رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

٦٤ مليار دولار استثمارات متوقعة «اقتصادية قناة السويس» بوابة نادى الكبار فى التجارة العالمية


15-5-2025 | 19:20

.

طباعة
بقلـم: د.وفاء على

لا شكّ أن تجليات المد والجزر فى منطقة قناة السويس ومحورها تبعث برسائل اقتصادية نحو تمركزنا بملف التجارة العالمية والصناعات العنقودية الصديقة للبيئة، لتبرز فيه المنطقة «اقتصادية قناة السويس» سند ملكيتنا وهويتنا، بحكم دورها الكبير فى استغلال كل الأدوات الجيواقتصادية، لندخل نادى الكبار للتجارة العالمية، كمنصة للتصدير لأسواق العالم، وتعزيز الخدمات اللوجستية بشكل احترافي، فنحن لم نترك هذا الملف رهينًا للظروف الدولية الراهنة وصراع الكبار لتغيير مسار التجارة العالمية قسرًا لصالح اللاعبين الأساسيين على المسرح العالمى، بل آلت الدولة المصرية على نفسها أن تكون تجليات التنمية المستدامة، تأتى على رأس أولوياتها هذه الرؤية للمنطقة الاقتصادية، كأول منطقة اقتصادية فى مصر بأفضل المعايير الدولية، وتشجيع الصناعات العنقودية لإنتاج سلع وخدمات ذات منشأ مصرى كمصدر ومنفذ للتصدير إلى أوروبا وشمال إفريقيا والعالم أجمع.

وقد كانت الرؤية والرسالة الواضحة هى وجود تجمعات عنقودية لإدارة الوقت وتكاليف التشغيل والقدرة على الابتكار من خلال إنشاء مراكز بحث ودراسة ووجود الشركات المحلية الصغيرة والمتوسطة ونفاذ منتجاتها إلى الأسواق العالمية. وهنا نستعرض الرؤيتين الأفقية والرأسية ومحاور أهم مشروعاتنا القومية لخدمة العالم كله، فمحور قناة السويس تتوافر فيه إمكانات جذب الاستثمارات لمجالات الأنشطة الأكثر نموا فى العالم، وهى النقل واللوجستيات والطاقة والسياحة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ومناطق صناعية عددها 4 مناطق صناعية و6 موانئ منحت مزايا قانونية وضريبية خاصة للاستفادة من العدد الهائل من الشحنات الدولية التى تمر من قناة السويس، وهى منفصلة إداريا عن قناة السويس.

ولقد أثمرت رؤية الدولة المصرية عندما ضخّت ما يُقدر بثلاثة مليارات دولار خلال الأعوام الماضية فى البنية التحتية فى إطار سعيها لجذب الاستثمارات المباشرة، وأخذت فى الاعتبار مزايا التحوط والتنويع التى تتناسب مع حالة التوترات الجيوسياسية وتأثيرها فى المنطقة.

وهناك بلا شكّ حالة من التشكيل الاقتصادى لصناعات منطقة محور قناة السويس، مثل صناعات تجميع السيارات ومكوناتها التشييد والبناء والتصنيع الزراعى والخدمات والمستحضرات الطبية والطاقة المتجددة وصناعة السفن والقاطرات والصناعات العنقودية الثقيلة فى غرب بورسعيد وصناعات جديدة كقطع غيار السفن وماكينات النفط الإلكترونية، بالإضافة إلى مشروعات الأمن الغذائى الخاصة بالمزارع السمكية والمناطق الاقتصادية الأربع، التى تعتبر قاطرة التنمية لمصر كلها، فهى مناطق شاملة على مستوى قناة السويس بأكملها منطقة تخص الإسماعيلية ومنطقة شرق القناة (القنطرة غرب) ووادى التكنولوجيا ومنطقة غرب القناة.

وجاء مشروع المنطقة الاقتصادية ليعمل على رفع مستوى الاقتصاد الوطنى وتحقيق التنمية المستدامة والإسهام فى زيادة عوائد قناة السويس ووصول صناعات جديدة إلى مصر وتوطينها وإتاحة آلاف من فرص العمل بالإضافة إلى الأهداف الإقليمية، وهى الحفاظ على الأراضى الزراعية وتشجيع النمو على الأراضى الصحراوية وتحقيق الربط بين سيناء وبقية المحافظات وتدعيم الأداء المؤسسى للتنمية الشاملة.

هذا بالإضافة إلى تنمية القدرة الصناعية وتعزيز فاعلية السياحة والطاقة المتجددة وتطوير مراكز البحوث والإرشاد وأحياء بحيرة البردويل والمنزلة وملاحة بور فؤاد.

لقد خلقت المنطقة الاقتصادية تنمية مستدامة حقيقية اقتصاديًّا وخلق مجتمعات عمرانية جديدة، بالإضافة إلى بوابات العالم وهى الموانئ الستة الجديدة المجهزة على معايير الجودة الشاملة عالميا.

كما كان هناك حرص على إنشاء مراكز للحوسبة وقرى تكنولوجية، لقد حرصت الدولة أن يكون لكل ميناء ظهير يتضمن منطقة صناعية لوجستية تجمعات عمرانية وإنشاء أحواض بالموانئ لصيانة وإصلاح السفن ومحطات حاويات جديدة ومحطات تموين السفن بالوقود.

وهناك ثلاثة محاور رئيسية للاستدامة فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وهى:

١- الاستدامة البيئية.

٢- الاستدامة المجتمعية.

٣- الحوكمة.

لذلك حرصت الدولة فى رؤيتها على بناء إدارة للاستدامة خاصة بالمنطقة فى أكتوبر 2016، لتكون خارطة طريق لتعظيم الاستفادة من إمكانات مصر ومميزاتها التنافسية وإعادة دورها التاريخي.

لقد جذبت المنطقة خلال العامين الماضيين، رغم كل الرياح المعاكسة عالميًا، 160 مشروعا، بالإضافة إلى أن المنطقة عملت على ترسيخ دورها كمركز عالمى وإقليمى لتداول الطاقة والهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء والميثانول الأخضر، ووقّعت 14 اتفاقية إطارية تم تفعيلها و30 من مذكرات التفاهم، والمتوقع حجم إنتاج سنوى يُقدر بـ18 مليون طن سنويًا باستثمارات بحوالى 64 مليار دولار.

والمنطقة الاقتصادية مُقامة على مساحة 455 كيلو مترا مربعا، وتضم 15 مطورا صناعيا، وتحتوى على مدينة تيدا الصينية الصناعية بمنطقة العين السخنة والمنطقة الاقتصادية الروسية بمنطقة بورسعيد، بالإضافة إلى مشروع كيزاد الإماراتى، ومشروع هاى تك إفريقيا للملابس الرياضية وهو باكورة الاستثمارات التايلاندية، وهذا المشروع نتاج الجهود الترويجية التى بذلتها المنطقة الاقتصادية لمحور قناة السويس، حيث إن هناك 130 مصنعا تحت الإنشاء بشكل متزامن وهو أمر لم يحدث من قبل، فهناك تأكيد على الشراكة الناجحة بين مصر والدول فى صناعة الملابس الجاهزة والمنسوجات وتوطينها والصناعات الغذائية التى تدعم بدورها سلاسل القيمة المضافة حول العالم.

رقمنة الخدمات اللوجستية بالمنطقة الاقتصادية، حيث جاءت تصريحات البنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية ليقول إن مشروع المنطقة الاقتصادية نموذج متميز لتعزيز تسريع رقمنة الخدمات، مما يسهم فى تحويل المنطقة الاقتصادية لتصبح مركزًا عالميًا للاستثمار. وذكرت «فيتش» أن الدولة المصرية ظلت ملتزمة بجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة حول قناة السويس بهدف جذب شركات التصنيع والخدمات اللوجستية متعددة الجنسيات على طول طريق الشحن الدولى الرئيسى، وأن المنطقة وفرت 100 ألف فرصة عمل بالإضافة إلى وجود 400 منشأة عاملة. وأوضح التقرير أن المنطقة حققت رغم التوترات الجيوسياسية وتأثيرها وارتفاع منسوب المخاطر 2.8 مليار جنيه عام 2023/2024، منها 72 فى المائة منها مقومة بالدولار.

وقد تم تموين سفينة حاويات بالوقود الأخضر بميناء بورسعيد فى نوفمبر 2023، وهى أول عملية من نوعها فى الشرق الأوسط، وتصدير أول شحنة من الأمونيا الخضراء من مصنع الهيدروجين الأخضر فى نوفمبر 2023، وقد بلغت عقود توريد الأمونيا الخضراء للاتحاد الأوروبى من مشروع مصر للهيدروجين الأخضر بقيمة 397 مليون يورو، ويعد أبرز المطورين الصناعيين بمشروع المنطقة الاقتصادية «تيدا مصر»، الذى يمثل 148 شركة فى إطار التعاون بين الصين ومصر باستثمارات 9.2 مليار دولار، ومن القطاع الخاص المصرى أوراسكوم للمناطق الصناعية، ويتضمن 119 شركة باستثمارات 8.1 مليار دولار، بالإضافة إلى الشراكة التركية فى مشروع سارى لصناعة الأغذية باستثمارات تبلغ 8 مليارات دولار بنسبة تصدير 80 فى المائة، وهناك مناطق للبيانات السحابية بمركز (كيميت) وهو المشروع الأول من نوعه، باستثمارات تبلغ 450 مليون دولار على مساحة 80 ألف متر مربع، هذا بالإضافة إلى مشروعات الزجاج الكهروضوئى باستثمارات تقدر بـ300 مليون دولار بإنتاج 800 طن يوميا ومصنع «إنرجى جلاس» بطاقة 1000 طن يوميا من الزجاج المسطح، هذا بالإضافة إلى إنشاء مدينة متخصصة فى صناعة الأمصال والدواء تستهدف الملف الإفريقى والأمراض فى إفريقيا مدينة للصناعات الغذائية والتعبئة والتغليف بخبرة بولندية لتميزها فى التعبئة والتغليف.

إلى جانب إنشاء ترسانة بحرية لصناعة السفن التجارية العملاقة ومدينة صناعية لتجميع قطع غيار السيارات، وإحياء مشروع الهيئة العربية للتصنيع المركبات والجرارات ومشروعات معالجة المخلفات الصناعية السائلة بمدينة عتاقة.

ومن هنا نقول بالنقاش والتحليل: إن الدولة المصرية بمنطقة محور قناة السويس استطاعت أن تعبر للمستقبل كلاعب أساسى فى تمركزها على خريطة التجارة العالمية، خصوصًا بعد مشروعها الأخير مع الإمارات العربية كمشروع استراتيجى يعزز المكانة الاقتصادية على سطح الملاحة البحرية فى العالم، فمشروع «كيزاد» شرق بورسعيد يعد من أبرز المشروعات الصناعية واللوجستية فى المنطقة الاقتصادية، حيث يُقام على مساحة 20 كيلو مترا مربعا من ميناء شرق بورسعيد باستثمارات تقدر بـ2 مليار دولار فى مرحلته الأولى، ويساهم المشروع بشكل مباشر فى تنمية مستدامة لسيناء بمجتمع صناعى متكامل.

ستظل تدق الأكف على باب مصر لتقول أين ومن وكيف إذن؟، فرغم كل التحديات الأمنية والتوترات الجيوسياسية وتأثيرها وارتفاع ضغط التخبط العالمى، فإن مصر كان لها رأى آخر، ومضت فى طريقها نحو الريادة العالمية لتدخل نادى الكبار للتجارة العالمية كمنصة للتصدير لأسواق العالم وتعزيز الخدمات اللوجستية بشكل احترافى، ولم تلتفت إلى كل المهاترات الموجودة على الساحة لإزاحتها عن الريادة وتعرف كيف تدير ملف الأدوات الجيواقتصادية بعيدا عمن يحاولون تغيير مسار التجارة العالمية بشكل إجبارى، وجعلت المنطقة الاقتصادية لمحور قناة السويس نداء للعالم. إنها قناة السويس ومنطقتها الاقتصادية الماضى والحاضر والمستقبل هويتنا وسند ملكية هذا الشعب العظيم، فليست حبات من الرمال، «وإنما مَن يمتلكها هو الذى يستطيع إدارة دفة العالم»، كما قال عبقرى الجغرافيا المصرية -رحمه الله- الدكتور جمال حمدان، الذى رأى بعينه كيف تلعب الجغرافيا الاقتصادية دورها فى المنطقة، وأن موقع مصر الجيوسياسى ليس له مثيل، ومن هنا نقول إن المنطقة الاقتصادية لمحور قناة السويس هى كل الحاضر والمستقبل القريب والبعيد.