رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الحياء والتواضع


27-3-2025 | 03:58

.

طباعة
بقلـم: محمد يونس

من جملة أخلاقه صلى الله عليه وسلم، خلق رفيع الشأن، يحمل صاحبه على تجنب القبائح والرذائل، ويأخذ بيده إلى فعل المحاسن والفضائل.. ألا وهو خلق الحياء.

ولقد ورد فى حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «الإيمان بضع وستون شعبة، أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان».

 

فإذا كانت منزلة الحياء فى الإسلام على هذه الدرجة الرفيعة، فلا عجب ولاشك أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق اتصافاً بهذا الخلق، فلقد كان أكثر الناس حياءً، وأشدهم تمسكاً والتزاماً به.

والصحابة الكرام الذين عايشوا رسول الله وكانوا على قرب منه يصفونه صلى الله عليه وسلم بأنه أشد حياءً من الفتاة فى بيت أهلها، ويروى الصحابى أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه ذلك فيقول: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء فى خدرها» رواه البخارى ومسلم.

وأول مظاهر حيائه صلى الله عليه وسلم، تتجلى فى جانب الله عز وجل، ذلك لما فرضت الصلاة فى رحلة الإسراء والمعراج، وكانت خمسين صلاة فى اليوم والليلة، فنصحه نبى الله موسى أن يراجع ربه ويسأله التخفيف، وهكذا تردد رسول الله على الله عز وجل أكثر من مرة يسأله التخفيف حتى وصل عددها خمس صلوات، وعندما راجعه موسى أن يسأل الله التخفيف، قال صلى الله عليه وسلم لسيدنا موسى «استحييت من ربى».

وأما حياؤه صلى الله عليه وسلم من الناس، فالأمثلة على ذلك عديدة ومتنوعة.

ورد أن امرأة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كيفية التطهر من الحيض، فأخبرها أن تأخذ قطعة من القماش، وتتبع بها أثر الدم، إلا أن المرأة لم تفهم ما يقصده النبى، فأعادت عليه السؤال ثانية، فأجابها كما أجابها فى المرة الأولى، غير أنها لم تستوعب قوله، فسألته مرة ثالثة فاستحيا منها وأعرض عنها، ونادى على السيدة عائشة قائلاً لها، علمى أختك أمور دينها.

ومن أدلة حيائه أيضاً ما روى عن أنس رضى الله عنه، فى قصة زواج النبى صلى الله عليه وسلم بالسيدة زينب بنت جحش - رضى الله عنها - فبعد أن تناول الصحابة طعامهم تفرق أكثرهم، وبقى ثلاثة نفر فى البيت يتحدثون، والنبى يرغب فى خروجهم ولكن ولشدة حيائه لم يقل لهم شيئا، وتركهم وشأنهم صلى الله عليه وسلم، حتى نزل قول الله تعالى (فإذا طعمتهم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث، إن ذلكم كان يؤذى النبى فيستحيى منكم، والله لا يستحى من الحق).

وكان من حيائه أيضاً لا يجرح مشاعر أحد، ولا يشهر بأحد أمام أعين الناس، وإنما كان قوله «ما بال أقوام يقولون: كذا وكذا» دون أن يسمى أحداً.

مما لاشك فيه أننا فى مسيس الحاجة لهذا الحلق الذى بدأ فى الاندثار والتلاشى، يجب أن نتمسك بهذا الخلق رجالاً ونساءً، لقد أصبح الحياء عملة نادرة فى مجتماعاتنا، وأصبح عكس ذلك هو الذى نراه ونطلع عليه من خلال الشاشات، ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعى، ومن خلال الكلمة المنشورة فى بعض الصحف، فلنتأسى بسيد الخلق ونتمسك بهذا الخلق القويم الذى فيه الخير، كل الخير، فلنعلم أولادنا وأحفادنا خلق الحياء وننشر تعاليم الإسلام فى هذا المضمار.

وأخيراً نأتى إلى خلق من أخلاقه الحميدة صلى الله عليه وسلم ألا وهو أدب مخالطته وحسن عشرته صلى الله عليه وسلم.

إن من كمال خلق المرء حسن الصحبة والمعاشرة لأهله، وكمال أدبه فى مخالطته لغيره، فلم يمنعه زهده فى الدنيا، وشدة خوفه من الله عز وجل، وكثرة عبادته من دوام بشره، وطلاقة وجهه، وملاطفته لأهله وأصحابه، فكانت معاملته صلى الله عليه وسلم لأهله وأصحابه والناس كافة، أكمل معاملة وأحسنها.

فالناظر فى سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يجد أنه كان يحسن معاشرة ومعاملة أهله، ويوليهم عناية فائقة، ويحيطهم بمحبة لائقة، فكان حنوناً مع زوجاته ودوداً، فكان يكرم ولا يهين، ويوجه وينصح، ولا يعنف ويجرح،

ولذا قال صلى الله عليه وسلم: «لا يفرك - أى يبغض - مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضى منها آخر».

ومن حسن تعامل الرسول مع زوجاته، الترفق بهن ومواساتهن والتخفيف عنهن وذلك فى حال الحزن والبكاء إذا أصابنهن ما يستلزم ذلك، وكذلك من حسن معاملته لأهله مدحهن والثناء عليهن، وبيان فضلهن، وما لهن من مزايا، وكان صلى الله عليه وسلم يستمع إليهن، وربما يعاتبنه، ويرددن القول عليه، ويقابل ذلك بالصبر والإحسان.

ومن لطيف معاملته صلى الله عليه وسلم لزوجته أنه كان يشرب من موضع شربها، فعن عائشة رضى الله عنها قالت:«كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناولة النبى فيضع فاه على موضع فى فيشرب»، وأتعرق العرق «تأكل من العظم الذى عليه لحم» وأنا حائض، ثم أناوله النبى صلى الله عليه وسلم، فيضع فاه على موضع فى».

وما ضرب بيده امرأة قط، وكان يوصى أصحابه بزوجاتهم خيراً، ومن آخر كلامه وهو فى حجة الوداع يخطب الناس «ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوان عندكم» والعوان هو الأسير.

أما معاملته مع أصحابه، فكان صلى الله عليه وسلم من حسن الخلق واللين والحب ما لا يخفى على أحد، فكان ممتثلاً لقول الله تعالى «فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظاً غليظ القلب لا تفضوا من حولك، فاعف عنهم، واستغفر لهم، وشاورهم فى الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله، إن الله يحب المتوكلين».

فكان صلوات ربى وسلامه عليه يتواضع معهم، ويجيب دعوتهم، ويزور مريضهم، ويشهد جنائزهم، ويدعو لهم ولأبنائهم، ويمازحهم ويداعبهم، ويقضى حوائجهم، ويعطى كل من جالسه نصيبه من العناية والرعاية.

وكان صلى الله عليه وسلم بالكلمة الطيبة يحول المحنة إلى منحة فعندما خرج إلى الخندق، فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون فى غداة باردة، فلما رأى ما بهم من تعب وجوع صاح قائلاً «اللهم إن العيش عيش الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجرة» فكان الرد السريع من هؤلاء الجوعى بعد أن رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من معنوياتهم «نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما بقينا أبداً».

وورد أنه كان يجالس أصحابه وفيهم رجل له ابن صغير، يأتيه من خلف ظهره، فيقعده أبوه بين يديه، فمات هذا الولد وانقطع الرجل عن مجلس رسول الله حزناً على ولده، فسأل عنه النبى فذكروا له ما حدث له، فلقيه النبى فعزاه، ثم قال: «يا فلان أما كان أحب إليك أن تمتع به عمرك، أولا تأتى غداً إلى باب من أبواب الجنة، إلا وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك؟ قال يا نبى الله، بل يسبقنى إلى الجنة فيفتح لى بابها، لهو أحب إلىّ، قال فذاك لك فقالوا يا رسول الله أله خاصة، أم لكلنا؟ قال:بل لكلكم، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لقد ضرب رسول الله أروع الأمثلة فى حسن عشرته، وطيب معاملته لأهله وأصحابه، وسمت معاملاته معهم سمواً لا يداينه فيه أحد.

فما أحوجنا للتأسى بهديه صلى الله عليه وسلم، ونحول هذا الهدى النبوى والخلق المحمدى إلى سلوك عملى نطبقه فى حياتنا مع بعضنا البعض.

أخبار الساعة