رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

مــــصـــر.. و«قدر الكبار»


29-5-2025 | 19:34

الرئيس السيسي في القمة العربية الـ 34

طباعة

«أعمقُ الشكرِ لكم شخصيًّا ولكلِّ مصر الحبيبة على كلِّ ما بذلتموه وشكرٌ أكبرُ على كلِّ ما ستفعلونه كلَّ يومٍ أكثرَ.. عاشت مصر.. عاش لبنان».. ما سبق جزء من كلمة مطولة للرئيس اللبنانى، جوزاف عون، ألقاها أثناء زيارته الأخيرة إلى مصر، ولاقت صدى وترحيبًا واسعًا سواء فى الداخل المصرى أو فى نظيره اللبنانى، لا سيما أنها جاءت لتقدم ما يمكن وصفه بـ«شهادة رئاسية» لما تقدمه مصر للأشقاء العرب، والمساحة التى تشغلها «القاهرة» فى المنطقة العربية والقارة الإفريقية على حد سواء.

كلمة الرئيس اللبنانى الكاشفة جاءت متزامنة مع ظهور بعض الأصوات المارقة التى تحاول أن تقلل من تأثير الدور المصرى فى المنطقة، وهو ما ترتب عليه إعادة إحياء واحد من الأسئلة المكررة: هل مصر فى حاجة إلى اتباع عملية «تسويق» لدورها فى المنطقة؟.. وهو سؤال ربما يراه البعض مكررًا، غير أن القراءة المتأنية للتاريخ تكشف -وبما لا يدع مجالًا للشك- أن هذا النوع من الأسئلة يمكن وصفه بـ«السؤال المتجدد»، لا سيما أن الشرق الأوسط يكاد يكون المنطقة الأكثر سخونة طوال السنوات الماضية، وهى سخونة تجاوزت حد «الغليان» فى الفترة الأخيرة مع تزايد الأزمات التى ضربت عواصم المنطقة، ومصر لم تكن بعيدة عن محيط «تأثير الأزمة»، لكنها استطاعت -وتحديدًا فى العام 2013- أن تخرج سريعًا من النفق المظلم الذى كانت تدفعه ناحيتها جماعة الإخوان الإرهابية، لتبدأ مسيرة «الجمهورية الجديدة»، وتستكمل ممارسة دورها القيادى فى المنطقة.

اجترار البعض لسؤال «التسويق والدور المصرى فى المنطقة»، ترجمه آخرون كونه محاولة لجرّ «القاهرة» إلى معركة تدرك جيدًا أن «الجميع فيها خاسر»، وذلك فى الوقت الذى تبذل فيه القيادة السياسية جهودها القصوى لتهدئة المنطقة المشتعلة، فمصر لم تكن غائبة عما يحدث فى لبيبا، لكن حضورها لم يكن «حضور التمثيل المشرف» أو «الرغبة فى الحصول على اللقطة»، بل كان –كالعادة- حضور «العقلاء» و«الوسطاء»، الذين لا يحملون فى جعبة وساطتهم أى أهداف سوى «التهدئة والأمان».

الأمر ذاته تكرر -ولا يزال مستمرًا- فى الأزمة الداخلية التى يشهدها السودان، والدور المصرى فيها ليس بحاجة لـ«تكبير أو تضخيم»، لأنه وُلد كبيرًا بحكم التاريخ والجيرة والعلاقات المتشابكة والمترابطة منذ زمن بعيد، والمكانة التى تتمع بها القاهرة.

الدور المصرى كان بارزًا أيضا فى الأزمة الطاحنة التى يشهدها قطاع غزة، وهذا ليس بجديد على بلد تؤكد قياداته السياسية المتعاقبة أن «فلسطين قضيتها الأولى»، وهو تصريح لم يكن لمجرد «الاستهلاك الإعلامى» أو «الشو»، بل الحقائق والمواقف تكشف ذلك وتؤكد للعدو قبل الصديق. وخلال الفترة الماضية، لا سيما منذ بداية العدوان الإسرائيلى الغاشم على القطاع، أثبتت «القاهرة» أنها تُجيد كل الأدوار، فعلى طاولة المفاوضات كان المفاوض المصرى أكثر تمسكًا بـ«الحق الفلسطينى»، ولم تغل «المحروسة» فى لحظة واحدة «يد المساعدات» التى تقدمها للأشقاء فى القطاع، بل على العكس تمامًا كانت مصر صاحبة «نصيب الأسد» من المساعدات التى دخلت القطاع.

كذلك، على الصعيد الدبلوماسى لم تألُ مصر جهدًا فى حشد القوى الدولية للضغط على حكومة «نتنياهو» لإنهاء الحرب والاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وهى جهود أثمرت عن تحول «الدفة الأوروبية» من دعم «تل أبيب» إلى التلويح بـ«المقاطعة» و«فرض العقوبات»، بل والإعلان عن الاعتراف بـ«فلسطين».

الأمثلة كثيرة، والمواقف متعددة، وجميعها أثبتت فيها مصر أنها «لا تريد إلا الإصلاح»، وذلك على الرغم من أن القاهرة لديها من الأسباب ما يكفى لتبرير عدم تقديمها مساعدات أو دخولها فى وساطات، غير أن ما يجرى حاليًّا هو «قدر الكبار»، وهو ما تدركه القيادة السياسية المصرية تمامًا، مثلما تدرك جيدًا كل ما يجرى خلف الستار.