بينما تراجع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عن فكرة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، رفضت إدارته وتل أبيب مقترح حماس الذى أطلق عليه «مقترح الجسر»، ووصف ستيف ويتكوف، مبعوث البيت الأبيض إلى الشرق الأوسط، بأن ما عرضته الحركة لإطلاق سراح الجندى الأسير عيدان ألكسندر - آخر رهينة أمريكي-إسرائيلى معروف على قيد الحياة ورفات أربعة مواطنين مزدوجى الجنسية مجهولى الهوية، بأنه عرض «مخادع». فيما اتهمت عائلات الأسرى رئيس الوزراء الإسرائيلى وعددا من السياسيين الإسرائيليين بالمراوغة من أجل الحفاظ على ائتلافه المتطرف وعرشه السياسي.
ردًا على سؤال طرحته إحدى الصحفيات خلال لقاء جمع الرئيس الأمريكى مع رئيس وزراء أيرلندا فى البيت الأبيض، أكد ترامب، أنه لن يطرد الفلسطينيين من قطاع غزة، مما طرح سؤالًا على الطاولة، حول ما يعنى تصريح الرئيس الأمريكى وما إذا كان تراجعًا عن فكرته أم تغيرًا فى الخطاب السياسي؟. وفى تحليل لأغلب المحللين السياسيين، وجد تفسيرين لتصريحات ترامب، أولهما بأن الرئيس الأمريكى لا يعتبر خطته «طردًا» أو تهجيرًا للفلسطينيين، بل تحقيق لرغباتهم؛ لذلك لم يفهم معنى السؤال عندما وجه إليه عن موضوع الطرد، واستهجن السؤال أيضًا، فهو مقتنع أن خطته تحظى بتأييد الفلسطينيين فى قطاع غزة.
والثاني، هو أنه تراجع فعلًا عن مشروعه بتهجير سكان غزة، وذلك بعد إدراكه صعوبة تنفيذ هذا المقترح، ورفض الدول العربية له، ورغبته بتحقيق أهداف أكبر من قطاع غزة، فيما قد يخلق له التهجير مشاكل أكبر من التهجير نفسه ومكاسبه من السيطرة على قطاع غزة، فيما أعرب البعض عن مشاكل تحليل تصريحات ترامب، كونه يملك تاريخًا طويلًا من التصريحات التى تراجع عنها، إلا أن تلك الفكرة التى طرحها ترامب، ووصفها الإسرائيليون بأنها «تفكير إبداعي» واجهت موقفا عربيا موحدا ضد المقترح، ومبادرة عربية بقيادة مصرية جاءت بسقف سياسى يتعدى إعادة الإعمار ومنع التهجير، وهو ما لعب دورًا كبيرًا فى لجم جماح هذه الخطة لدى ترامب، فبغض النظر عن تصريحه الأخير، فالأهم هو عدم تكراره المقترح.
وفى تقريره لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، أشار مايكل د.شير، مراسل البيت الأبيض، إلى التراجع الواضح فى تصريحات ترامب حول فكرة التهجير، وما يعنيه من إقرار الرئيس الأمريكى بفشل جهوده فى الإقناع، وكيف جعل رفض مصر والأردن استقبال النازحين من غزة الفكرة غير قابلة للتطبيق. وهنا يمكن القول إن الإدارة الأمريكية التى حاول أغلب مسئوليها التقليل من شأن المقترح تدرك أن مباحثات وقف إطلاق النار فى غزة ستفضى إلى واقع يعارض التهجير، ولعل خير دليل على ذلك مباحثات المبعوث الأمريكى لشئون الرهائن الأمريكيين، آدم بولر، مع حركة حماس، والتى ناقشت هدنة لمدة خمس سنوات على الأقل فى قطاع غزة، أى هدنة ستدوم لما بعد ولاية ترامب ونتنياهو. مع الأخذ فى الاعتبار بأن بولر، أكد أن مباحثاته كانت بتأييد ودعم ترامب شخصيًا، وهو دليل آخر على أن فكرة التهجير ليست أولوية عند إدارة ترامب أو عنده شخصيًا. بالإضافة إلى ذلك، يدرك ترامب جيدًا أن التهجير يتناقض مع طموحه لصنع السلام فى الشرق الأوسط. فهو ينسف كل مخططاته لإعادة الحياة لمشروع التطبيع فى المنطقة واستقرارها ومنع الحروب. فالتهجير يهدد الاستقرار الإقليمي، فضلًا عن إعادة الصراع مع إسرائيل إلى لحظة البداية عام 1948، عندما هجرت إسرائيل الفلسطينيين من وطنهم. فالتهجير لن يحل الصراع العربى الإسرائيلي، بل سيعيده إلى نقطة البداية. ومع ذلك، يجب عدم التقليل من الحاشية الصهيونية خلف ترامب.
وفقًا لاستطلاع رأى أجراه مركز جلوب، فإن الحكومة الإسرائيلية المرتبطة بقوة بترامب تساهم بانهيار التعاطف مع إسرائيل فى صفوف الناخبين الديمقراطيين، إذ كشفت نتائج الاستطلاع أن 60 فى المائة من الناخبين الديمقراطيين الأمريكيين يتعاطفون بشكل أكبر مع الفلسطينيين. وتأتى النتائج مع ارتفاع وتيرة الغضب تجاه حكومة نتنياهو بالداخل الإسرائيلي.
ففى احتجاج مناهض للحكومة فى ساحة هابيما بتل أبيب، صرح يائير جولان، وهو لواء متقاعد فى الجيش الإسرائيلي، شغل منصب نائب رئيس هيئة الأركان العامة وهو حاليًا عضو كنيست عن حزب ميرتس، بأن المعارضة عليها إجبار نتنياهو، لإجراء الانتخابات العامة والتى من المقرر إجراؤها أواخر عام 2026، إلا أن منتقدى رئيس الوزراء يطالبون بحل الحكومة والذهاب لانتخابات عامة مبكرة. كما هاجم وزير الدفاع الإسرائيلى السابق موشيه يعالون، رئيس الوزراء، وقال إنه يماطل فى تنفيذ الاتفاق مع حماس لإرضاء وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش. وفى ظل التخوفات الكبيرة وحركة التشكيك بين الحكومة وبقية المؤسسات الكبرى فى إسرائيل، يطرح سيناريو إتمام صفقة تبادل لإنهاء الحرب سؤالًا على الأذهان، ألا وهو: هل سيسقط نتنياهو فى حال تمت الصفقة مع حماس، وانتهت الحرب؟.
من المرجح أن يميل حزب الصهيونية الدينية برئاسة سموتريتش للبقاء فى الحكومة، وذلك من أجل الاستمرار بمشروعه الاستيطانى فى الضفة الغربية، وبينما سيخرج وزراء وأعضاء تيار الصهيونية الدينية ضد الاتفاق، سوف يمارسون مساومات للبقاء فى الحكومة بالوعد باستئناف الحرب، وتكثيف الاستيطان فى الضفة الغربية. ومن المتوقع، أن يعمل نتنياهو على تسويق الاتفاق باعتباره يتيح فرصًا استراتيجية جديدة لإسرائيل فى المنطقة، مثل إنجاز اتفاقات تطبيع مع دول عربية أخرى، ويضمن نهاية حكم حركة حماس السياسى فى قطاع غزة. ولكن فى المقابل يمكن الادعاء أن هذا الاتفاق سيقضى على مستقبل نتنياهو السياسي، وسيكون ذلك فى أول انتخابات عامة تجرى فى إسرائيل.
