ذلك الشاب الريفي الذي أتى من أرياف طنطا وقد اعتاد حضور مولد السيد البدوي وتتلمذ على يد محمد الخربتلي في بداية حياته والذي كان يعمل في فرقة الموسيقار العسكرية وسرعان ما ساقته طموحاته إلى القاهرة ١٩٣٨ وهو إبن العشرين الذي عاش حياة قصيرة حافلة بالفن والإبداع والموسيقى التي غير مجراها وترك عليها بصمته الخاصة فقدم أربعمائة لحنا لمعظم مطربي عصره وامتاز بخفة الظل في الحياة والأداء ففي بداية مشواره تعرف على محمد عبد المطلب وفريد الأطرش والموسيقار محمود الشريف والذي شجعه على دخول امتحان الإذاعة التي اعتمدته كملحن فقط ورسب كمطرب ولكنه تعاقد مع الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى وقام بالغناء والتمثيل في مسرحية شهر زاد لسيد درويش والذي كان يعتبر امتدادا له فكلاهما امتازا بخفة الظل والإبداع الغير مسبوق حتى حياتهم كانت قصيرة فقد عاش محمد فوزي ٤٨ عاما قدم فيها ٣٦ فيلما كان أولها سيف الجلاد باختيار يوسف بك وهبي ثم بطولة مطلقة في فيلم أصحاب السعادة لمحمد كريم وقد نجح نجاحا كبيرا وتلاها بفيلم قبلة في لبنان لأحمد بدرخان وفتحت له السينما أبوابها فقدم العديد من الأفلام الغنائية والاستعراضية ..بنات حواء/ورد الغرام/فاطمة وماريكا وراشيل/دايما معاك/ليلى بنت الشاطئ...وقد كان يخرج ويلحن ويغني ويمثل أدوار الرومانسية والتراجيديا والكوميديا بنفس الكفاءة...وقد قابل صباح وشادية وفاتن حمامة وفايزة أحمد وليلى مراد وسامية جمال في أفلامه وكان أول من أنتج الأفلام الملونة من شركة إنتاجه الخاصة التي أسسها ١٩٤٧ وقد تلفت النسخة الأصلية أثناء التحميض لأول فيلمين في باريس وأعاد تمثيلهما على نفقته مرة أخرى...والمهم أن الإذاعة اعترفت به كمطرب وقد تقدم لها بنفس الاغنية التي رفضوه بسببها"كلمني..طمني"وهي في حد ذاتها كانت طفرة في عالم الغناء حيث يعتمد على الكورال دون الموسيقى...ومن يمعن السمع إلى مال القمر مال وحبيبي وعينيه لو في وسط مية ميخفاش عليا واللي يهواك أهواه وياجميل ياللي هنا وليا عشم وياك ياجميل..وتعب الهوى قلبي وطير بينا ياقلبي...سيجد انه في عالم آخر مختلف في طريقة الغناء وايقاع اللحن عن كافة معاصريه أما الديويتو او الحوار خفيف الظل السهل الممتنع الذي تلمسه في شحات الغرام بين القيثارة ليلى مراد وأمير اللحن والصوت محمد فوزي فهو غير مسبوق إلا بمحمد عبد الوهاب وراقية ابراهيم مع الفارق الواضح....وعندما استعرض حياة هذا الرجل الذي غنى للحب والوطن "وطني أحببتك ياوطني" ووضع لحن السلام الجمهوري للجزائر الشقيق و غنى للأطفال كلمات لحسين السيد عاشت وتعيش ربما ابد الدهر...ماما زمانها جاية جاية بعد شوية وعارف الولد اللي اسمه عادل..جه الدكتور وعامله ايه..لقى رجليه زي الفتلة..بص شوية جوة عينيه..راح مديله حقنة كبيرة.....وذهب الليل وطلع الفجر وندر عليا اجيلكوا واولع شمعة من شمعة ..لحد الشبر ونص مايكبر ويروح الجامعة...لقد كان حالة استثنائية من البهجة والتفاؤل وشلالا يفيض من ينبوع موهبة فذة وفريدة تفتقت فافرزت موجة من التطوير والتجديد فلم يعش أسير الحزن والشجن فهو البشوش الضاحك المبتسم الذي حباه الله بكاريزما خاصة فتنساب منه الكلمات والألحان كأنها سلاسل ذهبية...بعد بيتنا ببيت كمان..الحلو ساكن من زمان..ابتسامته لما أشوفه..يجري يدخل من كسوفه... لقد كتب عنه مصطفى بيومي كتاب محمد فوزي المجد والدموع وقال أنه مزيج نادر من البساطة والشعبية والحرية والانطلاق وكتاب آخر لاشرف غريب"محمد فوزي الوثائق الخاصة" وكتاب ثالث لمحمد قابيل بعنوان الأغاني الحلوة والمرة وأساليب التلحين العربي والذي يتحدث عن جذور محمد فوزي ...ولابد أن اذكر انه أسس شركة مصر فون بتحويشة العمر وأنشأ مصنع اسطوانات وفر العملة الصعبة فقد كانت تكلفة الاسطوانة واحد جنيه خفضها إلى ٣٨قرش وتستخدم على الوجهين وقد افتتح المصنع وزير الصناعة انذاك المهندس عزيز صدقي ١٩٥٨ ولكنه فوجئ بتاميم المصنع ١٩٦١، وقد مرض بعدها مرضا غامضا افقده نصف وزنه وسافر إلى لندن ثم إلى المانيا للعلاج وصدر له قرار علاج على نفقة الدولة ولكن الموت كان أسرع من القرار وفقدناه ١٩٦٦ عن عمر ناهز ال٤٨ عاما وهو تقريبا نفس العمر الذي عاشه عبد الحليم حافظ ولكن محمد فوزي انجب من زوجته الأولى ثلاثة أولاد منهم أحد كبار أساتذة الطب الأن ولم يعش أبنائه من السيدة مديحة يسري فقد مات ابنهما بطل الكاراتيه في حادث سيارة وابنتهما فارقت الدنيا في الصغر وكانت آخر زوجاته السيدة كريمة"فاتنة المعادي" وقد أنجب منها كريمته الوحيدة....و اذكر له بعض من الكلمات والالحان.. مين ياقلبي ينسى حبيبه الاولاني..وجاني اللي بحبه جاني.. وفين قلبي فين قلبي ياناس دلوني دلوني دلوني عليه والشوق الشوق الشوق حيرني..وليه بس ياقلبي تبص لفوق ... ومشروع لحن لم يكتمل لأم كلثوم من كلمات عبد الفتاح مصطفى"صعبان عليا" والحقيقة أنه فعلا صعبان عليا.