رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«نزار قبانى».. الشاعر الذى أسرنى (١)


25-4-2025 | 19:28

.

طباعة
بقلـم: سناء السعيد

الأربعاء القادم تحل الذكرى السابعة والعشرون لرحيل الشاعر والدبلوماسى الكبير «نزار قبانى»، والذى وافته المنية فى 30 أبريل 1998 بأزمة قلبية. فى عام 1992 التقيته فى لندن التى كان يقيم بها فى سنواته الخمس عشرة الأخيرة قبل أن يتردى وضعه الصحى فى عام 1997 والذى توفى بعده بعدة أشهر عن عمر 75 عاماً. وأرسل الرئيس السورى طائرة خاصة نقلت جثمانه من لندن إلى دمشق ليدفن بها بناء على وصيته التى كتبها ووصف فيها دمشق: بالرحم الذى علمنى الإبداع، والذى علمنى أبجدية الياسمين.

إنه «نزار قبانى» الذى يعد مدرسة شعرية وحالة اجتماعية وظاهرة ثقافية، كان جريئا فى التنفيس عن غضبه وألمه من الهزيمة التى لحقت بالعرب فى عام 1967، وهو ما حدا به إلى أن يوجه للعرب صنوفا من النقد والتقريظ. ولعل أهم ما أنجزه «نزار قبانى» هو أنه نقل موضوع الحب من الوصف الخارجى إلى موضوع خاص فى الشعر العربى الحديث، دافع عن نفسه عندما حدثته عن انتقاد البعض له بدعوى مبالغته فى وصف النساء العاريات فى شعره مما رأوا فيه تجاوزا للأخلاق والقيم العربية والإسلامية.

مرت به المآسى فى حياته منها مقتل زوجته «بلقيس» خلال تفجير انتحارى استهدف السفارة العراقية فى بيروت والتى كانت تعمل بها، وهى المرأة التى أحبها واستدعى لى ذكراها عندما تقدم للزواج منها ورفضت أسرتها، فكان أن خاطبها بالشعر عندما قال:

مرحباً يا عراق، جئت أغنيك وبعض من الغناء بكاء.

أكل الحزن حشاشة قلبى والبقايا تقاسمتها النساء.

وأدت القصيدة إلى تعاطف المسئولين معه فكان أن ذهب معه وزير الشباب العراقى، ووزير الخارجية لخطبة بلقيس. ونجحت المحاولة وتزوج بمن أحب، واحتفالاً بمرور عشر سنوات على زواجه كتب يقول:

أشهد أن لا امرأة أتقنت اللعبة إلا أنت

واحتملت حماقتي عشرة أعوام كما احتملت

بيد أن قصة الحب انتهت بنهاية مأساوية، ففى 15 ديسمبر 1981 هزت بيروت بانفجار كبير بالسفارة العراقية، وتوفيت بلقيس تحت الأنقاض، وانهار «نزار» بعد سماعه الخبر وكتب يومها يقول:

شكراً لكم .. شكراً لكم

فحبيبتى قتلت وصار بوسعكم

أن تشربوا كأساً على قبر الشهيدة

واستمر «نزار» ينزف شعراً فى حب بلقيس والنساء حتى وافته المنية فى الثلاثين من أبريل 1998.

فى معرض رده على سؤالى عما جرى بعد وفاة «بلقيس» قال لى بأنه غادر لبنان وتنقل بين باريس وجنيف حتى استقر فى النهاية فى لندن والتى قضى بها الخمسة عشر عاماً الأخيرة من حياته.

إنه «نزار قبانى» الذى يعد مدرسة شعرية وحالة اجتماعية وظاهرة ثقافية. تحدثت معه عن جرأته فى التنفيس عن غضبه وألمه من الهزيمة التى لحقت بالعرب وهو ما دفعه إلى توجيه النقد لهم.

ومن جديد نستدعى نزار الشاعر الذى نقل موضوع الحب من الوصف الخارجى إلى موضوع خاص فى الشعر العربى الحديث حيث لا يشبهه أحد. إنه الشاعر الذى وصف بأنه شاعر حقيقى، له لغته الخاصة إلى جانب كونه جريئا فى لغته واختيار موضوعاته. غير أن هناك من انتقد هذه الجرأة التى وصلت فى المرحلة الأخيرة من قصائده لما يشبه السباب.

سألته عن رأيه فى الكتابة فقال لى: (الكتابة ليست بالأمر الهين.. الكتابة عمل انقلابى)، وأضاف: (لقد توقفت عن الكتابة فى الصحف لسبب شخصى وهو أننى لم أجد موضوعا أستطيع أن أقول فيه أكثر مما قلت فى السابق خاصة فى المواضيع التى كانت محل اهتمامى والمتعلقة بالاقتصاد السياسى، وقضايا التنمية. ولأن الكتابة فى نظرى يجب ألا تكون تكراراً أو استنساخاً، بل هى تجديد وإبداع. كما أشعر أننى لا أستطيع الكتابة فى مجالات مثل النقد الأدبى أو الفلسفة أو الدين لقلة معرفتى بجوانب كثيرة فيها). واستدعى هنا ما قاله فى رثاء عميد الأدب العربى طه حسين : (عد إلينا فإن ما يكتب اليوم قصير الرؤى قليل المعانى).

إنه «نزار قبانى» الذى رأى البعض أنه يستحق أن يطلق عليه (شاعر القرن العشرين) لكونه جعل من الشعر العربى خبزاً فى متناول الجميع. حيث تمكن من تسهيل أساليب الشعر وجعله شائعا وممتعا إلى درجة أنه صار على ألسنة الكثيرين من مختلف فئات المجتمع العربى سواء كان منه الشعر السياسى الملتزم أو الغزل الرقيق. وسواء أكان شعرا مقفى وموزونا أو حرا ومنثورا. ويعتبر الشاعر الرائع “نزار قبانى” بعض الكتابة عملاً انقلابياً لأن الكاتب يجب أن يكون ناقداً لتراثه الأدبى، وأن يخرج عن المألوف إلى غير المألوف فى شعره وكتابته الأدبية. وللموضوع بقية.

 

أخبار الساعة