هل أسعار الذهب ستستمر فى الارتفاع؟.. هل الوقت الآن مناسب للبيع أم الشراء؟.. متى تبدأ موجة جنى الأرباح لتنخفض الأسعار؟.. التساؤلات السابقة وغيرها الكثير باتت تدور فى أذهان جميع الراغبين فى استثمار أموالهم فى الذهب أو حتى المقبلين على الزواج، ورغم حالة عدم اليقين وصعوبة التنبؤ فى ظل التوترات الجيوسياسية بالإجابة الصحيحة لأى من هذه التساؤلات، فإن كبار تجار الذهب توقعوا أن أسعار الذهب مستمرة فى الصعود على المدى الطويل، وهناك توقعات بوصول جرام الذهب عيار 21 إلى 5 آلاف جنيه بنهاية 2025، لكن على المدى القصير فمن المحتمل انخفاض محدود للسعر بعد العيد لجنى بعض المستثمرين جزءا من أرباحهم وهنا تكون نقطة الشراء من جديد قبل موجة الصعود التالية.
«الخوف وعدم اليقين» كلمة السر وراء الارتفاعات المستمرة التى تشهدها أسعار الذهب، والتى ارتفعت بنحو 15 فى المائة خلال الربع الأول من 2025، فالخوف من حرب الرسوم الجمركية وتهديدها لاستثمارات كبرى والقلق من عدم الاستقرار الجيوسياسى فى العديد من دول العالم، والرهبة من انخفاض أسعار الفائدة المنتظرة، جميعها أسباب اجتمعت لدفع كبار المستثمرين والمؤسسات الدولية، وكذلك البنوك المركزية العالمية لزيادة مشترياتها من الذهب باعتباره أفضل ملاذ آمن، ومع زيادة الطلب تستمر الأسعار فى الارتفاع.
فى مقابل الخوف العالمي، ورغم أن مصر جزء لا يتجزأ من العالم، لكن خوف المستهلك المصرى كان له شكل آخر، حيث اتجه المصريون لزيادة معدلات البيع استغلالا لموجة الصعود لجنى المزيد من الأرباح مع انتظار أقرب وقت لهبوط الذهب لإعادة الشراء من جديد.
وفقا لتقرير مجلس الذهب العالمي، فقد ارتفع إجمالى الطلب على الذهب إلى 4974,5 أطنان فى عام 2024 مقابل 4945,9 أطنان فى عام 2023 بمقدار زيادة بلغت 28,6 طنا من الذهب خلال عام، وتبعتها بدايات 2025 بحالة من القلق والتى أسهمت فى تحركات قوية وعنيفة لأسواق الذهب، فتتزايد حالة عدم اليقين بشأن الرسوم الجمركية التى بدأ الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى فرضها، حيث تثير هذه الرسوم مخاوف من تباطؤ الاقتصاد العالمى وزيادة التوترات التجارية، وبناء على ذلك حسبما قال المحلل الاستراتيجى ييب جون رونغ بشركة «IG»، إن «حالة عدم اليقين لاتزال قائمة بشأن مدى ونطاق الرسوم الجمركية الأمريكية القادم.. ويواصل الذهب الحصول على بعض الدعم كتحوط ضد المفاجآت المحتملة.
كما تتزايد المخاوف بشأن ارتفاع معدلات التضخم، والذى يعد من أكبر العوامل التى تؤدى إلى تآكل الثروات والقوة الشرائية، مما يدفع المستثمرين إلى البحث عن ملاذات آمنة مثل الذهب للحفاظ على قيمة أموالهم، كما تظل التوترات الجيوسياسية مثل الحرب فى أوكرانيا والتوترات فى الشرق الأوسط عاملا داعما لزيادة أسعار الذهب فى ظل أوقات عدم اليقين.
فى السياق ذاته، فإن استمرار البنوك المركزية العالمية فى زيادة مشترياتها من الذهب يسهم بقوة فى زيادة الأسعار، وحسب بيان حديث لمجلس الذهب العالمي، فإن البنوك المركزية العالمية واصلت قيادة السوق، حيث حققت مشتريات خلال 2024 تقدر بنحو 1180 طنا لتشكل أعلى مستوى لها فى أربع سنوات بزيادة بنسبة 25 فى المائة، فارتفعت مشتريات البنوك المركزية فى آسيا إلى مستويات 394 طنا فى عام 2024 منها 100 طن للصين فقط، خاصة أن الصين والتى كانت تمتلك استثمارات ضخمة فى السندات الأمريكية تصل إلى تريليون دولار قبل الأزمة الروسية الأوكرانية، لكنها بدأت منذ عام 2022 فى تقليص هذه الاستثمارات تدريجيا مع تزايد مشترياتها من الذهب لتقليل تعرضها للضغوط الناتجة عن السياسات الأمريكية، وبالتالى ارتفعت احتياطيات الذهب لديها بمقدار 330 طنا تقريبافى الفترة ما بين 2022 و2024.
وعن تحركات أسواق الذهب قال المهندس هانى ميلاد، رئيس الشعبة العامة للذهب بالاتحاد العام للغرف التجارية: الطلب العالمى على الذهب مستمر فى الصعود خاصة من جانب المؤسسات الكبرى، وذلك لتخوفهم من زيادة معدلات التضخم أو حدوث ركود بسبب فرض الرسوم الجمركية، أما على المستوى المحلى فعلى النقيض، هناك ضعف فى الإقبال على شراء الذهب، وقد اعتدنا سنويا على نقص الطلب طوال شهر رمضان لاهتمام أغلب الأسر بشراء المواد الغذائية، وكذلك مصاريف الدروس، كما شهدت الأسابيع الماضية منذ أن كسر الجرام عيار 21 سعر 4 آلاف جنيه زيادة فى معدلات بيع الذهب محليًا لرغبة البعض فى تحقيق مكاسب وجنى المزيد من الأرباح تحسبا لأى انخفاضات سعرية الفترة القادمة، لكن هناك تحسنا نسبيا خلال أيام العيد ونتوقع استمراره لفتره قصيرة بعد العيد.
«ميلاد»، أكد أن التوقعات السابقة بوصول سعر أوقية الذهب إلى 3 آلاف دولار كانت مرهونة بنهاية 2025، لكن الأحداث العالمية دفعت الطلب على الذهب نحو الارتفاع المفاجئ، وبالتالى أسعار الذهب الحالية تجاوزت جميعالتوقعات خلال الربع الأول من العام، وبالتبعية كل المؤشرات تتجه حاليا نحو المزيد من الصعود للذهب لكسر حاجز 3200 دولار للأوقية .
«هاني» أضاف : بالطبع أحدثت قرارات «ترامب» الخاصة بفرض رسوم جمركية على الواردات الأمريكية، خاصة الصلب والألومنيوم، هزة قوية فى الأسواق العالمية وأثرت بدورها على سعر الذهب، وربما تؤدى فى الفترة المقبلة لتغيير فى سياسيات الاستيراد والتصدير الخاصة بدول وأقاليم بعينها، ويمكن أن نستفيد من هذه التغييرات، فحين نعلم أنالاتحاد الأوروبى يدرس إمكانية فرض رسوم جمركية قدرها 25 فى المائة على المنتجات الأمريكية من المجوهرات والماس والأحجار الكريمة، كإجراء مقابل لقرارات «ترامب»، فإن الفرصة تكون مناسبة للصناعة المصرية لتطويرنفسها والعمل على فتح أسواق للمنتج المصرى فى أوروبا وإفريقيا وكندا وغيرها من الدول، حتى نستطيع الاستفادة من هذا الوضع بتنمية صادرات الذهب وزيادة الحصيلة من العملات الأجنبية، وخاصة بعد أن حققت صناعة الذهب المصرية تطورا كبيرا خلال السنوات الماضية.
بدوره، تحدث أسامة زرعى، رئيس أبحاث الشرق الأوسط بشركة جولد إيرا لتجارة الذهب، عن توقعات التحركات السعرية للذهب، وقال: التوقعات تدعم استمرار صعود الذهب نحو هدف 3400 دولار للأوقية خلال 2025، ومحليا من المنتظر أن يتجاوز الجرام عيار 21 سعر 5 آلاف جنيه، وهذه الأرقام على المدى البعيد من العام، لكن من المتوقع مع بداية أبريل حدوث تراجع للسعر المحلى ما بين 250 إلى 300 جنيه وعلى الشاشة العالمية يهبط بما بين 200 إلى 300 دولار لكل أونصة، ويرجع ذلك لجزء يخص موسمية تراجع أسعار الذهب والجزء الأخر متعلق بعمليات جنى الأرباح، سواء من مؤسسات أو بنوك مركزية، فأغلب البنوك والشركات كانت تستهدف مستقبلا الوصول إلى 3 آلاف دولار للأونصة، وبالتالى لايمكن للمصنع أن يقوم بالشراء عند القمم، أيضا استمرارية صعود الذهب سترفضه العديد من الدول مثل الهند فلديها سندات بالإيجار لمواطنيها منذ 2015 لنحو 180 طن ذهب حينما كان سعر الذهب 1500 دولار وحاليا ارتفع سعره للضعف والمواطن يحقق مكاسب بالغة، بالتالى العديد من الدول الشبيهة لحالة الهند لن تسمح باستمرار الصعود دون العودة للتصحيح وجنى الأرباح، ولهذا فإن الوقت المناسب للشراء محليا وفقا لهذا التوقع بين منتصف مايو إلى أوائل يونيو بشرط ألا تظهر أحداث عالمية جديدة تغير الموازين، فالتوقعات المنطقية حتى الآن أن أمريكا ستشارك أوكرانيا فى معادنها الثمينة مع حدوث هدوء بين روسيا وأوكرانيا، لكن إذا تم فك الحجر على الخزائن الروسية سنشهد انهيارا عالميا فى أسعار الذهب، فالسبائك الذهبية الروسية يتم رفضها عالميا منذ حرب أوكرانيا، لكن إذا حدثت المصالحة وتم السماح بتداول الذهب الروسى مرة أخرى ستشهد الأسواق زيادة كبيرة فى المعروض وبالتبعية انهيار فى الأسعار .
من جهته، أكد عمرو المغربى، عضو مجلس إدارة الشعبة العامة للذهب باتحاد الغرف التجارية، أن «الذهب استثمار طويل الأجل، لذا التوقيت مناسب للشراء طوال الوقت، طالما هناك مبلغ فائض عن احتياج الأسرة، والبيع حاليا يفضل أن يكون للضرورة فقط، فالذهب دائما يتجه نحو الصعود حتى لو حدث هبوط فى بعض الأوقات لجنى الأرباح، لكنه يعاود الصعود بقوة ليتجاوز القمم السابقة، خاصة فى ظل عدم الاستقرار العالمي، فالذهب حاليا أفضل مخزن للقيمة.
«المغربى»، فى سياق حديثه، لفت إلى أن «فكر المستهلك المصرى تغير مؤخرا، فالطلب على المشغولات الذهبية يتفوقعلى مشتريات السبائك والجنيهات الذهبية، فخلال العامين الماضيين كان الطلب منصبًا على السبائك، ونظرا لنقص المعروض وقتها شهدت أسعار الذهب محليا زيادة عن الأسعار العالمية، أما الآن فى ظل هدوء حركة الشراء فنجد أن أسعار الذهب محليا أقل بنسبة بسيطة من السعر العالمي»، مؤكدًا أن «شراء الذهب حاليا للضرورة فقط نظرا لارتفاع الأسعار بقوة خاصة للمقبلين على الزواج فيتم شراء الشبكة وفقا لإمكانات العريس وأقل دبلة حاليا بسعر 8 آلاف جنيه».
من جانبه أوضح المهندس لطفى منيب، نائب رئيس شعبة الذهب والمجوهرات باتحاد الغرف التجارية، أن كل التوقعاتفى نهاية 2024 كانت تشير إلى أن الذهب سيصل إلى 3 آلاف دولار للأوقية خلال 2025، بفضل تكاتف دول مجموعةبريكس، والتى كانت تستهدف كسر هيمنة الدولار بعملة موحدة جديدة مقومة بالذهب، وبالتالى كان من المتوقع صعود الذهب وهبوط الدولار، لكن بتولى «ترامب» الرئاسة قام بإلهاء العالم بالرسوم الجمركية، وقام بتفرقة أهداف الدول الخمس الرئيسية بتكتل بريكس، سواء بالضغط السلبى على بعضهم أو التفاوض ومنح مزايا للبعض الآخر، فلم يعدأحد يفكر فى محاربة الدولار، بل سادت حالة من القلق العالمى وضبابية المشهد بفضل الرسوم الجمركية بما دفع الذهب للصعود، وكذلك الدولار أيضا، فقلق أغلب المستثمرين دفعهم لتقليل استثماراتهم فى الأسهم والاتجاه نحو تخزين الذهب فالخوف العالمى هو المتحكم حاليا فى تحرك أسعار الذهب نحو الصعود، فأغلب البنوك المركزية العالميةتفضل حاليا تخزين الذهب على حساب الدولار.
«منيب» أضاف أن «الخوف محليا اتخذ منحى مختلفا للتعامل مع الذهب، فالعديد من حائزى الذهب الذين قاموا بالشراء خلال العام الماضى بسعر 4200 جنيه للجرام عيار 21 بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار وقتها وفوجئوا بعدها بهبوط السعر إلى 2650 جنيها لفترة طويلة بعد توافر السيولة الدولارية من صفقة رأس الحكمة، لكن بمجرد أنكسر الجرام عيار 21 سعر 4200 جنيه للجرام حاليا شعروا بالسعادة لتعويض الخسائر التى كانت فى انتظارهم، وفى نفس الوقت انتشرت حالة الخوف لديهم من حدوث هبوط قادم فى الأسعار، لذا نجد أن حالة البيع هى المسيطرة على المشهد المحلى، سواء لتجاوز البعض مرحلة الخسائر أو لجنى البعض الآخر للأرباح مع الإحجام عن الشراء للذهب كاستثمار، وبالتالى بعد انتهاء موجة البيع سينتظر البعض أقرب موجة هبوط لإعادة الشراء مرة أخرى.
.