رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«ملابس العيد».. الغلاء خارج قاموس الأمهات


31-3-2025 | 02:39

.

طباعة
منار عصام

مع شروق شمس عيد الفطر المبارك، تتحول الشوارع إلى لوحة زاهية من الألوان، حيث تكتسى العائلات بأبهى الحُلل، معلنة عن قدوم مناسبة دينية كبرى، تتسم بزى خاص، فهو ليس مجرد ملبس تقليدي، بل رمز للتجديد والبهجة، ولكن هذه النسخة من الأعياد، تتعلق بالفصول المناخية.

ما يميز عيد الفطر هذا العام، هو قدومه فى فصل الربيع، ما دفع مصممو أزياء العيد لحياكة ملابس الأخير، ملفوفًا بألوان الربيع.. ولأن الأطفال دائمًا ما يكونون أبطال مشاهد العيد المختلفة، فبدورهم تركز الأسر المصرية على اختيار ملابس الصغار بعناية فائقة.

ونشير هنا، إلى أن تلك الملابس التى تقتنيها الأمهات لأطفالهن (خلال ساعات معدودة) بعد جولات مستمرة متأنية على المحال التجارية، يعمل عليها المصممون والمصنعون لأشهر سابقة قبل قدوم العيد، كونها ليست كأى ملابس أو أزياء، ولكنها ذاكرةٌ تُحفظ فى خزانة القلب قبل خزانة الملابس.

(المصور)، تجولت بين المدن الصناعية، وتجولت فى مصانع ملابس الأطفال، لترصد مشاهد حياكة البهجة وغزل فرحة العيد، وذلك من خلال تتبع مراحل صناعة ملابس الأعياد لعام 2025، وماهية الألوان المسيطرة والتصاميم المناسبة لموسم العيد المتزامن مع الربيع.

ملابس العيد تعايد ألوان الربيع

رحلة ملابس العيد نموذج حى للتواصل الإنساني؛ فهى تجمع بين الفن والعمل الجماعي، من مصمم يرسم أحلام الموسم القادم، إلى عاملة تخيط بغرزاتها أمنيات الأطفال، كل مشارك فى هذه السلسلة يُسهم فى نسج نسيج العيد.. عندما ترتدى العائلات حُللها الجديدة، فإنها تذكرنا بحقيقة جوهرية: الفرح، كالثوب المطرز بإتقان، يُصنع غرزة غرزة، وبيدين تعملان معًا.

فقبل أشهر من العيد، ينطلق المصممون فى مهمة لدمج التراث مع الحداثة داخل صروح صناعية واستوديوهات تعج بعينات الأقمشة والرسومات، تتشكل صيحات الموسم، هنا يعلق أشرف عبده، مصمم أزياء، قائلاً: العيد هو وقت نحكى فيه قصصًا عبر الأقمشة.. تُختار فيما بينها لتوازن بين الراحة والترف: كتان ناعم، وشيفون متدفق.

تهيمن درجات الأحمر والموكا والباستيل الهادئة مثل الوردى الكوارتزى والأخضر النعناعى على موسم عيد الفطر 2025، مع لمسات معدنية للفساتين النسائية.

أما ملابس الأطفال، فتحمل نقوشًا مرحة على شكل حيوانات، فى حين تتجه «الشيميزات» الرجالية إلى الأناقة البسيطة مع قطع غير متناظرة.

كما كشف «عبده»، أن «العالم حاليا أصبح أكثر انفتاحا على التوسع فى استخدام الأقمشة العضوية مثل القطن العضوى أو المواد المُعاد تدويرها مثل البوليستر من الزجاجات البلاستيكية، وكذا الاعتماد على تصاميم تُركز على القابلية لإعادة الاستخدام أو التحلل الحيوي».

وأضاف أن «الأسر المصرية تحرص على اقتناء ملابس مُصممة لتنمو مع الطفل مثل السراويل ذات الأربطة القابلة للتعديل أو اقتناء ملابس لها مقاسات أكبر درجة أو اثنتين لتستمر مع الطفل الذى ينمو بمعدل سريع لمدد أطول».

وأشار إلى أن تصميم الملابس يشهد تطورًا سريعًا، وذلك تماشيًا مع التطور الهائل فى التكنولوجيا، حيث أصبح يتم الاعتماد على إدخال الأنسجة الذكية التى تُنظم الحرارة أو تقاوم البقع بكثرة عالميا وكذا محليا، حيث اتجهت كبرى المصانع حاليًا فى مصر لذات التوجه، مضيفًا أنه حتى على مستوى الألوان يتجه الكثيرين فى الوقت الراهن إلى الألوان الزاهية والطباعة الجرافيكية مثل ألوان نيون المضيئة مثل الوردى الفوسفورى والأخضر الليموني.

ولفت «أشرف»، إلى أن ملابس الأطفال عادة ما تعتمد على رسومات مستوحاة من الطبيعة أو الفضاء أو الحيوانات الخيالية بتأثيرات ثلاثية الأبعاد، وكذا يوجد نصيب أيضا لعدد من الشخصيات كارتونية أو أفلام ترتبط بالأطفال، مثل ديزنى أو أفلام الرسوم المتحركة الجديدة.

تبدأ رحلة تحويل التصميم إلى واقع داخل المصانع، حيث تتحول المخططات إلى قطع ملموسة.. ففى مصنع «روك ستون» بالعاشر من رمضان، تُعلّق لفائف من القماش بألوان الزعفران والعاجى والأزرق الكوبالت على الجدران.. ويعمل «قصّاصو الأنماط» بدقة لتحويل الرسومات إلى مقاسات متنوعة، مع ضمان عدم إهدار القماش..

السيد غنيم، مالك المصنع، قال: «الأمر أشبه بحل لغز؛ كل قطعة يجب أن تحترم رؤية المصمم مع تقليل الهدر.. ويتم الإعداد والتجهيز لملابس العيد قبل حلوله بما يقارب 3 أشهر».

وأوضح «غنيم»، أنه «دائما ما يتم مراعاة أن تكون المنتجات مناسبة للأجواء - سواء صيفية أو شتوية، رغم أن كافة التصاميم الموجودة حاليًا بالأسواق هى تصاميم شتوية، على الرغم أن الأجواء متقلبة وغير مستقرة بين الشتوية والحارة، الأمر الذى يضع أصحاب المحال فى حيرة لاختيار نوعية المعروضات التى سيتم عرضها بالمحلات أمام الجمهور، كما أن أغلب المصانع حتى منتصف مارس الجاري، كانت تضخ تصاميم شتوية إلى السوق المحلية، ولم تبدأ فى التصاميم الصيفية سوى مع نهاية الشهر ذاته».

وعن مراحل تنفيذ قطعة الملابس، كشف «غنيم» أنها تبدأ بمرحلة التصميم، والتى تتم على أجهزة الكمبيوتر، حيث يقوم المصممون باختيار الشكل ونوعية القطعة - سواء كانت قميصا أو تى شيرت أو بنطلونا أو فستانا، ثم وضع التصميم الخاص بها تمهيدًا لإنتاج عينة منها، وذلك لعرضها على العملاء الراغبين فى الشراء، وبمجرد موافقه العميل عليها يقوم بتوريد القماش اللازم إلى المصنع من أجل تصنيع تلك العينة بالكميات المتفق عليها.

وأكد أن المواسم والمناسبات المختلفة كالأعياد يسبقها فترات ضغط فى الإنتاج من أجل ضخ وتزويد الأسواق باحتياجاته من الملابس وتوفير مطالب الشراء من قبل الأسر المصرية، التى تحرص على شراء ملابس جديدة خلال الأعياد المختلفة، ومن بعد الإعداد والتصميم يأتى دور خطوط الإنتاج.. ويعتبر قسم الخياطة بمثابة قلب المصنع النابض، حيث تُنسج الأقمشة بوتيرة سريعة.

ماكينات الخياطة تتراقص ابتهاجًا بمشاعر الأفراح

كذلك صفوف من العمال يُشغلون ماكينات الخياطة بتناغم، يتشابه مع تناغم ضحكاتهم وحماسهم لطلبيات موسم العيد على وجه التحديد، فوراء كل قطعة ملابس، توجد أيادٍ تنسج مشاعرها مع الخيوط، حيث قال الخياط عمر غالب، إن «إنتاج ملابس العيد لها طابع شخصى فعندما أخيط ملابس الأطفال، أتذكر طفولتى حين كنت أرتدى زى الأعياد المنتظرة، وها أنا الآن أصنع ملابس العيد لأطفالى وأطفال آخرين بنفسي».

وعقب انتهاء خطوط الإنتاج التى يعد «غالب»، جزءًا منها، يأتى دور قسم الجودة، حيث تتم فحص جودة المنسوجات للتأكد من مطابقتها للتصميم وهى العملية التى تتحول إلى مناسبة خاصة للاحتفاء، حيث يصفق العمال لكل دفعة من الملابس تجتاز الاختبار بنجاح، لتصبح فرحة «غالب» فرحتين.. فرحة حياكته لملابس العيد للأطفال، وفرحة نجاحه فى عمله.

طيارو البهجة يوزعون الأفراح

مرور الملابس من الجودة يعنى انتقالها إلى مرحلة الكى والتغليف، فمع اقتراب الموعد النهائى للتسليمات، تُكوى الملابس وتُعلَّق عليها البطاقات، ثم تُلف بأناقة فى ورق شفاف مزين بملصقات «عيد مبارك»، وتعمل فرق الشحن ليل نهار لإرسال الشحنات إلى الأسواق فى القاهرة والمحافظات المختلفة، تكتظ متاجر مثل «وسط البلد» فى القاهرة بالمجموعات الجديدة، التى تبحث عنها الأمهات لأطفالهن.

ارتباك الأمهات: شتوى أم صيفي؟

وهنا مرحلة لا تقل صعوبة عن سابقتها، فالأمهات يكررن جولاتهن على المحلات بحثًا عن ملابس عيد تتمتع بكل المميزات، أناقة وسعر معقول وجودة، وإن كانت رحلة البحث عن ملابس هذا العيد مختلفة بعض الشيء ويشوبها كثيرًا من الحيرة، بسبب تزامن العيد مع فصل الربيع وهو من الفصول البينية التى سبب ارتباك لدى الكثير من الأمهات فيما إذا كان من الصائب اقتناء ملابس عيدى شتوية أم صيفية وخاصة أن الملابس الخريفى لا يخصص لها خطوط إنتاج كبيرة.

رحلة البحث عن ملابس العيد من قبل الأمهات ترسمها الشوارع التجارية المزدحمة، حيث تخرج الأمهات كقائدات فرح، يحملن قوائمَ طويلةً من الأمنيات: فستانٌ وردى بشراشيب لابنةٍ فى العاشرة، «جلابية» كحلية مطرّزة لطفلٍ يخطو أولى خطواته، أو بدلةٌ بولو شيك تجمع بين أناقة الأب ومرح الابن..

فى الأسواق الشعبية أو المولات الفاخرة، تختبر الأم عينها كخبيرة أزياء؛ تلمس القماش لضمان نعومته، تتفقد الغرز خوفًا من خيطٍ نافر، وتقاسِم البائعين نقاشاتٍ حماسية: «هات اللون ده»، «الموديل ده موضة السنة دى».

بدورها، قالت سعاد منير، إحدى الباحثات عن ملابس لأولادها الثلاثة: «لبس العيد ليس مجرد قماش، ولكن ذكريات تحفر فى ذاكرة أطفالي، فأسرتى لديها عادة سنوية كل عيد وهى التقاط صورة عائلية بعد صلاة العيد، وفيها يكون كل الأطفال يرتدون ملابس البهجة».

وحول الأسعار هذا العام.. أكدت «سعاد»، أنه «حتى ولو اقتصدت فى مصروفات السنة كلها، فإن طقم العيد خطٌ أحمر؛ لأنها رمزٌ للحب الذى لا يُقاس بثمن، وشهادةٌ على أن فرحة أولادنا أغلى من أى شيء».

 

 

 

 

 

 

أخبار الساعة