ولقد تبيَّن من خلال المصادر التاريخية: أنَّ النبى - صلَّى الله عليه وسلَّم - تزوجها فى شوال سَنة عشر، أو إحدى عشرة من النبوَّة بعد زواجه من سَوْدة بنت زمعة بسنة، وبقيت عنده تِسع سنين، ولم يتزوَّج بِكرًا غيرها.
ولقد كان لزواجه - صلَّى الله عليه وسلَّم – بالسيدة عائشة فوائد جمَّة منها: تمتين أواصر المحبَّة والأخوَّة مع ساعدِه الأيمن فى نشْر هذه الدعوة المباركة، ولكى تبقى أطولَ فترة ممكنة فى مدرسة النبوَّة، تتفقَّه فى أحكامها وتعاليمها؛ لتنقلَ هذه الأحكام - بدورها - إلى سائر المسلمات.
أنزلها النبى - صلَّى الله عليه وسلَّم - من نفسه أعزَّ منزلة، وفضلها على جميع النِّساء؛ حيث قال - عليه الصلاة والسلام -: "فضْلُ عائشة على النساء، كفضْل الثريد على سائر الطعام"، وزواجه منها كان لحِكمة إلهيَّة، فقد رآها فى المنام مرَّتين، وهو الصادق الأمين الذى لا ينطِق عن الهوى.
وممَّا يدلُّ على مكانتها أكثرَ فى نفس النبى - صلَّى الله عليه وسلَّم - ما رواه الشيخان عن عمرو بن العاص: أنَّ النبى - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيتُه فقلت: أى الناس أحبُّ إليك؟ قال: "عائشة"، فقلت: مِن الرجال؟ فقال: "أبوها"، قلت: ثم مَن؟ قال: "ثم عمر بن الخطاب، فعدَّ رجالاً".
وتُفصِح السيدة عائشة - رضى الله عنها - بنفسها عن فضلها، وعن تلك المنزلة السامية، والمكانة الرفيعة التى كانت تحتلُّها فى نفس رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فتقول: "فُضلتُ على نساء النبى - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعشر، قيل: ما هنَّ يا أمَّ المؤمنين؟ قالت: لم ينكح بِكرًا قط غيري، ولم ينكح امرأة أبواها مهاجران غيري، وأنزل الله - عز وجل - براءتى من السماء، وجاءه جبريل بصورتى من السماء فى حريرة، وقال: تزوجْها، فإنها امرأتك، فكنتُ أغتسل أنا وهو من إناء واحد، ولم يكن يفعل ذلك بأحد مِن نسائه غيري، وكان ينزل عليه الوحى وهو معي، ولم يكن ينزل عليه وهو مع أحد من نسائه غيري، وقَبَض الله نفسه وهو بين سحرى ونَحْري، ومات فى الليلة التى يدور على فيها، ودُفِن فى بيتي".
ولقد تميَّزت السيدة عائشة - رضى الله عنها - بفضائل عالية، وأخلاق سامية، فكانت - رضى الله عنها - شديدةَ الحياء، فمَن لا حياءَ له لا دِين له، مِن هذا المنطلق أعطتْ عائشة مثالاً رائعًا يُحتذَى به، كانت تحتجب مِن حَسَن وحسين لفرْط حيائها، ويُعدُّ تواضعها - رضى الله عنها - من مكارم الأخلاق التى تتمتَّع بها، وممَّا يدلُّ على ذلك: أنَّ داخلاً دخل على عائشة، وهى تخيط نقبة لها، فقال: يا أمَّ المؤمنين، أليس قد أكثر الله الخير؟! قالت: دعْنا منك، لا جديدَ لِمَن خَلَق له.
كما عُرِفت - رضى الله عنها - بزهدها وكرمها وجرْأتها فى الحق وجهادها، وأعطتِ القدوة فى كل ذلك رضى الله عنها. كما أن نشأتها الإيمانية فى بيت أول مَن آمن بالدعوة المحمدية، وانتقالها فيما بعدُ إلى بيت صاحب الرِّسالة - صلَّى الله عليه وسلَّم - حيث اكتمل نضجُها، وتفتَّحت آفاقها المعرفية، واستوى تكوينها، كلُّ ذلك أهَّلها لتكونَ عالِمةً بأحكام الدِّين، وقمَّة سامقة فيما يتعلَّق بالسُّنة، ورواية الحديث، ويدلُّ على ذلك مروياتها فى الكتب السِّتَّة، وغيرها من مصنفات الحديث.
وتُعدُّ - رضى الله عنها - من المكثرين، ويبلغ مسندُها ألفين ومائتين وعشرة أحاديث، اتَّفق لها البخارى ومسلم على مائة وأربعة وسبعين حديثًا، وانفرد البخارى بأربعة وخمسين، وانفرد مسلم بتسعة وستِّين.
ومن مزاياها: أنَّها كانت تجتهد فى بعض المسائل، وتستدرك بها على علماء الصحابة، وفى ذلك ألَّف الإمام الزركشى كتابًا خاصًّا، سمَّاه "الإجابة لإيراد ما استدركتْه عائشة على الصحابة". كما كانتْ غزيرةَ العلم، موسوعية المعارف، عن أبى موسى الأشعرى قال: "ما أَشْكَل علينا - أصحابَ رسول الله، صلَّى الله عليه وسلَّم - حديثٌ قطُّ، فسألنا عائشة عنه إلاَّ وجدْنا عندها منه علمًا" .
ولقد مرضتْ أُمُّ المؤمنين عائشة فى آخِرِ حياتها مرضًا ألْزمها الفراشَ، وأحاطها الصحابةُ بعنايتهم واهتمامهم بصحَّتِها، فكان يدخل عليها بعضُ الصحابة الذين هم مِن قرابتها، مثل عبدالله بن عباس، فيُثنى عليها؛ لتخفيفِ وطأة المرض عنها، ولم تكن تحبُّ أن تسمع مَن يُثنى عليها، قالت - رضى الله عنها -: "أثنَى على عبدالله بن عباس، ولم أكن أُحبُّ أن أسمع أحدًا اليوم يُثنى علي، لوددتُ أنِّى كنت نسيًا منسيًّا" ، ثم تُوفِّيت - رضى الله عنها - سنة 57هـ، وقد صلَّى عليها سيدنا أبو هريرة – رضى الله عنه - بعدَ الوتر فى شهر رمضان، ودُفِنت بالبقيع.