثانى الصادر فى 28 يناير 1963م، واستمر فى منصبه لمدة أربعة عقود استحق خلالها لقب عميد الدبلوماسيين فى العالم.
واعتمدت السياسة الخارجية للكويت على أساس من الاحترام المتبادل وعدم التدخل فى الشؤون الداخلية والاعتراف بحق كل شعب فى اختيار نظامه الأساسى الحاكم، وانتهجت الكويت بعد الاستقلال سياسة خارجية فذة يشهد لرجاحتها وحنكتها العدو قبل الصديق.
قامات كويتية
وفى ذكرى يوم الاستقلال، فإن ذاكرة الكويتيين تحفظ بكل تقدير عطاء ودور عدد من القامات الخالدة، فى مقدمتهم «أبو الاستقلال» الشيخ عبدالله السالم الذى أسس خطى واضحة، يراعى دوما مصالح الدولة والشعب الكويتى فى كل عمل أو إجراء، وكان أهمها إلغاء اتفاقية 1899 وإعلان الاستقلال.
وفى ديسمبر 1965 تقلد الشيخ صباح السالم مقاليد الحكم فى البلاد، حيث واصل دوره فى خدمة الكويت، فافتُتحت فى عهده أول جامعة، وتطورت الخدمات الصحية والإسكانية والتعليمية، وشُكِّلت فى عهده أربع وزارات برئاسة الشيخ جابر الأحمد الذى كان وليًّا للعهد ورئيسًا لمجلس الوزراء قبل أن يتولى منصب أمير البلاد فى 31 ديسمبر 1977.
وواصلت الكويت دورها التنموى والسياسى كدولة على الصعيدين الداخلى والخارجى، وافتتحت عدة مشاريع داخل الكويت وخارجها، أعطتها بُعدًا حضاريًّا وتقدمًا على كل الأصعدة.
أبطال التحرير
ولعل ذكرى تحرير الكويت التى تمر عليها هذا العام أربع وثلاثون سنة تذكّرنا بالأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح أمير الذى قاد نهضة الكويت لتكون مركز إشعاع الخليج فى جميع المجالات، وقاد أيضا وبنفس الروح تحرير الكويت وعودتها إلى أحضان أبنائها شامخة عزيزة عام 1991.
وداخل أروقة الأمم المتحدة وأمام العالم أجمع، وقف الشيخ جابر الأحمد يخاطب الجميع حول قضية بلاده، قائلا: «لقد جئت اليوم حاملا رسالة شعب أحب السلام وعمل من أجله، ومد يد العون لكل مَن استحقها، وسعى للخير والصلح بين مَن تنازعوا؛ إيمانا منه برسالة نبيلة أمرنا بها ديننا الإسلامى، وتحثّنا عليها المواثيق والعهود، وتلزمنا بها الأخلاق».
وأضاف: «جئتكم برسالة شعب كانت أرضه بالأمس القريب منارة للتعايش السلمى والإخاء بين الأمم، وكانت داره ملتقى الشعوب الآمنة التى لا تنشد سوى العيش الكريم والعمل، وها هو شعبها اليوم بين شريد هائم يحتضن الأمل فى مأواه وبين سجين ومناضل يرفض بدمه وروحه أن يستسلم ويستكين للاحتلال مهما بلغ عنفوانه وبطشه».
ومن أبسط الكلمات تظهر أقوى المواقف، فكان الالتفاف العالمى حول هذا القائد تصفيقًا وتأييدًا حتى عاد وطنه محررًا وعاد هو أميرًا معززًا كريمًا... كما لا تنسى الكويت أيضا رجلًا استحق بالفعل أن يطلق عليه «بطل التحرير» وهو الأمير الوالد المغفور له الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح، فمنذ اللحظة الأولى التى بدأ فيها الاحتلال الآثم استشعر الشيخ سعد نوايا المحتل فى الإطاحة برأس الشرعية فى الكويت المتمثل فى أمير البلاد آنذاك الشيخ جابر الأحمد، فاتجه إلى قصر دسمان مُصرًّا على رفيق دربه بالخروج إلى السعودية.
ولولا هذا الموقف الحكيم والشجاع من الأمير الوالد، لذهبت الشرعية التى توحّد الشعب الكويتى تحت رايتها، سواء مَن كان منهم فى الداخل أو الخارج والتى كان لها الأثر الكبير فى إصرار المجتمع الدولى على الانسحاب العراقى وتحرير الكويت.
وبعد أن اطمأن الشيخ سعد، على سلامة رأس الشرعية، شرع فى الاهتمام بتنظيم أوضاع الحكومة الكويتية وتحديد أولوياتها، وعلى أهمها تأمين الحياة الكريمة للكويتيين فى الخارج ورفع الروح المعنوية، وتأمين حياة المواطنين فى الداخل، ودعم المقاومة الكويتية إلى جانب التحرك الدبلوماسى المستمر باتجاه الدول الشقيقة والصديقة لدعم مواقفهم تجاه الحق الكويتي.
صولات الشيخ صباح
أما المغفور له الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح «طيب الله ثراه»، فكانت، وما زالت، له صولات وجولات فى الحفاظ على استقرار وأمن الكويت وتحقيق نهضتها السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والثقافية، فكان الشيخ صباح الأحمد وزيرا للخارجية فى وقت الاحتلال، ووقتها قاد جهودًا دبلوماسية كبيرة على مستوى العالم لإنهاء احتلال نظام صدام حسين للكويت، وهو أيضا الذى رفع علم دولته فى الأمم المتحدة، وهو مَن حفظ بلاده من المؤامرات والفتن، وامتدت جهوده للوطن العربى والاسلامى أجمع، فقاد جهودًا للمصالحة بين الفرقاء، وحرص على وحدة الدول العربية وعلى كيان مجلس التعاون الخليجى من أى محاولات لتصدعه، ولم يكف عن مبادرات هنا وهناك لإغاثة الشعوب العربية ومتابعة قضايا وهموم الوطن العربي.
عطاء الشيخ نواف
وُلد المغفور له الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح فى 25 يونيو عام 1937، وكان الابن السادس من الأبناء الذكور للأمير الراحل الشيخ أحمد الجابر، وكان له منذ استقلال البلاد بصمة واضحة فى العمل السياسي.. ففى 12 فبراير عام 1962، عيّنه الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم محافظًا لحولي، وظل فى هذا المنصب حتى 19 مارس عام 1978، عندما عُين وزيرًا للداخلية فى عهد الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، حتى 26 يناير 1988 عندما تولى وزارة الدفاع.
وبعد تحرير الكويت من الغزو العراقى الغاشم عام 1991 تولى حقيبة وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل فى 20 أبريل 1991، واستمر فى ذلك المنصب حتى 17 أكتوبر 1992، وفى 16 أكتوبر 1994 تولى منصب نائب رئيس الحرس الوطني، واستمر فيه حتى 13 يوليو 2003، عندما تولى وزارة الداخلية، ثم صدر مرسوم أميرى فى 16 أكتوبر من العام ذاته بتعيينه نائبًا أول لرئيس مجلس الوزراء ووزيرًا للداخلية، وبقى فى هذا المنصب حتى تعيينه وليًا للعهد فى عام 2006.
وتولى مقاليد الحكم فى البلاد فى 29 سبتمبر عام 2020، خلفًا لأخيه الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، ليصبح الحاكم السادس عشر للبلاد، حيث تُوِّج أميرًا للكويت بعد نحو 58 عامًا من العطاء فى مناصب عدة خدم خلالها الكويت، وخلال الأعوام الثلاثة التى أمضاها فى الحكم، شهدت الكويت، إكمالًا لمسيرة البناء والعطاء التى بدأها أسلافه، كما شهدت خططًا جديدة فى إدارتها تعتمد فيها على معطيات الحاضر لبناء مستقبل زاهر، تواكب فيه مستجدات العصر وتطوراته وتتبوأ المكانة التى تستحقها عربيًا وإقليميًا وعالميًا.
وهكذا، تتواصل مسيرة حكام الكويت فى مسيرة متتابعة من العطاء والإنجازات من أجل رفعتها وازدهارها وفى ظل التفاف وتلاحم الشعب مع القيادة.

