شهدت الساحة الإعلامية المصرية _ فى الآونة الأخيرة _ تحولات كبيرة، بين إعلام رسمى يحاول الحفاظ على خطاب متزن، وإعلام موازٍ (خاص أو خارجى) يروّج لأجندات قد تتعارض مع المصالح الوطنية، وفى الأزمة الطاحنة التى ضربت قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، ظهرت أصوات إعلامية تنتقد الموقف المصرى الرافض للتهجير القسرى لأهل غزة، بينما يروّج البعض لسرديات تبرر العدوان الإسرائيلى تحت ذريعة «مكافحة الإرهاب»، ومنذ اللحظة الأولى للأزمة، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسى أن «مصر لن تسمح بتهجير الفلسطينيين من أرضهم»، وهو موقف يعكس التزامًا بالمبادئ الوطنية والقومية، لكن بعض المنصات الإعلامية التابعة لأهل الشر حاولت تشويهه بوصفه «تقاعسًا عن حل الأزمة»، وهو ما يكشف أن معركة «تزييف الوعى» التى أعلنها أهل الشر ضد مصر منذ سنوات عدة، لا تزال جولاتها مستمرة.

وفى هذا السياق، تحدث اللواء طيار الدكتور هشام الحلبى، مستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، قائلاً: الوعى الصحيح هو الأساس لفهم المواطنين لما يدور حولهم سواء داخل الدولة أو خارجها، وفى مصر كدولة تقع فى قلب العالم فلا يملك المصريون رفاهية عدم الوعى بما يجرى حولهم، ويتم توجيه حملات مضادة لتزييف الوعى لدى المصريين خلال الفترة الأخيرة من خلال تزييف الحقائق، وجعلها ملتبسة بشكل يصعب على المواطن فك هذا الالتباس اعتمادا على التكنولوجيا العالية جدا حاليا فى الاتصالات والبرمجيات، التى لديها القدرة على تركيب الأصوات والصور بدقة عالية جدا، الأمر الذى يجعل أى شخص قادر على أن يصنع محتوى غير حقيقى وهو فى ظاهره حقيقى تماما من خلال الاعتماد على أصوات وصور حقيقية، وكشف هذا النوع من التزييف يحتاج إلى خبراء ومتخصصين فى تلك التقنيات، الأمر الذى يجعل انتشار مثل تلك الممارسات عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى يخلق حالة من البلبلة والتزييف بين المواطنين، وهو ما تسعى إليه حالية أجهزة مخابرات الدول المعادية.
«الحلبي»، أضاف: تزييف الوعى يجعل المواطن باستمرار متوترا وهو هدف لدول بعينها معادية للدولة المصرية تسعى لجعل المواطن المصرى فى حالة خصومة مع الحكومة والدولة، مع الأخذ فى الاعتبار أن تحقيق هذا الهدف سابقا كان أمرا صعبا فى ظل وجود تقنيات قديمة، إلا أن المواطن هذه الأيام أصبح محاصرا بكم كبير جدا من التزييف المحترف؛ سواء على مستوى النص أو الصورة أو الصوت، وبالتالى كان لازما على الدولة المصرية أن تواجه هذا الشكل الجديد من محاولات تزييف الوعى.
ولفت مستشار الأكاديمية العسكرية، إلى أن «وسائل الإعلام جميعها تلعب دورا هاما جدا فى بناء الوعى السليم لدى المواطنين، خاصة وأن من المتطلبات الرئيسية للقيام بهذا الدور هو الاحتراف لكشف التزييف المتقن وإظهاره للمواطن وتقديم الحقيقة له»، مضيفا أن «عملية بناء الوعى السليم يجب أن تتسم بالاستمرارية، ولا تقتصر على فترات بعينها خاصة فى ظل تربص أهل الشر والقوى المعادية لوعى المواطن المصرى، بالإضافة إلى ضرورة أن تكون عملية بناء الوعى مناسبة لكافة شرائح المجتمع ومستوياتهم الثقافية والتعليمية والمادية».

كما شدد «الحلبى» على ضرورة أن تتسم الرسالة الإعلامية البناءة الوعى بالمهنية، حيث يجب أن تستحوذ الوسائل الإعلامية الوطنية على تفكير المواطن، وتصبح هى مصدره الرئيسى للمعلومة، ولا يتأتى ذلك سوى بالمصداقية العالية والشفافية فى النقل الإعلامى، مؤكدًا أن «قيادات الدولة على قدر عالٍ من الوعى، لذلك يستهدف الإعلام المضاد المواطن المصرى، ويسعى لجعله دائما ضد دولته وناقما عليها، وهنا تكمن خطورة الرسائل الإعلامية المضادة والمزيفة التى من الواجب أن تؤخذ بعين الاعتبار.
ولفت إلى أن «مواجهة تلك الممارسات يجب أن تتسم بالاستباقية، فلا ننتظر حتى يتم استقطاب الرأى العام فى اتجاهات مغايرة حتى يبدأ التحرك الإيجابى، مع ضرورة الاستعانة بعدد من الخبراء المتخصصين فى توجيه الرأى العام والرسائل الإعلامية لتقديم سيناريوهات مستقبلية للأوضاع فى المنطقة والعالم».
«الحلبي»، شدد أيضا على أن «المؤسسات الدينية يقع على عاتقها عامل كبير فى صناعة الوعى الصحيح لدى المصريين، خاصة وأن دُور العبادة عند المصريين لها قدر كبير من المصداقية لديهم، بالإضافة إلى الدور الرئيسى للمدارس والجامعات المصرية بتوعية الطلاب خاصة فى الموضوعات الملتبسة لديهم، وكذا فى قصور الثقافة ومراكز الشباب من خلال العديد من الفعاليات الثقافية والرياضية التى تخلق وعيا صحيا لدى الشباب المصرى».
المنصات الرقمية.. معركة السرديات
مع صعود منصات مثل «تيك توك» و«تويتر»، أصبحت المعلومات تنتشر بسرعة هائلة، لكن دون ضوابط دقيقة، وفى الأزمات، تظهر حسابات وهمية أو مدفوعة تروّج لأكاذيب، مثل ادعاءات بأن مصر تتعاون مع إسرائيل ضد حماس، رغم أن مصر كانت وما زالت بوابة المساعدات الإنسانية لغزة، وهنا أكدت الدكتورة سوسن فايد، أستاذ علم النفس السياسى بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، أن «العالم حاليا يمر فيما يعرف بحرب العقول حيث يتم تزييف الوعى لتوجيهه حسب الهدف المطلوب تحقيقه»، مضيفة أن «الأسلوب الأنسب لمواجهة تزييف الوعى هو الاهتمام بالتعليم بمختلف مراحله بجانب الاهتمام بالتثقيف وإطلاق العنان للمعلومات والحقائق التى تجعل من الأفراد لديهم القدرة على إعمال العقل من خلال توفير معلومات حقيقية وواضحة وعلى قدر عالٍ من الشفافية».
وأضافت «د. سوسن»: شبكات التواصل الاجتماعى تعتبر أهم أدوات تزييف الوعى فى الوقت الراهن، حيث تعتبر بمثابة أداة وسلاح يستخدمه البعض لتحطيم العقول وتزييف الوعى وبث ثقافات مغايرة لثقافات المجتمع نفسه وتخدم أهدافا خارجية، وبالرغم من ذلك فإنها تعتبر سلاحا ذا حدين، فمن الممكن أن تساهم شبكات التواصل الاجتماعى فى جعل مستخدميها على درجة عالية من الوعى والفهم من خلال التعرض للموسوعات والحقائق والمعلومات، وكذلك من الممكن أن يدس فيها السم الذى يعمل على تشويه العقول والأفكار والوعى.
كما شددت أستاذ علم النفس السياسي، على ضرورة محاربة القنوات الإعلامية سواء المقروءة أو المسموعة أو المرئية التى تقوم لتزييف الوعى لدى المصريين باعتبارها إحدى أدوات حروب الجيل الرابع، التى تعتمد على بث الأفكار الهدامة فى المجتمع عبر التزييف ونشر الأكاذيب والتشكيك والتشويه، مع ضرورة توفير قنوات إعلامية بشكل جديد وعصرى يتناسب مع عقول وأذواق الشباب الحالى خاصة على مواقع التواصل الاجتماعى؛ حيث يتعرض لها الكثير من الشباب المصرى.
وسلطت «د. سوسن» الضوء على أن الدولة المصرية تعمل حاليا على مواجهة أساليب تزييف الوعى من خلال سياسة «رد الفعل»، حيث تقوم الدولة بتكذيب الشائعات والأخبار المغلوطة فور ظهورها إلا أن هذا الأسلوب ليس له الصدى الذى يصل إلى كافة المواطنين، ولهذا لابد من اتباع سياسات التحصين ضد أى ممارسات هدامة من خلال زرع إعمال العقل لدى المصريين منذ نعومة أظافرهم فى المراحل التعليمية المختلفة. على حد قولها.
التعليم والإعلام.. أدوات بناء الوعى
مما لا شك فيه أن الدولة المصرية تعمل على تعزيز الوعى الوطنى عبر مناهج التعليم والإعلام الرسمى، وهو ما أكده الدكتور محمد أحمد حنفي، أستاذ الإعلام الرقمى بكلية الإعلام جامعة القاهرة، بقوله إن «فكرة تزييف الوعى تحمل فى داخلها تحقيق أهداف معينة لصالح القائم بعملية التزييف، حيث يتم الاعتماد على حقائق واستخدامها استخداما مغلوطا ومعايير من أجل تحقيق أهداف محددة سلفًا، كما حدث مع الجماعات الإرهابية التى كانت منتشرة فى مصر خلال العقد الأخير؛ حيث كانت قيادات تلك الجماعات تبرر قتال الجيش المصرى والشرطة المدنية للشباب المنتسب لتلك الجماعات بضرورة قتال العدو الداخلى حتى يكونوا جاهزين لقتال العدو الخارجى».
«د. محمد»، أكد أن «ممارسة تزييف الوعى تجد من وسائل التواصل الاجتماعى أرضا خصبة من أجل تحقيق مساعيها بغرض بث القلق والخوف فى نفوس المواطنين، كما حدث مؤخرا عندما انتشرت أخبار حول إمكانية استهداف السد العالى خلال عمل عسكرى معادٍ، وبالرغم من قدرة الدولة المصرية على الحفاظ على مكتسبات شعبها، إلا أن الأطراف المعادية وأهل الشر استغلت تلك الفكرة من زاوية مختلفة عبر وسائل التواصل الاجتماعى للتأثير على ثقة المصريين فى أنفسهم وإمكانيات دولتهم، حيث بدأت الأخبار المغلوطة تنتشر عن وجود تسريبات فى جسم السد، وأن أعمال الصيانة لا تتم بشكل دورى وغيرها من الأخبار الكاذبة المدعومة مصورة بتسريب ببعض محطات المياه أو غيرها على أساس أنها للسد العالى»، لافتًا إلى أن «ابتعاد المصريين وخاصة الشباب عن تحرى الدقة وراء مصادر الأخبار وخاصة المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعى والتى أصبحت لدى قطاع كبير من الشباب المصدر الرئيسى للحصول على المعلومات».
كما أشار إلى أن «غالبية دول العالم المتقدمة حاليا أصبحت لا تعتمد على الخيار العسكرى فى تحقيق أهدافها وتطلعاتها، بل أصبحت تعتمد على الحروب السيبرانية وما تشمله من زرع معلومات مغلوطة وغيرها من أساليب حروب الجيل الرابع».
«د. محمد»، شدد على أن «الاهتمام بالأجيال الجديدة والشباب أمر ضرورى من أجل مواجهة كافة الحملات الممنهجة لتزييف الوعى، حيث يجب أن يتم ذلك وفق استراتيجية متكاملة تسعى لتوعية الأطفال منذ نعومة أظافرهم، وهم فى بداية مراحلهم التعليمية، وذلك وفق مناهج متطورة تم وضعها وفقا لرؤية مجموعة من الخبراء والمتخصصين فى مجابهة أساليب الاستقطاب وتزييف الوعى وغيرها من الممارسات التى تستهدف شبابنا.
وتابع: التوعية الصحيحة والسليمة هى السبيل الوحيد لمجابهة كافة تلك الحملات الممنهجة لتزييف الوعى خاصة فى ظل ما تشهده الساحة الإقليمية والعالمية لا سيما الأوضاع فى غزة والتصعيد الإسرائيلى ضد الفلسطينيين أملا فى تنفيذ مخطط التهجير، إلا أن الدولة المصرية منذ اللحظة الأولى لاندلاع تلك الأزمة كانت ولا زالت على قدر كبير من المسئولية والحكمة ودائما ما كان الرئيس السيسى يقوم بتوعية المواطنين عبر خطاباته فى مختلف المناسبات بضرورة وحدة الصف وعدم الفرقة باعتبارها السبيل الوحيد للنجاة.