رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

بمناسبة الاحتفال بيوم اليتيم: متى تصبح مصر خالية من مؤسسات الرعاية؟


5-4-2025 | 01:05

.

طباعة
بقلـم: محمد الحنفى

بعد أيام قلائل تحل علينا أول جمعة من شهر أبريل .. يومٌ قرر فيه العالم الاحتفال باليتيم .. مناسبة جميلة وتقليد محمود.. والأجمل أن تكون الفكرة مصرية خالصة ، انطلقت منذ أكثر من عشرين عاماً وتحديداً في عام 2003 من خلال جمعية الأورمان الخيرية ، لتصبح بعدها عيداً يحتفل به العالم تحت مسمى “يوم اليتيم” !

في هذا اليوم «فقط» تتسابق جهات كثيرة من المجتمع المدني والجمعيات الأهلية مع نخب من المشاهير والنجوم للتواجد بدور الأيتام، محملين بالثياب واللعب، والمأكولات للترفيه عن قرابة 1.5 مليون طفل مصري حُرموا من حنان الآباء والأمهات.. بعض المشاهير وبكل أسف لا يبتغون وجه الله أو إدخال السرور والبهجة في قلوب هؤلاء الصغار بقدر ما يبتغون استثمار أو - بمعنى أدق استغلال تلك المناسبة حتى لو كانت متاجرة بمشاعرهم من أجل تحقيق «شو» يحصدون من ورائه المزيد من الشهرة!

ولكن هل سألنا أنفسنا يوماً عن حقيقة مشاعر هؤلاء المساكين وما يحدث لهم بعد انقضاء هذا اليوم وانفضاض المولد وإسدال الستار على فعاليات الاحتفالات والشوهات والذي منه؟

هذا السؤال المهم أجاب عنهم الأبطال الحقيقيون لمسلسل «ولاد الشمس» الذي عُرض في النصف الأول من شهر رمضان وفاجأ المشاهدين في حلقاته الأخيرة بظهور حقيقي لهم في سابقة تحدث لأول مرة، وسبْق يُحسب للمؤلف مهاب طارق والمخرج شادي عبدالسلام !

هؤلاء الأبطال الحقيقيون الذين يحمل بعضهم شهادات عليا من دكتوراه وماجستير ويتقلدون مناصب محترمة وبعضهم متزوجون، أدلوا بشهادات تجبرنا على فتح الباب من جديد لطرح قضاياهم كأيتام وما يحدث لهم في دور رعايتهم ومن يتولى شؤون تربيتهم وكيف ينصهروا في الحياة بعد بلوغهم سن الـ 18، ليصبح لزاماً علينا ألا نكتفي بالاستماع إليهم بل بات ضرورياً أن نبحث عن حلول ومعالجات لقضاياهم، حتى لا يقتصر الأمر على تقديم الهدايا والحلوى ومشاركتهم الرقص والزمر.

من هؤلاء الأبطال الحقيقيين «فاتن وليد».. فتاة يتيمة كتبت رسالة مبُكية مؤثرة من خلال صفحتها بالفيسبوك، دونت فيها جملاً حزينة موجعة، استوقفني بعضها وربما كانت دافعي الأكبر لكتابة مقالي!

هذه الرسالة استفزت مشاعري، جعلتني أتوقف عند كل كلمة وردت فيها.. «البنت كانت بتدعي من ربنا إن اللي بييجي يطمن عليهم يفضل قاعد، علشان لما بيمشوا الدنيا بتضلم، والأبواب بتتقفل، والأصوات كلها بتتوحد في صوت صريخ من الألم!»، إذن «جمعة واحدة لا تكفي» ولا تغني ولا تسمن من جوع للأيتام.. «يوم واحد في السنة مش كفاية».. فما المانع أن نتذكرهم ونكرر الاحتفال بهم في أول جمعة من كل شهر؟ أتصور أن ذلك ليس بالأمر العسير أو الكثير على من كرمهم الله وذكرهم في كتابه الكريم 23 مرة، فضلاً عن أحاديث النبي عليه أفضل الصلاة والسلام التي أوصت بكفالة اليتيم وجعلت كافلهم رفيقه في الجنة وأكدت على أن كفالتهم تعادل الجهاد في سبيل الله، وحذرت من إهمالهم، أو الإساءة إليهم، أو الاعتداء على حقوقهم، وعدّت ذلك من السبع الموبقات، ومن الكبائر العظام ومن أقبح الذنوب والآثام !

هل سألنا أنفسنا يوماً عن الشيء الذي نفعله بشكل لا إرادي ويجرح مشاعر اليتيم؟ هو يريد فقط أن يتوقف العالم عن معاملته كيتيم، لا يريد نظرات ممتلئة بالشفقة لا لشيء بل لأنه يتيم، لا يريد لعيونه أن يسكنها مزيد من الحزن والانكسار، فالطفل اليتيم من أشد المخلوقات احتياجا إلى العطف والرحمة، والتعامل معه بما لا يشعره بضعفه!

أنتقل لفقرة أخرى أكثر إيلاماً ووجعاً في رسالة «فاتن وليد».. البنت قالت: «معنديش أي ذكرى للطفولة أحكيها لولادي، كل اللي فاكراه هو إحنا وإحنا بنطبطب على بعض بعد كل ضربة وكل عقاب، كل اللي طلبته من ربنا إن أي حد ظلمنا، وكان قاسياً علينا، وقفل علينا باب علشان ينفرد بينا، يشوفنا دلوقتي ويسمعنا، يعيش باقي عمره يتمنى إننا نسامحه، وساعتها هنقوله: لا!

فاتن تتحدث عن القسوة والغلظة والعقاب الظالم الذي عانت منه طوال سنوات عاشتها في إحدى دور الأيتام على يد القاسية قلوبهم من فريق عمل الدار الذين حولوها إلى سجن، ومعتقل تمارس فيه كل ألوان التعذيب، وما أكثر وأبشع الجرائم التي ارتكبها ولا يزال يرتكبها هؤلاء الجبابرة «وقود وحطب جهنم» في حق الصغار المساكين الذين لا حول لهم ولا قوة، فكثير من هؤلاء تعرضوا للذل والعنف، ونالهم عقاب شديد على أدنى خطأ يرتكبونه، حتى لو كان غير مقصود، وكم منهم لم يعان الحرمان من الحنان فقط بل عانى الجوع أيضاً على حد قول مسؤولة بإحدى الدور التي ذكرت أن الدار أصبحت تقدم للأطفال هياكل وعظام وأرجل الفراخ بعد الارتفاع الجنونى فى أسعارها!!

لذلك لم تأمرنا الشريعة الإسلامية ببناء ملاجئ، أو دور لإيواء الأيتام؛ لكنها علقت أمورهم في رقاب أغنياء الأمة وشددت على ضرورة نشأتهم في بيوت المسلمين، يكفلونهم، ويرعونهم، ويهتمون بكافة شئونهم، ويكونون لهم بمثابة آباء وأمهات،حتى ينشأوا نشأة طبيعية ويذوبوا في المجتمع بلا عقد نفسية أوأحقاد!

وأتصور أن ذلك الأمر بدأ يتحقق بالفعل في مصر، فالدولة أصبحت تتبع استراتيجية خفض أعداد مؤسسات الرعاية وزيادة عدد الأسر الكافلة، لهذا السبب بدأ عدد دور الأيتام والملاجيء في التناقص، بينما أخذ عدد الأسر الكافلة في التزايد، ووفقًا لبيانات وزارة التضامن الاجتماعي «انخفض عدد المؤسسات من 540 مؤسسة أغلق منها حتى الآن 100 مؤسسة، في ضوء نهج اللامؤسسة الذي تتخذه الوزارة تنفيذًا لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي، كما زادت أعداد الأطفال المكفولين عن أطفال مؤسسات الرعاية بنسبة 28 في المائة، وارتفع عدد الأسر الكافلة ليصل إلى 17 ألف أسرة، بينما يدعم المجتمع المدني نحو 20 في المائة من إجمالي الأيتام في مصر، ناهيك عن اهتمام القيادة السياسية برعايتهم ومضاعفة حدود الإنفاق عليهم حتى وصلت تكلفة رعاية الأطفال الأيتام المقدر عددهم بـ 1.4 مليون طفل إلى 1.750 مليار جنيه سنوياً، بما يشمل مصروفات التعليم والرعاية الطبية والإمداد الغذائي في جميع المناسبات والمواسم ومصروفات أخرى إضافية في أوقات الطوارئ والأزمات، بل إن حوالي 5 في المائة من الدعم النقدي «تكافل وكرامة» موجه للأيتام، فضلاً عن حزمة المزايا التي يتم منحها أو الإعداد لتوفيرها لهم، والتي تتمثل في توفير وحدات سكنية وتجهيزها، واستخراج بطاقات «ميزة» المودع بها دعم نقدي لمساعدتهم في مرحلة الرعاية اللاحقة وما بعدها حتى يتم الانتقال التدريجي للاستقلالية في العمل وفي المجتمع.

لا شك أننا نثمن جهود واهتمام وتوجيهات السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي بملف الأيتام، فقد وجّه سيادته بإعداد مؤتمر لطرح قضايا الأيتام، وجارٍ حالياً الإعداد له، ناهيك عن أن الدولة قد أولت موضوعات رعاية الأطفال وحمايتهم أهمية قصوى من خلال نصوص الدستور وسلسلة القوانين وما اتخذته من خطوات لتعزيز آليات رعاية الأطفال، وحمايتهم من كافة أشكال الإساءة والعنف والاستغلال والإهمال.

كل ما أتمناه في ختام مقالي أن نضاعف الاهتمام بفلذات أكبادنا من الأطفال الأيتام الذين هم أمانة في أعناقنا وكما قال النبي محمد عليه الصلاة والسلام «خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يُحسن إليه، وشرّ بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يُساء إليه»، أتمنى أن تتحقق رؤية القيادة السياسية في توفير أفضل سبل الرعاية الأسرية وشبه الأسرية لهم، وأن تصبح مصر خالية تماماً من مؤسسات الرعاية.

.

أخبار الساعة