هدر الطعام مشكلة كبيرة فى جميع أنحاء العالم، إذ يهدر ما يقرب من مليار وجبة طعام يوميًا لا تصل إلى أفواه الجائعين، ورغم وجود الكثير مما يجب فعله للحد من ذلك، فإن بعض الدول سنّت قوانين لإثناء الناس عن هدر الطعام ووضعت أهدافًا طموحة لتحقيق ذلك، حيث دأبت مدن فى فرنسا وبلجيكا على توزيع الدجاج مجانًا لسنوات لمكافحة هدر الطعام، فهل يمكن أن تنتشر هذه الفكرة فى أماكن أخرى؟
لا يقتصر الأمر على إهدار الطعام فحسب، بل يشمل المال أيضًا، إذ أوضح تقرير مؤشر الأمم المتحدة لنفايات الطعام لعام 2024 -الذى قاس هدر الطعام على مستوى المستهلك ومتاجر التجزئة فى أكثر من مائة دولة -أن أكثر من تريليون دولار تهدر سنويًا فى بقايا طعام المنازل ومتاجر البقالة والمزارع فى جميع أنحاء العالم. لذلك بدأت مدينة كولمار الفرنسية توزيع الدجاج مجانًا على سكانها فى عيد الفصح عام 2015، وكان الهدف من هذه المبادرة التجريبية الجديدة التى أطلقتها إدارة جمع النفايات فى المدينة الحد من هدر الطعام. كان المشروع قيد الإعداد فى عام 2014 تحت شعار «عائلة واحدة، دجاجة واحدة»، وفى العام التالى أطلقت هذه المبادرة بالشراكة مع مزرعتى دجاج، وانضم أكثر من مائتى منزل فى أربع بلديات، وحصل كل منزل على دجاجتين. وقّعت كل أسرة تعهدًا بالالتزام بتربية الدجاج، ولم توفر حظائر للدجاج، بل كان على السكان بناء أو شراء حظائر خاصة بهم. وعلى مر السنين، انضمت بلديات أخرى. فى عام 2016، حظرت الحكومة الفرنسية هدر الطعام فى متاجر البقالة وألزمتها بتوزيع الطعام على الجمعيات الخيرية أو تحويله إلى علف حيواني.
لمكافحة هدر الطعام، تتبنى العديد من الدول استراتيجيات متنوعة للتقليل من الفاقد وتحقيق استخدام أكثر كفاءة للموارد، حيث عالجت الصين هذه المشكلة بقانون دخل حيز التنفيذ عام 2021، والذى يحظر التنافس على تناول الطعام ومشاركة مقاطع فيديو تصور الإفراط فى تناول الطعام. كما تشجع شركات الأغذية على تذكير العملاء بضرورة مراعاة هدر الطعام والحد منه بفاعلية. تنذر المطاعم التى تُدان بالتحريض على سلوكيات مضللة تؤدى إلى إهدار الطعام، وتغرم المخالفين بغرامات تصل إلى عشرة آلاف يوان. بينما سنّت سنغافورة قانونًا يلزم مراكز التسوق الكبيرة والفنادق بفصل نفاياتها الغذائية العضوية عن جميع أشكال النفايات الأخرى، ومن خلال فصل نفايات الطعام يمكن لخدمات إدارة النفايات تحويلها بكفاءة أكبر إلى سماد أو علف حيواني.
كما وقّعت الحكومة النرويجية وقطاع الأغذية اتفاقية لخفض هدر الطعام إلى النصف بحلول عام 2030، أما الدنمارك فقد نجحت فى خفض هدر الطعام فى جميع أنحاء البلاد بنسبة 25 فى المائة فى غضون خمس سنوات فقط. بعض الدول، مثل كندا وألمانيا، تقدم حوافز ضريبية للشركات التى تقوم بتوزيع الفائض من الطعام على المحتاجين، وتحاول بعض الدول، مثل فرنسا والمملكة المتحدة تعليم الناس كيفية استهلاك بقايا الطعام وإعادة استخدامها. كما تطلق الدول حملات توعية للمستهلكين تهدف إلى تشجيع الناس على شراء كميات مناسبة من الطعام، وتوضيح طرق التخزين السليم للحفاظ على الطعام لأطول فترة ممكنة.
بينما تشجع حكومات عدة على التبرع بالفائض من الطعام من خلال تخفيف الإجراءات البيروقراطية وتوفير منصات إلكترونية لربط المتبرعين بالمؤسسات الخيرية. ففى إيطاليا، تم تبسيط الإجراءات القانونية الخاصة بالتبرع بالطعام لتمكين الشركات من التبرع بشكل أسرع وأسهل. يمكّن القانون تجار التجزئة من التبرع بنفايات الطعام لبنوك الطعام والجمعيات الخيرية، كما يعفى القانون الشركات من العقوبات المفروضة على التبرع بالطعام بعد انتهاء تاريخ صلاحيته، إضافة إلى توفير حوافز ضريبية تتناسب مع كمية الطعام المتبرع به، وتمكين منتجى الأغذية من التبرع بالطعام الذى كانوا سيهدرونه لولا ذلك. نجحت كوريا الجنوبية فى الحدّ من هدر الطعام بشكل ملحوظ فى السنوات الأخيرة، مما حولها من واحدة من أكثر الدول هدرًا فى آسيا إلى واحدة من أقلها هدرًا. بدأ هذا التغيير فى عام 2013، عندما فرضت الحكومة على سكان سيول دفع رسوم إعادة التدوير بناء على كمية هدر الطعام التى ينتجونها، وأثبتت هذه السياسة نجاحها ثم طُبقت فى مدن أخرى فى البلاد.
تدعم بعض الدول التقنيات التى تساعد فى تحسين سلسلة الإمداد الغذائي، مثل تحسين طرق النقل والتخزين لتمديد مدة صلاحية الطعام، واستخدام الذكاء الاصطناعى لتحليل بيانات الاستهلاك وتحسين توزيع الطعام، فى حين تروج دول مثل هولندا للزراعة المستدامة باستخدام تقنيات حديثة لتقليل الفاقد الناتج عن الإنتاج.
تسهم نفايات الطعام فى انبعاثات غاز الميثان فى الغلاف الجوى أكثر من أى مواد أخرى تدفن فى مكبات النفايات نظرًا لسرعة تحللها. ورغم أن عمر غاز الميثان فى الغلاف الجوى أقصر من ثانى أكسيد الكربون، فإن تأثيره على الاحتباس الحرارى العالمى أعلى بأكثر من ثمانين ضعفًا من ثانى أكسيد الكربون على مدى عشرين عامًا. فى الولايات المتحدة، تشكل نفايات الطعام حوالى 58 فى المائة من انبعاثات الميثان المنطلقة فى الغلاف الجوي. لا يستهلك ما بين 30 و40 فى المائة من إمدادات الغذاء فى الولايات المتحدة، مما يهدر الموارد المستخدمة فى إنتاجه ويخلف آثارًا بيئية عديدة، لذلك تهدف إلى الحد من فقد وهدر الغذاء بحلول عام 2030، ولا يزال أمامها طريق طويل لتحقيق هذا الهدف.
بالنسبة لفقدان الطعام، الهدف هو تقليل كمية الطعام التى تخرج من سلسلة الإمداد الغذائى البشرى بنسبة 50 فى المائة بحلول عام 2030، إضافة إلى منع توليد نفايات الطعام فى المقام الأول، وهو أمر مهم من منظور المناخ، حيث إن غالبية غازات الاحتباس الحرارى الناتجة عن نفايات الطعام تتولد قبل التخلص من الطعام. بالتعاون مع وزارة الزراعة الأمريكية وإدارة الغذاء والدواء الأمريكية وشركاء الولايات والقبائل، تخطط وكالة حماية البيئة الأمريكية لضمان اتخاذ إجراءات بشأن هدف عام 2030 من خلال العمل مع رواد منظومة الغذاء، مثل القطاع الخاص، والحكومة، والمنظمات غير الربحية، والأوساط الأكاديمية، والمؤسسات الدينية، لتعزيز التدخلات والأدوات الناجحة لتعزيز الإدارة المستدامة للغذاء. بمواءمة الهدف الوطنى مع الهدف 12.3 من أهداف التنمية المستدامة، تتحدى أمريكا الجميع لمنع هدر الطعام فى المقام الأول، والحفاظ على الغذاء فى سلسلة التوريد البشري، وإعادة تدوير أى شيء متبق. هذه المبادرات تعمل على تقليل هدر الطعام والمساهمة فى مواجهة مشكلة الجوع والفقر.
