رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

نصر العاشر من رمضان.. مسرح سياسى لا تنتهى فصوله


14-3-2025 | 04:06

.

طباعة
بقلم: اللواء. محمد الغبارى

إن حرب أكتوبر 73 ستكون دائمًا مرجعًا تاريخيًّا خاصًا لكل من المجالين العسكرى والسياسى لاستخلاص الدروس والخبرات من أحداثها لإضافتها إلى القدرات الذاتية فى استغلال وتهيئة المسرح السياسى الدولى لتنفيذ الأهداف وتحقيق المصالح، وما أحوجنا لمثل هذا الآن لما نواجهه من آثار لمقاومتنا للمشروع الاستعمارى الغربى الصهيونى.

 

نتيجة لانتصار إسرائيل فى حرب يونيو سنة 1967، نجحت هى والولايات المتحدة فى تحقيق أهدافهما الاستراتيجية، التى سعت إليها والتى تمثلت فى «حصار مصر داخل حدودها»، و«ضمان التفوق العسكرى لإسرائيل»، و«إطلاق يد الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط»، هذا إلى جانب العمل على «تحجيم حركة عدم الانحياز», وأصرت إسرائيل على رفض الانسحاب من الأراضى العربية المحتلة، مما تسبب فى استمرار حالة الحرب، وظل الاعتقاد بأن القوة العسكرية هى الحاسمة لتحقيق الأهداف, وبدأت إسرائيل فى توسيع استيطانها فى الأراضى المحتلة، ودعم وتطوير قدراتها العسكرية، متخذة من نظرية الأمن الإسرائيلى شعارًا لتحقـيق أهدافها التوسعية، ووسيلة لخداع الرأى العام العالمى.

 

بدأ النشاط السياسى العربى بإزالة الخلافات العربية بعقد مؤتمر الخرطوم والتى جاءت قراراته داعمة لمصر، سواء من حيث «عودة قواتها من اليمن»، أو «الدعم المالى لغلق قناة السويس» على كلا المستويين العربى والدولى، حيث كان صدور القرار رقم 242 عن مجلس الأمن، وكان لهما تأثير مباشر فى تطور العمل الوطنى والقومى فى المراحل التالية من الصراع, ولم ترفض مصر جهود الحل السلمى، بل سمحت للاتحاد السوفييتى بالقيام بكل ما يراه مناسبًا فى هذا المضمار، وإجراء اتصالاته مع جميع الأطراف بشرط عدم التفاوض مع إسرائيل إلا بعد الانسحاب من الأراضى التى احتلتها مع عدم التنازل عن أى جزء منها.

 

كان منهج السياسة الخارجية المصرية مبنيًا على أساس رفض الهزيمة العسكرية، واعتبار ما حدث هو نتيجة جولة من الجولات وليست نهايتها ولا استسلام نهائيًا لنتائج هذه الجولة، وهذا تطلّب أسلوبًا من العمل فتم اتخاذ الإجراءات والخطوات الاستراتيجية، منها على سبيل المثال «العمل السياسى لكسب الوقت دون الوصول إلى حل كغطاء حتى تتم إعادة واستكمال القدرة العسكرية المصرية لتكون داعمة فى الوصول لحل المشكلة».

 

كما جرى العمل على «إقناع الرأى العام العالمى بأننا لا نريد الحرب من أجل الحرب، وإنما من أجل استعادة الأرض المغتصبة بالقوة وتحقيق أهداف الشعب الفلسطينى»، ووسط هذا كله بدأ «الاشتراك فى إعادة بناء القوات المسلحة لتكون على أعلى درجة من الحداثة»، والمساهمة فى إعداد مسرح العمليات المنتظر وما يلزم من تجهيزات لعبور القناة».

 

اعتمدت مصر على ذاتها والدعم العربى ووضعت استراتيجيتها للتنفيذ تحت عنوان «ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة»، فانتهجت حرب الاستنزاف منهجًا وطريقًا لإعادة بناء القوات المسلحة تنظيمًا وتدريبًا ومعنويًا وبناء الدفاعات غرب القناة مع استمرار القتال، كما استخدمت الدبلوماسية لإثبات أنها تسعى إلى الانسحاب الإسرائيلى وتحقق أهداف الشعب الفلسطينى، وإقناع العالم بصفة عامة، والاتحاد السوفييتى بصفة خاصـة، أننا لا نريد الحرب من أجل الحرب مع المحافظة على صلابة الجبهة الداخلية والتضامن العربى، وذلك لتهيئة المسرح السياسى الدولى والإقليمى لاسترداد الحقوق المشروعة.

 

وأريد أن أشير هنا إلى أنه كانت هناك المراحل الأساسية للإعداد والحرب من يونيو67 حتى أكتوبر73 والتى تمثلت في: مرحلة «الصمود»، من يونيو 1967، إلى أغسطس 1968، «الردع - الدفاع النشط»، من سبتمبر 1968، إلى فبراير 1969، «الاستنزاف، من مارس 1969، إلى يوليو 1970، وأخيرًا مرحلة «إيقاف إطلاق النار»، من أغسطس 1970، إلى أكتوبر 1973.

 

كانت المفاجأة الكبرى الهجوم المصرى - السورى فى وقت واحد على الجبهتين حيث أعلنت الحرب، وكانت الهزيمة الكبرى للجيش الإسرائيلى الذى لا يُقهر كما يدعون، وتحقيق تحرير أراضٍ من الأراضى المحتلة فى سيناء والجولان، مع تمكن إسرائيل بالدعم الأمريكى غير المحدود من عمل ثغرة على الجبهة المصرية واستعادة الجولان من سوريا, وكان حجم الخسائر الضخمة فى القوات الإسرائيلية أحدث انزعاجًا مهولًا للولايات المتحدة التى قامت بالإمداد المباشر لإسرائيل وعلى جبهات القتال بالمعدات والأسلحة وتعويضها عن خسائرها، بل بأكثر مما تحلم وسارع كيسنجر بالحضور إلى القاهرة ودمشق وتل أبيب، حتى يمكن احتواء الموقف وإنقاذ إسرائيل من الهزيمة الكاملة.

 

أصبح الصراع العربى الإسرائيلى على رأس المشاكل الدولية المطلوب حلها لتأمين مصالح الدول الفاعلة الكبرى، وأن السلام هو الطريق الوحيد ومحاولة إيجاد حل للقضية الفلسطينية، فتوصل «كيسنجر» إلى اتفاق فكّ الاشتباك الأول والثانى مع مصر لتصفية ثغرة الدفرسوار سلميًا والانسحاب الإسرائيلى لخطوط فصل مؤمنة فى سيناء وأيضا مع سوريا وانسحاب إسرائيل من الأراضى السورية وخاصة مدينة القنيطرة.

 

وجرى العمل على تطهير قناة السويس وفتحها للملاحة لعودة حركة التجارة العالمية وخاصة النفط إلى أوروبا، حيث تعدل الموقف الأوروبى، وتم الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد للشعب الفلسطينى وإجراء الحوار العربى الأوروبى، هذا إلى جانب إجراء مباحثات بين مصر وإسرائيل برعاية أمريكية اتفق فيها خلال إطار كامب ديفيد على أسلوب الوصول لاتفاقية سلام بينهما وُقّعت فى نوفمبر 79، وأعلن السادات أنها ستكون آخر الحروب متحديًا العقيدة اليهودية القائمة على القتال والحرب لتحقيق دولتهم اليهودية وحلمهم بوعدهم المزعوم من نهر مصر (وادى العريش) إلى النهر الكبير نهر الفرات، وقتها قاطع العرب مصر، وتم تجميد عضويتها بالجامعة العربية، وقامت الحرب العراقية - الإيرانية (الاحتواء المزدوج) والتى امتدت لأكثر من ثمانى سنوات، ثم عودة مصر إلى الصف العربى عام 89، ثم جاءت الفتنة الكبرى بغزو العراق للكويت مما أدى لانقسام الصف العربى مرة أخرى عام 91، وانهيار الاتحاد السوفييتى وتفككه، وانفراد أمريكا بقيادة العالم، وخسر العرب داعمًا رئيسيًا فى المحافل الدولية، وأعلنت أمريكا عن مشروع الشرق الأوسط الكبير بعد إعلان شيمون بيريز لمشروع السوق الشرق أوسطية بين إسرائيل والمنطقة العربية وجيرانها على أساس من الشراكة الاقتصادية على غرار السوق الأوروبية والذى رفضه العرب جميعًا.

 

تبنت أمريكا وإسرائيل سياسة جديدة فى الشرق الأوسط بعد تهيئة المسرح السياسى الأوروبى لذلك، وهى العمل على إنشاء الدولة اليهودية بإعادة تقسيم الدول العربية بما يتيح ويسهل ذلك من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد بتقسيماته المقترحة، والذى أعلنت عنه كوندا ليزا رايس عام 2003 والذى أخذت فى تنفيذه بتقنين الانقسام فى العراق لثلاث دول، ثم بأحداث الربيع العربى أو الفوضى الخلاقة -كما تقول، وجارٍ العمل على تقسيم سوريا وليبيا والسودان، وباستخدام الحرب بالوكالة عن طريق الجماعات الجهادية المتأسلمة لإنشاء الإمارات الإسلامية أو الخلافة الإسلامية كما ادعت كبيرتهم، ومصدر فكرهم جماعة الإخوان فى مصر والتى قُضى عليها بثورة 30 يونيو 2013م، والصراع قائم حتى الآن.

أخبار الساعة